الاستخدام الصحيح و الأنيق للعربية يحرّرها من شبهة التطرّف
ترى الصحفية الجزائرية بتلفزيون "العربي" و صاحبة فيديوهات اللغة العربية الشهيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن التنصل من اللغة العربية، وليد شعور بالدونية، وضعف الوعي السياسي، مؤكدة بأن مسؤولية النهوض بها لا تقع فقط على عاتق الحكومات، بل تشمل المثقفين العرب كذلك، الذين قالت بأن استخدامهم الأنيق و الصحيح لها، يحرّرها من شبهة ارتباطها بالمتطرّفين.
حاورتها: هدى طابي
المذيعة آمال عراب، كما تقدم نفسها، كشفت في هذا الحوار مع النصر، سر إتقانها للغة العربية و تحدثت عن صورة المرأة في الإعلام العربي.
النصر: دخلت الصحافة وأنت طفلة، أية صدفة قادتك إلى هذا المجال و ما سر علاقتك القوية باللغة العربية؟
آمال عراب: أنا مذيعة جزائرية ناطقة بالعربية، وهكذا أفضل أن أقدم نفسي، فأنا لا أحب وصف الإعلامية، أسعى لأن يكون لوجودي أثر طيب، سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو في الحياة بشكل عام، بدأت المشوار في سن الثانية عشر، و لا أزال إلى يومنا على قيد تجربة، كانت انطلاقتي من الإذاعة المدرسية التي فتحت لي أبواب إذاعة بشار المحلية و الإذاعة الوطنية و بعد ذلك التلفزيون.
سر علاقتي باللغة يعود لكوني ابنة أستاذة لغة عربية، كانت تجعلني دائما أقرأ الكتب بصوت عال، و لعل ذلك هو ما ساعد في تطوير أدائي الصوتي إلى حد ما.
بدأت ببرنامج «الصحفي الصغير»، ثم تم اختياري لتقديم نشرات الأخبار و برامج كثيرة، بعدها انتقلت إلى القناة الإذاعية الأولى، و تلك كانت نقلة نوعية بالنسبة إلي، فقد أسندت لي مهمة تقديم النشرة الرئيسة، و أنا ابنة العشرين سنة، ثم انتقلت لاحقا إلى التلفزيون، ووظفت صوتي في الكثير من الوثائقيات، و في نهاية 2009 وبداية 2010، سافرت إلى إيران من أجل العمل.
ألم يكن الانتقال إلى إيران مغامرة، و لما لم تستهويك «موضة الخليج»، كباقي الإعلاميين الجزائريين في ذلك الوقت؟
ـ في الحقيقة كنت قد تلقيت عرضين للعمل في الخارج في ذلك الوقت، وفعلا كان الأول من بلد خليجي، لكنني فضلت إيران، فقد قيل لي حينها، بأنني سأتعلم هناك الكثير وأنا في تلك السن، ربما الأمر لم يكن مغريا من الناحية المادية، لكنها كانت فرصة مهمة و فارقة على الصعيد المهني.
البلد لم يكن قبلة للصحفيين حينها، و لم يكن من السهل أن يتجرأ المرء على الانتقال للعيش بجوار أفغانستان ومناطق أخرى مشتعلة، خصوصا وأن الملف النووي الإيراني كان وقتها في أوجه، كان ذلك تحديا حقيقيا، فاللغة جديدة والثقافة و الحضارة جديدة و المعطى السياسي والإعلامي جديد، لكن إيران مدرسة أخرى إعلاميا.
التحقت أولا بالتلفزيون الإيراني الناطق بالعربية، و تعرفت أكثر على المدرسة الانجليزية و تلك كانت أول خطواتي نحو الإعلام الدولي، بعدها انتقلت إلى لبنان، في إطار عرض آخر، أين اشتغلت مع قنوات خاصة، و أدرت حوارات مع شخصيات فلسطينية وعربية عديدة منها ليلى خالد، خاطفة الطائرات في المقاومة الفلسطينية، ذهبت أيضا إلى الأردن، و من ثم سافرت إلى لندن و اشتغلت في تحليل الشأن الجزائري في برامج قناة «بي بي سي»، إلى أن جاء تلفزيون «العربي»، الذي كان المحطة الأكثر قوة وبروزا في مسيرتي، حيث كنت أول مذيعة وظفت في القناة في بدايتها، وهذه السنة تحديدا انتقلت إلى الدوحة.
