فرضية افتعال الزلازل غير مقبولة و لا منطقية
أكد الخبير في الجيوفيزياء الدكتور حمود بلجودي، بأن النشاط الزلزالي في الجزائر، عبر كل المحطات التاريخية كان معتدلا ولم يكن بنفس الشدة التي عرفتها الزلازل التي ضربت تركيا مؤخرا، نافيا في هذا الحوار الذي خص به النصر، إمكانية التنبؤ بحدوث زلزال من حيث التوقيت والمكان، في حين يمكن توقع حدوث زلزال من خلال بعض المؤشرات، كما نفى بشكل قطعي ما أثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص إمكانية افتعال زلزال وقال، بأن هذا الكلام لا يصدقه العلم و لا يقبله المنطق.
حاوره: نورالدين عراب
النصر : أثير مع زلزال تركيا الأخير موضوع التنبؤ بحدوث الزلازل، خصوصا بعد الضجة التي أثارها العالم الهولندي على مواقع التواصل الاجتماعي فما حقيقة ذلك؟ هل يمكن فعلا التنبؤ بحدوث زلزال و تحديد المكان والتوقيت والشدة؟
ـ حمود بلجودي: من الناحية العلمية التنبؤ يعني تقديم الإحداثيات الجغرافية لمكان وقوع الزلزال والوقت والشدة، ولحد الآن ، لا يوجد أي مركز من المعاهد والمراكز الدولية المختصة في رصد الزلازل، يمكنه أن يقدم هذه الأمور والمعطيات مسبقا، وبالتالي لا يوجد تنبؤ، وبذلك فهذا العالم أو الباحث أو المنجم الهولندي الذي نشر تغريدات كثيرة، يمكنه أن يقدم لنا أبحاثا حتى نعرف حقل النتائج المرجوة، كما يجب عليه نشر أبحاثه في المجلات العلمية ويقدم من خلالها الطريقة التي استخدمها ومدى نجاحها، واللجان العلمية بدورها يمكن أن تطور هذه الأبحاث لنصل جميعنا إلى المبتغى وهو إعطاء الإحداثيات الجغرافية، وكذا الوقت والتاريخ وشدة الزلزال.
هذا الباحث أخطر العالم بإمكانية حدوث زلزال، لكنه لم يقدم معلومات دقيقة حوله، وهذا يدخل في إطار التوقع وليس في التنبؤ.
هناك اختلافات كبيرة في تاريخ الزلازل بين الجزائر وتركيا
ما الفرق إذا بين توقع حدوث الزلازل والتنبؤ بها وكيف تتوقعون احتمال حدوثها ما هي المؤشرات ؟
ـ التوقع عند علماء الزلازل والمختصين في مجال علوم الأرض يعني توقع حدوث زلزال في الأماكن التي تشهد عادة حركة زلزالية، وهناك دراسات تثبتت ذلك، في حين لم نصل إلى تقديم الوقت والشدة والمكان بدقة، وبهذا لم نصل إلى مرحلة التنبؤ.
يقدم التوقع معلومات حول الزلازل الذي سيقع في مكان ما، من خلال معرفة الأماكن التي فيها الفوالق، والفوالق هي مكان القشرة الأرضية وتجمع الضغط في مكان معين، وهي الطبقة الأولى التي تنكسر، علما أن الزلزال يحدث في أماكن الضعف التي كانت فيها الانكسارات، وتتواجد هذه الأماكن غالبا على حدود الصفائح التكتونية، لأن هناك صفائح تكتونية تتجاذب بينها، مثلا الصفيحة التكتونية الإفريقية مع الصفيحة الأورو آسيوية ( الجزائر تتواجد فوق الصفيحة الإفريقية وفي الحدود الشمالية الإفريقية، و هناك تكون نقاط الضعف وتواجد فوالق، وكلما اتجهنا نحو الجنوب الجزائري تراجعت هذه الفوالق، لأن القوة الكامنة المرتبطة بالفوالق والانكسارات موجودة في الشمال، لهذا تتواجد الزلازل في الشمال الجزائري، وهنا يجب أن نؤكد بأن شدة الزلازل في الجزائر تبقى معتدلة و ما حدث في تركيا أمر مختلف ويبرز ذلك من خلال الحديث عن الزلازل عبر التاريخ بين البلدين).
تاريخ الزلازل في تركيا لا علاقة له مع تاريخ الزلازل في الجزائر، فمثلا عرفت تركيا في الفترة ما بين القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر، عدة زلازل منها زلزال 1509 بالقسطنطينية في بحر مرمرة، و كانت شدته 7.2 و تسبب في تسونامي وخلف آلاف القتلى، و في 17 أوت 1668، وقع زلزال في شمال الأناضول وخلف 8 آلاف قتيل، وكانت شدته من 7.8 إلى 8 درجات، و في القرن العشرين وتحديدا في 27 ديسمبر 1939، حدث في الأناضول كذلك زلزال بشدة 8.2 في أرزيكان خلف 33 ألف قتيل، وفي 30 أكتوبر 1983 وقع زلزال بقوة 6.9 درجات في شمال شرق تركيا في منطقة أرزوروب، وفي 1999 وقع زلزال أزبيك و كانت قوته 7.6 درجات، ونلاحظ من خلال هذه المحطات التاريخية، بأن الزلازل بالأناضول بتركيا كانت قوية جدا مقارنة مع الجزائر.
