تراجع التعاملات العقارية لعدم توفر السيولة بعنابة
سجل سوق العقار بولاية عنابة في الآونة الأخيرة تراجعا على مستوى عمليات البيع والشراء في العقارات الفردية منها الشقق والمحلات التجارية والقطع الأرضية الموجهة للبناء، لأسباب عدة حسب مختصين في المجال، أبرزها نقص السيولة والركود الاقتصادي والانكماش في عمليات البيع، وضعف الإقبال على شراء السكنات الجاهزة وغير الجاهزة، باستثناء تسجيل إقبال على شراء الشقق الترقوية التي تتراوح أسعارها ما بين 600 و 800 مليون لدى المرقين، بقروض بنكية دون دفع أي مساهمة مالية من قبل المكتتبين.
* تحقيق: حسين دريدح
رصدت النصر خلال تقصي وضعية سوق العقار الحالية مع الظروف الاقتصادية التي فرضتها تداعيات فيروس كورونا، لدى اقترابنا من مرقيين عقاريين، وأصحاب وكالات عقارية، و كذا محضرين قضائيين ومحافظي البيع بالمزاد العلني، و موثقين، وهيئات مالية، حالة تراجع في هذا النشاط، رغم العروض المختلفة والتخفيضات وتحفيزات الدفع بالتقسيط، و اقتصرت المعاملات في السوق العقاري على البيع والشراء عبر القروض البنكية، والكراء وتجديد عقود الكراء، سواء بالنسبة للمواطنين أو الشركات الخدماتية.
تستطيع شراء عقار بسعر مناسب إذا توفرت السيولة « الكاش»
يشير الحاج إبراهيم وهو صاحب وكالة عقارية بعنابة، بأن عمليات البيع والشراء بالنسبة للسكنات والمحلات التجارية وكذا الأراضي الموجهة للبناء، تراجعت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، بسبب قلة السيولة في السوق، كون عمليات البيع تتم نقدا خارج التعاملات البنكية، فمن يتوفر لديه المال في حينه يستطيع الشراء بسعر جيد، نظرا لكثرة العرض وقلة الطلب مشيرا إلى وجود الطلب نوعا ما على العقارات المتواجدة في وسط المدينة و المواقع التي تتوفر على متطلبات الحياة من نقل ومرافق تربوية وصحية وكذا الأسواق والمساحات التجارية، فيما تراجعت أسعار الشقق الفردية المتواجدة بالمواقع التي تفتقد للمرافق على غرار مرتفع سيدي عيسى، قائلا هناك بائع اضطر لبيع شقة من 3 غرف بـ 700 مليون سنتيم، بنصف ثمن الشراء المقدر بـ 1.4 مليار سنتيم، لعدم وجود عروض باستثناء عرض واحد». وذكر الحاج إبراهيم بأن أسعار الشقق الجاهزة للسكن، بوسط المدينة وضواحي منها أحياء السهل الغربي، تختلف حسب وضعيتها وقدمها تتراوح ما بين 600 مليون و 1.2 مليار سنتيم، بتراجع في السعر بنحو 200 مليون سنتيم، بسبب قلة الطلب، حتى أسعار الكراء تراجعت نوعا ما مع تسليم سكنات في صيغتي عدل والاجتماعي بالأقطاب العمرانية الجديدة.
الغلاء الفاحش في الفترة السابقة تسبب في اختلال بالسوق العقاري
ويرى الخبير في المجال العقاري المهندس صياد سليم في لقاء مع النصر، ترجعا في الطلب بالسوق العقاري بعنابة، نتيجة السيرورة الاقتصادية القديمة، التي نتج عنها غلاء فاحش للسكنات، و صعوبة التداول والبيع والشراء، مما ولد تخوفا لدى المستثمرين والزبائن، واقتصرت عمليات البيع على حالات خاصة بأسعار معقولة قد تصل إلى نصف القيمة المتداولة من قبل.
وأرجع المتحدث تراجع الطلب على شراء الشقق والقطع الأرضية المعدة للبناء، وحتى المحلات التجارية، لأنها لا تجني مردودا وعوائد آنية، باستثناء وجود انتعاش في مجال شراء الأراضي الفلاحية الموجهة لمختلف الزراعات، كون المستثمرين في هذا المجال، يبحثون عن استغلالها سريعا، و تحقيق عائد مالي في فترة قصيرة.
