قاضــي التحقيـق يستمـــع للموقوفيــن و متهمــون يبــرّرون التعنيـف بأنه «طريقــة عـلاج»
استمع، أمس، وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق بمحكمة الزيادية بقسنطينة، لـ 4 متهمين رئيسيين في قضية العثور على أطفال مصابين بإعاقات ذهنية، في وضعية إنسانية كارثية داخل «فيلا» بحي بن تشيكو، بعد الاحتيال على أوليائهم من طرف جمعية تبيّن أنها غير معتمدة، كما تم الاستماع لحوالي 14 مربية. و أصدر وكيل الجمهورية تكييفا جنائيا في حق المتهمين الرئيسيين و ذلك عن تهم إنشاء مركز صحي دون رخصة و استعمال لقب متصل بمهنة منظمة قانونا و شهادة رسمية، و التعذيب و الضرب والجرح العمدي عن قصد لقصر دون سن 16 سنة و ترك أطفال غير قادرين على حماية أنفسهم بسبب حالتهم البدنية و العقلية، و تعريضهم للخطر في مكان خال من أشخاص يتولون رعايتهم، و كذلك النصب
و ممارسة نشاط تجاري دون التسجيل في السجل التجاري.
و بدأ وكيل الجمهورية في الاستماع لأولياء الضحايا ثم المتهمين منذ الساعة العاشرة صباحا إلى غاية فترة ما بعد الظهر، قبل أن يقدم طلبا افتتاحيا بإجراء تحقيق في جناية، ليشرع قاضي التحقيق بذات المحكمة في السماع للأطراف و ذلك إلى غاية ساعة متأخرة من يوم أمس، و في حال تكييف القضية إلى جناية، فإنها ستعالج في محكمة الجنايات بمجلس قضاء قسنطينة، بعد المرور على غرفة الاتهام.
و قد عاشت محكمة الزيادية نهار أمس، حركة غير عادية، حيث شاهدنا دخول مربيات بدت عليهن علامات الارتباك و الخوف، كما سجل حوالي 31 وليا للضحايا حضورهم وأدلوا بتصريحاتهم، فيما غاب عدد منهم لأسباب مختلفة منها رفضهم متابعة الجمعية قضائيا وأخرى لظروف قاهرة متمثلة في بعد المسافة بين قسنطينة والولاية التي يقطنون بها، خاصة وأن الضحايا يقيمون في مختلف الولايات ومنها العاصمة وغرداية وسعيدة.
4 متهمين واستدعاء 14 مربية للتحقيق
وأكدت مصادر على اطلاع بملف القضية، أن عدد المتهمين الرئيسيين هو أربعة، و يتعلق الأمر بـ (م / ب) مؤسس الجمعية الوهمية و زوجته، إضافة إلى شخص يقول إنه طبيب نفساني و منسق، حيث أشرفوا على تسجيل الأطفال، فيما تم استدعاء 14 مربية كلهن يقطن في ولاية قسنطينة، حيث أدلين بتصريحاتهن، بينما يبقى مصيرهن مرتبطا بما سيقرره قاضي التحقيق، وأضافت ذات المصادر أن إحدى المربيات تعمل ضمن الجمعية على أساس أنها أخصائية نفسانية، لكن اتضح أنها تخرجت حديثا من الجامعة ولا تحوز على شهادة طبيب نفسي.
و حسب ذات المصدر، فقد كان أولياء الضحايا في حالة صدمة و صرحوا لقاضي التحقيق، أن أحد المتهمين كانت له طريقة ساحرة في الإقناع، كما يقوم حسبهم، بتحضير الأطفال في أفضل حلة لهم، ليوهمهم أن أبناءهم في حالة جيدة وبين أيادي آمنة، وهو ما جعلهم يصدقون كل ما يقال لهم رغم بعض الأمور المشبوهة، على غرار آثار التعذيب و الحروق، كما قالوا إنهم فقدوا الأمل في الطريقة الطبية للعلاج و لجأوا إلى الطب البديل، و تحدثوا أيضا عن منعهم من رؤية أبنائهم لمدة لا تقل عن 20 يوما.
و صرح المتهمون، وفق ذات المصدر، أنهم لم يقوموا بأي خطأ و قالوا إن آثار التعذيب والضرب والحروق الموجودة في أجساد الأطفال، هي طريقة العلاج، و ذلك من أجل تحويلهم من عالمهم إلى العالم الحقيقي، كما أرجعوا ترك أجساد الضحايا في حالة كارثية من خلال انتشار الفطريات والبثور بها، و كذا القمل على مستوى الرأس و ضعف أجسادهم إلى درجة تعفنها، إلى الرغبة في أن تكون لهم ردة فعل حول العلاج الذي يتلقونه، وفق ما يسمى «العتبة» أي الحد الأقصى من العلاج، كما صرح بعضهم أن أولياء طالبوهم بتعذيب أبنائهم من أجل الحد من تصرفاتهم العنيفة.