الصحافة لا تصلح لتكون وظيفة بل هي شغف والتزام
حقّقت التميّز في تخصص يحتكره الرجال، ما الذي يتطلبه نجاح المرأة في هذا المجال، خصوصا وأن الكثير من الصحفيات بدأن يخرجن من نمطية برامج الترفيه و المجتمع؟
ـ التوجه الثقافي طبع بداياتي الأولى في الإذاعة، لكن السياسة كانت بوابتي لدخول عالم الاحتراف، صراحة لا أوافق الرأي الذي يحصر المرأة في نوع معين من البرامج، بما في ذلك البرامج الثقافية، التي لا أقلل من أهميتها طبعا، في اعتقادي المذيع بشكل عام أيا كان، يجب أن يكون على قدر كبير و كاف من الثقافة والاضطلاع، إن اختار منبرا للتواصل مع قاعدة جماهيرية شعبية، لأنه في النهاية سيكون مؤثرا بشكل أو بآخر.
مهنتنا لا تصلح لأن تكون وظيفة، و السياسة كأي مجال آخر تتطلب اهتماما بالمجال، فالاهتمام هو ما يقودنا للاضطلاع، قد ندخل أحيانا في صراع الحيادية و الموضوعية، فالمال في العالم ككل يتحكم في الإعلام، لكن هناك بعض القضايا يصبح التعاطي معها صعبا و غير حيادي كالقضية الفلسطينية مثلا.
الإعلام العربي حبيس الصورة النمطية للمرأة
الإعلام العربي يربط المرأة عموما بقضية الجمال وهناك قنوات عربية تسوّق لهذه الصورة، هل يتعارض الجمال فعلا مع الثقافة و الفكر؟
ـ لا يتعارض إطلاقا، لكن في الإعلام العربي عموما، المرأة مرتبطة بفكرة الجمال وهي صورة نمطية سائدة، تروج للمرأة على أنها كائن لطيف و جميل، يصلح لأن يكون واجهة للجمال و يصلح لتناول المواضيع البسيطة و الترفيهية، وهي فكرة أرفضها شكلا و تفصيلا، والدليل أن هناك اليوم العديد من النساء المتمكنات في مجال السياسة، ممن يتفوقن على الكثير من المذيعين الرجال.
ربما تجربتي أيضا في الإعلام الغربي، كرست لدي هذه الفكرة، هناك لا يعترف بالجندر، و لا يعتمد أبدا على شكل المرأة، بل يتم التركيز على أدائها كمحاورة و على ثقافتها و اضطلاعها و مستوى الثقة لديها، وهي فكرة لا تزال تصارعها المرأة في عالمنا العربي، أين تحصر في خانة الشكل، و تقدم المذيعة على أنها قارئة « أوتوكيو»، إن انطفأ انطفأت هي كذلك.
شخصيا واجهت في بداياتي مواقف مماثلة، وذلك خلال حواراتي مع شخصيات معينة، بينهم دكاترة وباحثون ومفكرون كبار، كان انطباعهم الأول عني مرتبط بصغر سني، وكوني سيدة، وهو ما يوهمهم لوهلة، بأن هزيمتي في الحوار سهلة لكنني كنت أثبت العكس.
