تحوّل موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، إلى بوابة جديدة فتحِت على مصراعيها على عالم الجريمة، فأتاحت للمسبوقين سهولة اصطياد ضحاياهم من المراهقين و الأطفال، فيما لم يسلم من شباكهم حتى البالغون الذين يتم استدراجهم بصفقات بيع و شراء وهمية، تنتهي في الغالب بالسرقة و الاعتداء، و هو ما جعل الجهات الأمنية المختصة تكثف من حملاتها التوعوية أمام تنامي هذه الظواهر، فيما يدعو المختصون إلى ممارسة مزيد من الرقابة على الأبناء، مع عدم تصديق كل ما يدور في الفضاء الأزرق.
تحقيق: ياسمين بوالجدري
تظهر آخر الإحصائيات أن «فايسبوك» هو موقع التواصل الاجتماعي الأكثر زيارة من حيث عدد المستخدمين في الجزائر، بحيث يتردد عليه يوميا ما يفوق 9.7 مليون شخص من البالغ سنهم 15 عاما وما فوق، و هو رقم ضخم يعكس مدى الشعبية التي يحظى بها هذا التطبيق ببلادنا، فقد صار من النادر أن تجد شخصا لم يفتح له حسابا بهذا الموقع، إلى درجة أن أطفالا أصبحوا يستخدمونه خفية عن أهاليهم، و أحيانا كثيرة بعلمهم.
و مع التطور الذي شهدته بلادنا فيما يتعلق بتوفر الهواتف الذكية و الربط بشبكة الأنترنت، صار متاحا استعمال الفايسبوك في أي مكان و في أي وقت، إلى درجة أن العديد من الأشخاص أدمنوا عليه و أصبحوا يقضون ساعات كاملة في تصفّحه، لكن الخطير أن نسبة كبيرة من هؤلاء الأفراد، أطفال و مراهقون و حتى راشدون جذبهم الفضاء الأزرق، فكوّنوا فيه صداقات افتراضية و انضموا إلى عشرات المجموعات و الصفحات التي يشترك فيها أشخاص لا يعرفون عنهم شيئا، سوى ما يكتبون عن أنفسهم في الحسابات التي يملكونها.
فتيات يحاولن الانتحار
و أمام هذا الانفجار المعلوماتي غير المسبوق، وجد العديد من المجرمين و المنحرفين و حتى المضطربين نفسيا، فرصا سانحة لحصد أكبر عدد من الضحايا عبر بوابة «الفايسبوك»، و هو ما تُظهره تدخلات مصالح الأمن التي تسجل بشكل شبه يومي قضايا كان الفضاء الأزرق الوسيلة فيها للإيقاع بالآخرين و الاحتيال عليهم و حتى ابتزازهم.
و من أبرز القضايا التي أصبحت تشكل تهديدا حقيقيا على الأطفال و الأسر الجزائرية، هي تلك المتعلقة بالتهديد بالتشهير و الابتزاز، و التي كثيرا ما تنتهي بالهروب من المنزل أو حتى محاولة الانتحار، و في هذا الخصوص ذكر مصدر أمني للنصر أن الضحايا يكن في الغالب فتيات أعمارهن 17 و 18 سنة، يوهمهن المجرمون أنهم إناث، ليشعرن بالإطمئنان إليهم و من ثم يكون من السهولة الحصول على صور و معلومات خاصة بهن.
و من أحدث هذه القضايا، كانت تلك التي راحت ضحية لها فتاة قاصر من ولاية قسنطينة، حاول شاب يبلغ من العمر 21 سنة استغلالها عبر موقع فايسبوك بتحريضها على فساد الأخلاق، ليهددها بنشر صورها عبر موقعه الإلكتروني عندما رفضت تلبية طلبه، ما أدخل الطفلة في اضطرابات نفسية أدت بها إلى محاولة الانتحار بتناول كمية من الأدوية دفعة واحدة، قبل أن تقوم مصالح الأمن بتوقيف ذلك الشاب.