وأضاف صياد، بأن قيمة التراجع في الأسعار خلال الفترة الأخيرة، وصلت حدود 35 بالمائة، في مجال السكن المنجز حديثا، ولجأت معظم الترقيات العقارية التي أنجزت سكنات «فخمة» خاصة على الشريط الساحلي، إلى خفض الأسعار إلى قيم غير مسبوقة، بهدف خلق حركية مالية، نظرا لضغوط الأعباء على عاتق المؤسسات الترقوية، مما أدخلها في دوامة عدم الإيفاء بالتزاماتها تجاه البنوك.
وحسب المتحدث، يقترح مرقون إنشاء صندوق ضمان خاص بهم، يحمي تعاملاتهم في المجال العقاري، نظرا للتقلبات التي يعرفها السوق، منها أسعار مواد البناء التي شهدت ارتفاعا، على غرار مادة الحديد التي تضاعف سعرها في السوق، بسبب تأثيرات خارجية مرتبطة بالسوق العالمي، ونقص العرض في السوق المحلي.
ومع الاختلالات في السوق العقاري، ينتظر اتخاذ إجراءات جديدة لإرساء القواعد الصحيحة للتعامل في المجال العقاري في إطار الشفافية، ما يستوجب تدخل الدولة لتنظيم هذا النشاط الاستراتيجي، لمراقبة الأسعار وضبطها حتى تتمكن العائلات من الطبقة المتوسطة الدخل، من اقتناء سكنات لائقة بها بأسعار معقولة، كما يعرف النشاط العقاري، وفقا للمصدر تحولات جديدة بمعطيات حقيقية وليست مضخمة، منها جودة السكن و التجهيزات المرافقة لها، حيث فسحت الدولة المجال للخواص الاستثمار في الإنجاز الخدماتي كالقاعات الرياضية والمنشآت الترفيهية و المساحات التجارية لتخفيف العبء المالي على البلديات ومختلف الهيئات.
القروض البنكية تنعش الطلب على السكنات لمتوسطي الدخل
كشف المرقي العقاري سفيان سالمي للنصر، عن انخفاض ملحوظ في أسعار الشقق الترقوية الحرة ذات المساحة الواسعة و التجهيزات العصرية، خاصة الواقعة بالشريط الساحلي و وسط المدينة، والتي يتجاوز سعرها 1,2 مليار سنتيم، الموجهة عموما للأفراد من ذوي الدخل المرتفع، مرجعا ذلك لقلة الطلب مع انخفاض القدرة الشرائية المصاحبة لأزمة الوباء، وكذا انكماش تداول السيولة المالية في السوق، حيث تختلف قيمة الانخفاض حسب المساحة والمواقع وكذا تواجد المرافق بالقرب من المشاريع السكنية، قد تصل قيمة الانخفاض أو تتجاوز 300 مليون سنتيم.
في المقابل أشار سالمي إلى زيادة الطلب بالنسبة للسكنات الترقوي الحرة التي تقل قيمتها عن 1.2 مليار سنتيم والموجهة للطبقة المتوسطة، الجاري إنجازها بضواحي المدينة، على غرار البوني، الشابية، برحال، مع وجود تسهيلات لاقتناء هذا النوع من السكنات بقرض بنكي، يستطيع المكتتب الحصول على سكن دون دفع أي مساهمة، بتكفل تام من البنك لتسديد ثمن الشقة بسقف لا يتجاوز 1 مليار سنتيم، بنسبة فائدة تقدر 1 بالمائة، مع حتمية توفر شروط في المكتتب والمتعلقة أساسا بقيمة الأجر الشهري الذي يتقاضاه وكذا السن، وأضاف سفيان سالمي بأن الطلب على هذا النوع من السكن في تزايد كون السعر معقولا مقارنة بارتفاع تكلفة الإنجاز بسبب غلاء أسعار المواد الأساسية كالحديد الذي تضاعف ثمنه إلى جانب مواد أخرى كالألمنيوم وجميع التجهيزات التي تدخل في عملية الإنجاز، حيث يقدر سعر المتر المربع حاليا بـ10 ملايين سنتيم، أي شقة ذات 3 غرف بمساحة 70 مترا مربعا يقدر ثمنها بـ 700 مليون سنتيم، وهي الصيغة التي تعرف إقبالا خاصة بالمشاريع المنجزة أو التي تشرف على الانتهاء،من دون أن يسجل انخفاض في سعرها مقارنة مع ارتفاع تكلفة الإنجاز.