بعض الأخطاء اللغوية في نشراتنا مرفوضة
عادة يقتصر ظهور الإعلاميات العربيات على الترويج لماركات معينة
و التعاطي مع موضوع الجمال، لكنك قدمت محتوى مغايرا، كيف ولدت فكرة فيديوهات اللغة العربية و ما سر نجاحها؟
ـ التفاعل على مواقع التواصل يختلف، حسب طبيعة المنصة، في تويتر مثلا، نجد نفس الإعلاميات، لكنهن يخاطبن الفكر و يعبرن عن مواقف سياسية، لكن في انستغرام يكثرن الصور، لأنه عبارة عن مجلة، هناك بعض المبالغة أحيانا، لكن ذلك راجع إلى شخصية كل إنسان، أنا لا أحبذ المبالغات، و أعتقد أن المرأة التي لا تمتلك ما تقدمه لمجتمعها، تحاول تبيان أمور أخرى لتستقطب الاهتمام.
أما موضوع اللغة العربية، فقد جاء بفضل الحجر، حينها وجدت نفسي فجأة في مدينة جديدة، و كنت أنشغل دوما بمتابعة نشرات الأخبار في البيت ولاحظت أخطاء مرفوضة في نطق بعض الكلمات، فقررت التصحيح بعفوية عن طريق فيديوهات بسيطة على تيك توك، طبعا أنا لا أدعي أنني سيبويه العرب، أو فصيحة الزمان، لكن من منطلق أنني ابنة أستاذة لغة عربية و اشتغلت في تسجيل الكتب الصوتية العربية القديمة، بما فيها أمهات الكتب، فقد كانت تلك الأخطاء تستوقفني، لأنها مكررة و غير مقبولة و تتعدى ما أجازه اللغويون، لأنها تغير المعنى تماما، مثل عبارة « عدد الوفيات» بكسر الفاء، ولا أخفيكم حقيقة، أنني فوجئت فعلا برواج الفيديو و نجاحه.
لغتنا جميلة و نحن كمثقفين وإعلاميين يجب أن نستعملها بطريقة صحيحة، طه حسين مثلا، كان يتهم المثقف العربي الذي لا يستعمل اللغة العربية بجمالها و أناقتها، في رجولته، وذلك من باب أن من لا يعترف بالخطأ يفتقر للرجولة.
فيديوهات اللغة العربية وُلدت بفضل الحجر
في العادة يلجأ المؤثرون إلى مواقع التواصل لتحقيق الربح المادي، فما هدفك أنت ؟
ـ الجانب الربحي لمحتوى المؤثرين أمر عادي و ليس عيبا، شخصيا لم أكن ابتغي مكاسب مادية من وراء فيديوهات اللغة العربية، كنت أعتقد أن من سيستفيدون منها هم الإعلاميون، لكن التفاعل معها كان كبيرا و لطيفا، حتى أن البعض يسخرون من طريقة الإلقاء أحيانا، بينما يقلدني البعض الآخر بمحبة، لم أسلم أيضا من زملائي الذين يمازحونني بخصوص الموضوع في كل مرة، لكنني مع كل هذا ، وجدت هذا الاهتمام فرصة لإحياء اللغة و ليس عيبا، أن أستغله لذلك.
الكثيرون على مواقع التواصل،كانوا يركزون على تصحيح أخطاء اللغة الإنجليزية، و لكن لا أحد اهتم بلغتنا الأم، لذلك أخذت زمام المبادرة، و أعتقد أن سر نجاح هذا المحتوى، هو كسري لتلك الصورة النمطية التي تحصر من يتقن اللغة العربية في خانة النساء الملتزمات.
الشعوب التي لا تشعر بالدونية تجاه غيرها تستعمل لغاتها
محتواك جاء في وقت تراجعت فيه العربية، وأصبح بعض العرب يتنصلون منها في ظهورهم إعلاميا، ويستخدمونها باستحياء، ألا يصعّب ذلك الأمر عليك؟
ـ أن لا تواكب لغتنا العصر، فهو ليس خطأها فقد كانت سابقا لغة العلوم والطب، وهناك شهادات كثيرة لمستشرقين، تؤكد أنها قادرة على الاستيعاب، اللغة لا تنفصل عن النهضة و تطور الفكر، وهي انعكاس لواقع الشعوب، كما أن لها علاقة بمسألة الهوية، أنا لست ضد استعمال اللغات، لكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب لغاتنا ، فالاستعمال الصحيح للغة العربية، يعد جزءا من الوعي السياسي للشعوب، و الشعوب التي لا تشعر بالدونية تجاه الشعوب الأخرى، تستعمل لغاتها، لكن نحن حبيسو الشعور بأن الأجنبي أحسن منا، لذلك نتقرب منه عن طريق اللغة.