الزلازل في الجزائر معتدلة وليست قوية
صحيح بأننا شهدنا زلزالا في العاصمة سنة 1365، وفي 1716 وقع زلزال آخر في ذات المدينة، وبعدها في وهران 1790، لكن الزلازل التي وقعت في الجزائر عبر التاريخ ليست بنفس شدة الزلازل التي وقعت في تركيا، وفي تركيا حقا الزلازل كانت مروعة وبشدة تصل إلى 7.8 و8 درجات، لكننا في الجزائر لم نشهد سوى زلزالين قويين، هما زلزال الأصنام في 10 أكتوبر 1980، و كانت قوته 7.2 درجات، ولحد الساعة يبقى هو الأقوى في الجزائر، جاء بعده زلزال 21 ماي 2003، ببومرداس والذي كان أقل قوة من الأصنام وكانت شدته 6.8 درجات، وحتى اليوم تبقى الزلازل في الجزائر معتدلة وليست قوية، تتراوح بين 5 درجات و 5.6 درجات و حتى 5.9 درجات، على غرار الحركة التي رصدت في بحر بجاية سنة 2021 بقوة 5.9 درجات. والحمد لله لم تخلف أضرارا كبيرة وكانت في البحر.
الوقاية من مخاطر الزلازل تكون بتكييف أساليب البناء
كثـر الحديث عبر مواقع التواصل عن فرضية افتعال الزلازل ما ضاعف الإشاعات وأثار المخاوف، فهل يمكن أن يقبل هذا الطرح علميا؟
ـ بناء على التواريخ التي ذكرتها والتي تخص الزلازل في تركيا وشدتها القوية، فإن البلاد معروفة بالزلازل القوية، وبالتالي كيف يمكن أن نقول أنها زلازل مفتعلة، الزلزال الذي يحدث بشدة 7.8 درجات، هو نتاج لصخرة أو فالق يتحرك لـ 300 كلم في نفس الوقت، والسؤال الذي يطرح على المختصين، هو هل هناك سلاح يستطيع أن يحرك صخرة أو فالقا لـ 300 كلم بدون أن نشاهد الآثار الخارجية؟ و الجواب هنا هو حتى لو كانت هناك قنابل فلابد أن ترصد آثارها الخارجية، خصوصا وأن هذه المنطقة معروفة بنشاطها الزلزالي.
كباحث في علم الزلازل أثق علميا بأن هذه الزلازل طبيعية، لأن تلك المنطقة تعرف تصادما مستمرا بين 3 صفائح تكتونية، تتمثل في صفيحة الأناضول التي تتواجد في الوسط و الصفيحة الأورازية الشمالية، و الصفيحة العربية شرقا، إلى جانب الصفيحة الإفريقية وجنوبا، وبالتالي فإن تركيا تتواجد في منطقة تتجاذب فيها 3 إلى 4 صفائح تكتونية، والقول بأن وجود سلاح يقوم بافتعال هذه الزلازل غير منطقي، بل الأمر مرتبط بمجرد نشاط زلزالي معروف تاريخيا.
ما هي الإجراءات الوقائية التي يجب أن نتبعها لتجنب الآثار المدمرة للزلازل ؟
ـ تعتمد الوقاية بالدرجة الأولى على تشييد بنايات مضادة للزلازل، والجزائر لديها قانون للبنايات المضادة للزلزال، ولهذا يجب على شركات البناء احترام هذه القواعد، خصوصا وأنها بسيطة، فمثلا التواجد في منطقة تشهد زلازل يوجب احترام قواعد البناء من حيث استخدام الحديد والإسمنت، و عدم البناء في أي مكان، خصوصا وأن مواقع الفوالق في الجزائر محددة بنسبة حوالي 95 بالمائة، أي نعرف أماكنها ولا يمكن البناء عليها، لأنه في حالة تحركها يمكن للبنايات أن تتضرر، ولهذا يجب أن نحفظ ما يسمى بمسافات الأمان.
تتوجب أيضا، توعية المواطنين والتلاميذ في المدارس حول الإجراءات الوقائية الواجب إتباعها أثناء حدوث زلزال أو قبله وكل هذه الأمور تندرج في إطار التربية الوقائية، لكن لا بد قبل ذلك كما ذكرت، و أثناء تشييد البنايات احترام المقاييس المقاومة للزلازل، فمثلا وقع في اليابان سنة 2012، زلزال قوي وصلت شدته إلى 9 درجات، خلف أضرارا ناجمة عن التسونامي الذي رافقه، والذي تجاوز جدارا عازلا بعول ثمانية أمتار، لكن أغلب البنايات لم تتضرر باستثناء بعض البنايات الصغيرة، ولهذا الوقاية يجب أن تشمل جميع الأماكن وتقديم جميع الإرشادات للتقليل من المخاطر و تخفيف الأضرار التي يمكن أن يحدثها الزلزال.
ن ع