أما بالنسبة للسكنات الترقوية « الفخمة» فيبدأ سعر المتر المربع حسب مصادرنا من 12 مليون سنتيم ليصل إلى 20 مليون سنتيم في بعض المشاريع، و الطلب عليها محدود حاليا نظرا للقيمة المالية الكبيرة للشقة، تتراوح الأسعار فيها مابين 1.8 مليار سنتيم إلى 2.4 مليار سنتيم حسب المساحة الإجمالية والموقع، ويفسر تراجع الطلب عليها بشكل ملحوظ، بالإعلانات المتتالية لأصحاب المشاريع عبر وسائل تواصل الاجتماعي، بهدف إيجاد مشترين على غرار ترقيات عقارية بشاطئ « شابي» حي الريم و واد القبة، يصل إلى 2 مليار سنتيم مجهزة بطريقة عصرية وتحتوي على مصاعد وحظيرة ركن السيارات وغيرها من المتطلبات، أما الشقق المطلة على شاطئ شابي وسانكلو مباشرة فتتراوح أسعارها ما بين 2.5 و 3.5 ملايير سنتيم، و الإقبال عليها محدود، كونها غير موجهة للموظفين، و حتى القروض البنكية الموجهة لها تخضع لشروط خاصة.
وتحدث سفيان سالمي عن وجود مشاكل تعترض المرقي العقاري في عملية الإنجاز، أبرزها إدارية وكذا ارتفاع تكلفة مواد البناء مما يؤدي لزيادة التكلفة، بالإضافة إلى عدم تحيين القوانين التي تحمي المرقي العقاري وكذا المكتتب، مستنكرا النظرة السلبية التي توجه للمرقي العقاري وتضعه محل شبهة، و يتم مساواة جميع المرقين حيث يؤخذ الملتزم منهم بجريرة غير الملتزم، كاشفا بأن ولاية عنابة احتلت المرتبة الثالثة على المستوى الوطني بعد بجاية والجزائر العاصمة في عدد السكنات الترقوية الحرة المنجزة، والتي ساهمت في التخفيف من حدة أزمة السكن والتقليل من العبء الملقى على كاهل الدولة في القطاع.
أوضح ذات المتحدث بأن المرقيين أصبحوا يواجهون صعوبات في تجديد رخصة البناء بعد انتهاء مدة صلاحيتها والمقدرة بـ 3 سنوات، و لجأت مصالح البلدية للحلول الردعية لتهديم بنايات، مقابل أشهر من الانتظار لتجديد رخص البناء، في حين هذا الإجراء بسيط لا يستدعي مزيدا من العراقيل البيروقراطية، والتي ينجم عنها توقف الأشغال واحتجاج المكتتبين على تأخر عملية تسليم السكنات واللجوء إلى العدالة، نفس الشيء بالنسبة لزيادة سعر الشقة، حيث يخول القانون للمرقي 20 بالمائة نسبة الزيادة في حال ارتفاع مواد والتكاليف المرتبطة بالإنجاز، غير أن المكتتب يرفض الزيادة، ليصبح القضاء هو الفيصل في هذا الشأن، بالاعتماد على مؤشرات السوق إذا كانت المواد المستخدمة في البناء ارتفعت فعلا، حتى مقاولات الإنجاز المتعاقدة مع المرقي، تطالب بمراجعة سعر المتر المكعب للخرسانة عند ارتفاع أسعار مواد البناء.
وختم سالمي سفيان بالقول « يجب تشجيع المرقي والتعامل معه بواقعية لحماية مصالح الجميع، والابتعاد عن الإجراءات البيروقراطية، لتسليم السكنات في موعدها وتغطية الطلب المتزايد على السكنات الترقوية الحرة الموجهة للطبقة المتوسطة».