لماذا في رأيك تحوّلت أغنى لغة في العالم إلى عقدة؟
ـ للأمر علاقة بتأثير الأنظمة السياسية والحكومات في بلداننا العربية، حيث لا تركز حكوماتنا على البحث العلمي باللغة العربية، ناهيك عن ضعف الاهتمام بالتعليم و باللغة تحديدا، فالنهوض بالعربية لا يمكن أن يتحقق فقط بفضل تأسيس مجمع لها، الإنتاج هو الأهم، لذلك فالشعوب التي استثمرت في البحث العلمي بلغتها و إمكانياتها ، هي من استطاعت أن تكون في الصدارة اليوم ونحن نعيش أزمة كورونا.
هناك خطورة أخرى لإهمال اللغة، تتمثل في أن إتقانها بات مرتبطا بالمتطرفين الذين يتحدثونها بطلاقة و فصاحة ودون أخطاء، لذلك فإن تعلم المثقف المعتدل لها و استخدامه الصحيح الأنيق لكلماتها، يعيد لها رونقها و يصحح صورتها و كلها عناصر متداخلة.
ماذا تقرأ آمال عراب و لمن تقرأ؟
ـ أنا أقرا كثيرا بحكم عملي و عيني متعودة دائما على الكلمات، لأنني بدأت ذلك في سن مكبرة، قرأت «الأيام» لطه حسين في سن السابعة، أقرأ أيضا لجبران خليل جبران، أما متعتي في الحياة فهي المعاجم وكثيرا ما أتعلم منها، أقرا أيضا أمهات الكتب وأهتم بما تحتويه المكتبات العربية الثرية ، و أنصح من يحب اللغة و يريد تعملها بالشعر القديم، الأعمال الكاملة للمنفلوطي و المعجم الوسيط.
الطاقات الجزائرية هي دائما أعمدة في المشاريع الإعلامية
ما رأيك في الانفتاح الإعلامي الجزائري و بماذا تنصحين الصحفيات الشابات الباحثات عن النجاح؟
ـ لا أملك صورة شاملة عما تقدمه القنوات الجزائرية، لكن الجزائر كانت ولا تزال مصنعا للإعلاميين الكبار، في كل القنوات التي عملت فيها، دائما تكون الطاقات الجزائرية هي أعمدة أي مشروع إعلامي جديد، لأننا في الجزائر تتلمذنا بطريقة صحيحة، فالمذيع متكامل هو صحفي وكاتب و قارئ ومراسل و يجيد التركيب، ولذلك نتحكم جلنا في قواعد المهنة و لغتنا العربية ممتازة، عكس ما يشاع عنا، حيث نجد الجزائري في كل القنوات هو الأكثر فصاحة بكل فخر، لأننا اشتغلنا على أنفسنا كثيرا.
بالنسبة لوصفة النجاح، هي ببساطة مراعاة الخيط بين الابتذال و الترفيه، و التكوين المتواصل وعدم التقليد، ففي فترة من الفترات ذاعت أصوات معينة، وبات الكل يقلدونها، فمثلا أصبحت كل المحجبات يقلدن خديجة بن قنة، وهو أمر أناقشه معها أحيانا، لأنها صديقتي، حيث تشاطرني الرأي بخصوص ضرورة التمتع ببصمة خاصة، فإن قلدت شخصا آخر، فقد قتلت نفسك ومنحت رصيدا للشخص الآخر ، لأن الناس لن يتذكروك، بل سيستحضرونه.