دعا، أمس، قضاة مشاركون في يوم دراسي، حول عقوبة العمل للنفع العام بأم البواقي، إلى ضرورة العمل على تعميم اعتماد عقوبة العمل للنفع العام، كبديل جيد عن العقوبات السالبة للحرية وكذا لعقوبات الإكراه البدني والغرامات المالية، ورافع القضاة التابعين لمجلس قضاء أم البواقي من أجل دعوة المشرّع كذلك، لتوسيع صور العمل بعقوبة العمل للنفع العام، وعدم حصرها في واحدة فقط.
قضاة مجلس قضاء أم البواقي، المشاركون في أشغال اليوم الدراسي الذي احتضنته المحكمة الابتدائية بالولاية، توجوا مداخلاتهم بتوصيات سترفع للجهات المركزية، تم من خلالها دعوة المشرّع لإعادة النظر في طبيعة عقوبة العمل للنفع العام بتوسيع صورها، وعدم حصرها في صورة واحدة كعقوبة أصلية بديلة لعقوبة الحبس قصيرة المدة، من خلال تكريس عقوبة العمل للنفع العام كعقوبة أصلية في بعض الجرائم البسيطة وليست كبديل للحبس، مع تكريسها كذلك كعقوبة تكميلية تتبع عقوبة أصلية في بعض الحالات، إضافة إلى تكريس هذه العقوبة كعقوبة مضافة أو مصاحبة لإيقاف التنفيذ، من خلال الجمع بينها وبين عقوبة وقف التنفيذ، إلى جانب دعوة المشرّع لتفعيل عقوبة العمل للنفع العام كبديل لعقوبة الغرامة، وعدم حصرها على عقوبة الحبس قصير المدة، بحيث ينص القانون على جواز إصدار قرار بتخفيض الغرامة المالية المحكوم بها، نظير قيام المحكوم عليه بالعمل عددا معينا من الساعات، لخدمة المجتمع.
كما أكد القضاة على ضرورة الأخذ بنظام تجزئة العقوبة، أين يشير النص في القانون إلى جواز استبدال جزء من عقوبة الحبس المحكوم بها إلى عقوبة العمل للنفع العام، مع التأكيد على اعتماد عقوبة العمل للنفع العام كبديل للإكراه البدني، على أساس أنه وسيلة لتحصيل الغرامة التي يمتنع أو يعجز المحكوم عليه عن دفعها، بأن يستحدث نص قانوني يتعلق بتشغيل المحكوم عليه بلا مقابل لدى إحدى الجهات لفترة مساوية لمدة الإكراه، والعمل كذلك على إدراج عقوبة العمل للنفع العام ضمن القوانين الخاصة وعدم الاكتفاء فقط بالنص عليها في قانون العقوبات، وتمت الدعوة كذلك للأخذ بنظام الفحص السابق للمحكوم عليه، بعرضه على خبير نفسي واجتماعي، حتى يتمكن قاضي تطبيق العقوبات من اختيار كيفية تطبيق عقوبة العمل للنفع العام، وثمن القضاة دور الجماعات المحلية في تطوير التخصصات المتعلقة بالتأهيل الاجتماعي للمحكوم عليهم من أجل تيسير عقوبة العمل للنفع العام، خاصة التدابير الرقابية والعلاجية والتأهيلية، لا سيما بالنسبة للأحداث كذلك.
ورافع المشاركون كذلك للعمل على إقحام المؤسسات الخاصة، في نظام الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم، من خلال فتح المجال لها لتنفيذ عقوبة العمل للنفع العام وعدم الاكتفاء بالمؤسسات العمومية، مع دراسة إمكانية منح مكافأة للمحكوم عليه بعقوبة العمل للنفع العام، خاصة الذين يعانون العوز المالي، مع السعي لإنشاء مؤسسات ومرافق صناعية وزراعية إنتاجية برعاية الدولة، لتشغيل المحكوم عليه في حالة تطبيق العقوبة كبديل عن الحبس، والحرص على دعوة القضاة لتفعيل عقوبة العمل للنفع العام كلما توافرت شروطها والتقليل من عقوبة الحبس قليل المدة، خاصة في الجنح البسيطة والمخالفات، والحرص على تكييف عقوبة العمل للنفع العام من سنّ المحكوم عليه والوضعية المهنية والاجتماعية والصحية له من طرف قاضي تطبيق العقوبات، وضرورة مرافقة تنفيذ عقوبة العمل للنفع العام بتغطية إعلامية، من أجل نشر ثقافة أهمية هذه العقوبة، مع توعية المجتمع بمزاياها ومخاطر العقوبة السالبة للحرية.