وحسب مصادرنا، فقد بينت خبرة الطب الشرعي أن الأطفال تعرضوا إلى مختلف أنواع التعذيب الجسدي متمثلة في آثار الضرب وندوب الحروق التي شوهت أجسادهم، إضافة أضرار معنوية متمثلة في الرعب الشديد الذي أثر على شخصيتهم بالسلب، وكأنهم كانوا في مركز تعذيب وليس مركز علاج، وهو ما أدى لتراجع حالة بعض الضحايا، حيث يعجزون حاليا عن الحديث بعد أن كانوا يتكلمون بعض الكلمات، فيما زادت عدوانية بعضهم و اضطر أولياء إلى نقلهم للمستشفى لمواصلة تلقي العلاج من تلك الاعتداءات.
محامية الضحايا
الأولياء مصمّمون على الذهاب بعيدا في القضية
وأكدت محامية الضحايا، الأستاذة رقية دماغ، للنصر، والتي تأسست تطوعا للدفاع عن الأطفال، أن هذه القضية كبيرة وغير عادية، موضحة أن مطلب الأولياء ليس ماديا بل من أجل معاقبة المذنبين ورد الاعتبار لأبنائهم، رغم أن ذلك لن يعوضهم، مثلما أضافت، عن قساوة ما تعرض له فلذات أكبادهم، مضيفة أن الاحترافية التي عمل به رجال الدرك الوطني بالتنسيق مع مديرية النشاط الاجتماعي تسهل كثيرا من عملها، حيث تشرف حاليا على هذا الملف بكل أريحية و ثقة، خاصة وأن التحقيقات الأولية كشفت أغلبية الحقائق وما و التحريات التكميلية ستمكن من دلائل أخرى.
وأضافت المحامية أن أولياء الضحايا تحدثوا عن وقائع جديدة تخص نشاط الجمعية الوهمية في ولاية سطيف، مضيفة أنهم مصممون على الذهاب بعيدا في القضية ومتمسكون بالمتابعة الجزائية لأفراد الجمعية، موضحة أن بعضهم لم يحضروا ولكنها تعمل بالتنسيق معهم من خلال الاتصالات اليومية.
«تغيّرات على سلوكات الأطفال بعد استرجاعهم»
وأكد أحد أولياء الضحايا الذي يقطن في العاصمة، للنصر، أنه أدخل ابنه البالغ من العمر 11 سنة للجمعية الوهمية، بعد الدعاية الإعلامية التي لمعت صورتها، عن طريق بعض القنوات الفضائية و صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفا أن إحدى هذه القنوات بينت صاحب الجمعية على أنه المعلم الذي أشرف على أحد النوابغ، كما قال إنه تنقل إلى سطيف من أجل المعاينة الميدانية وأعجب كثيرا بما وجده هناك.وأضاف والي آخر، أنه لم يتحدث مع رئيس الجمعية في بادئ الأمر، لأنه لم يعجب بشخصيته وسلوكه المثير للشبهة، موضحا أنه تشاجر معه عدة مرات، وخاصة عند نقل الأطفال من سطيف إلى قسنطينة دون إعلام الآباء ودون موافقتهم، كما أجمع الأولياء، أن تصرفات أبنائهم، تغيرت كثيرا بعد استرجاعهم مؤخرا، حيث قال أحدهم إن ابنه أصبح يعاني من حالة رعب بسبب ما عاشه، كما أصبح يلبي كل الأوامر بسهولة، وهو ما جعله يتخوف من النتيجة التي آل إليها، خاصة و أنه علم بأمر الأدوية التي كانت يجبر الأطفال على تناولها.
وأضاف الأولياء أن شكوكا راودتهم بخصوص حدوث أمور مشبوهة، مباشرة بعد التحول إلى ولاية قسنطينة، حيث أصبح المسؤول عن الجمعية الوهمية لا يجيب على الاتصالات طيلة الأسبوع، وهو ما يدخلهم في نوبة غضب ممتزجة بالشك حول وضعية أبنائهم، خاصة وأنهم منعوا من رؤيتهم في فترة لا تقل عن 20 يوما، بحجة أن أطفالهم بحاجة للاعتماد على أنفسهم و التعود على البقاء دون أولياء، و أضافوا أن مؤسس الجمعية لما كان في ولاية سطيف، كان يقوم بعمله بشكل عادي، حيث يتمكنون من رؤية أبنائهم و الاطمئنان عليهم عبر الفيديو، كما يجرون زيارات عادية لمقر الجمعية.
و يذكر أن هذه القضية اكتشفت مساء الجمعة الماضي، عندما داهمت مصالح الدرك الوطني «فيلا» بحي بن شيكو بقسنطينة، عثر بداخلها على 31 طفلا يعانون من التوحد و التريزوميا كانوا في حالة نفسية و صحية سيئة، و تبين أن جمعية وهمية تدعي أنها تعالجهم، احتالت على الأولياء مقابل مبالغ مالية أوهمتهم أنها تقدم علاجا فعالا لهذين النوعين من الأمراض .
حاتم/ب