وأشرفت القاضية بولعتروس نورة، بصفتها نائب رئيس مجلس قضاء أم البواقي، على إعطاء إشارة انطلاق أشغال اليوم الدراسي الذي ترأس جلساته رئيس الغرفة بمجلس القضاء القاضي بوطعوش نور الدين، أين أكدت بأن تنظيم اليوم الدراسي، يأتي تزامنا وافتتاح السنة القضائية وبدأ العمل القضائي، وكذلك تنفيذا لتكليف وزارة العدل للمجالس القضائية بضرورة تنظيم يوم دراسي حول عقوبة العمل للنفع العام، مشيرة بأن المشرع الجزائري، وفي إطار السعي المتواصل لإصلاح المنظومة القانونية وتوفير بدائل إنسانية فعالة لمحاربة الجريمة، عن طريق إيجاد حلول بديلة للعقوبات السالبة للحرية، على أن تكون ناجعة في إعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع، بادر إلى إصدار القانون 09/01 المؤرخ في 25 فيفري 2009 والذي يعدل ويتمم الأمر رقم 56-66 المتضمن قانون العقوبات، أين شمل هذا التعديل تبني عقوبة العمل للنفع العام، ولضمان التنفيذ الفعال للعقوبة البديلة أصدرت وزارة العدل المنشور الوزاري رقم 2 المؤرخ في 9 أفريل 2009 الذي يوضح كيفيات تطبيق هذه العقوبة، ليأتي بعدها المشروع بتعديل لهذه النصوص والذي صدر بتاريخ 30 أفريل 2024، وأشارت القاضية إلى أن هذه العقوبة يراد بها تحقيق التوازن بين مصلحة المجتمع في العقاب والردع ومصلحة الفرد في إعادة التأهيل والاندماج في المجتمع.
من جهتها القاضية، كحلاوي عبير رئيسة قسم الجنح بمحكمة عين البيضاء الابتدائية، تطرقت في مداخلتها الموسومة بـعقوبة العمل للنفع العام في التشريع الجزائري، وآليات تفعيل الحكم بها والإشكالات العملية المثارة بشأنها، إلى خصائص تطبيق عقوبة العمل للنفع العام، على غرار ضرورة موافقة المحكوم عليه بتطبيق العقوبة عليه عكس العقوبات الأخرى التي تطبق دون الرجوع إلى المحكوم عليه، كما أن العقوبة تتميز بطابعها الاجتماعي، ليتمكن المحكوم عليه بالبقاء قريبا من أسرته ومجتمعه، إلى جانب إشراك مكونات المجتمع المدني في تنفيذ عقوبة العمل للنفع العام، كما عرجت المتحدثة على مميزات العقوبة وآليات تفعيلها والإشكالات المثارة بشأنها، وهي التي أسهب في شرحها قاضي تطبيق العقوبات رملي سليم الذي قدم مداخلة بعنوان «دور النيابة وقاضي تطبيق العقوبات في تنفيذ عقوبة العمل للنفع العام والإشكالات العملية المثارة بشأنها»، على غرار الصعوبات التي يجدها المحضرون القضائيون في تبليغ المعني بالعقوبة، داعيا إلى ضرورة تحديد العناوين بدقة وإرفاقها بأرقام الهواتف للمعنيين، لأن العقوبات لا تطبق إلا بموافقة مسبقة منهم، ناهيك عن عدم إشارة بعض الأحكام المنطوق بها للحجم الساعي للعقوبة، ووصل بعض الأحكام من مجالس قضائية أخرى عبر البريد، ووصولها قد يضع المحكوم عليه في وضعيات معقدة للاستفادة من إجراءات العفو، في حال صدور مراسيم تخص ذلك في الفترة نفسها.
أحمد ذيب