حسابات وهمية لابتزاز السذّج
كما سُجِلت مؤخرا حالة مشابهة، لكن الضحايا فيها كانوا مراهقين يدرسون في الطور الثانوي بإحدى الولايات الشرقية، حيث تواصلوا مع أحد حسابات «الفايسبوك» على أنه لفتاة قامت بإغرائهم خلال الدردشة و استدرجتهم لإرسال صورهم في وضعيات مخلة و غير لائقة، قبل أن يكشف صاحب الحساب عن هويته الحقيقية و يهددهم بفضحهم و نشر صورهم إذا لم ينصاعوا لنزواته.
و من أحدث و أغرب القضايا التي لها علاقة بالسرقة، عالج أمن ولاية قسنطينة قضية نصب و احتيال كان «بطلها» شاب من بلدية عين سمارة لا يتعدى عمره 22 سنة، حيث استغل معارفه الجيدة بتقنيات الإعلام الآلي، لعدم ترك أثر له على أنظمة المعلوماتية، غير أن احترافية رجال الشرطة مكنّت من تعقبه و تحديد مكان تواجده، بتتبع إحداثيات الجهاز الذي استخدمه خلال استعماله لمدة 10 ثوانٍ فقط.
و الملفت في قضية هذا الشاب أنه كان يوهم ضحاياه بأنه فتاة، و فتح لأجل ذلك عدة حسابات على الفايسبوك، حيث يعمد إلى دخول مجموعات البيع و الشراء و وضع طلبيات بها، لكن عندما يأتي موعد التسليم في مكان يختاره بعيدا عن كاميرات المراقبة بوسط المدينة، يخبر الضحايا بأنه شقيق الفتاة المزعومة، ثم يطلب منهم أن يعطوه السلع ليريها لها، قبل أن يهرب دون رجعة بهذه الأغراض التي وصلت قيمتها إلى 50 مليون سنتيم.
«صفقات» تنتهي بالاعتداء و السرقة
و لعل هؤلاء الضحايا يعدون أحسن حالا من غيرهم، فقد تعرض العديد منهم لاعتداءات خطيرة بغرض السرقة، بعد أن تم استدراجهم من ولايات مجاورة إلى قسنطينة، على أساس القيام بعمليات بيع و شراء لأغراض مختلفة تم عرضها على الموقع، و غالبا ما ينفذ مثل هذه العمليات شباب مسبوقون لا تتعدى أعمارهم 25 سنة و بينهم حتى فتيات.
و لم يقتصر الإجرام على هذا النوع من القضايا، فقد امتد إلى مجالات أخطر، من بينها عرض الأسلحة للبيع، حيث تم خلالها إلقاء القبض على العديد من الأشخاص عبر جميع أنحاء الوطن، فيما أوقف أمن ولاية أم البواقي مؤخرا، شخصين تبين أنهما يعرضان قطعا أثرية و جهاز كاشف للمعادن و أغراض مختلفة ذات قيمة تاريخية، للبيع على «الفايسبوك» وبأثمان باهظة، و يتعلق الأمر بمجموعة من الأحجار مختلفة الأحجام و الألوان و قطع معدنية، و كذا تمثال برونزي.
كما اتخذ الاحتيال عبر الفايسبوك، أشكالا أخرى، على غرار استخدام الصفحات للترويج لـ «شيخ» أو «عالم روحاني» مزعوم يوهم المتابعين أن لديه قوى خارقة و بأنه يصنع تمائم و خواتم «خارقة» تُعرض للبيع، فيما تحولت العملة الصعبة هي الأخرى إلى طعم يتم من خلاله اصطياد الضحايا، مثلما حدث مع شخص قدم مؤخرا من منطقة التلاغمة إلى مدينة قسنطينة، بعد اتفاق مسبق مع مستخدم بموقع «فايسبوك» أوهمه أنه سيبيعه أوراقا نقدية بعملة «الأورو»، لكن و عند قدومه نصبت له عصابة مكونة من 6 أشخاص فخا داخل أحد أقبية حي باردو، أين تم الاعتداء عليه بالسيوف و الغاز المسيل للدموع ثم سلبه مبلغ 120 مليون سنتيم.
أمن قسنطينة يُحصي 66 ضحية في سنة
و في ظل كل هذه المعطيات، كثفت الجهات الأمنية المختصة من عمليات الرقابة، كما طورت إمكانياتها البشرية و المادية لتعقب المجرمين و القبض عليهم، عن طريق فرقتي اليقظة الالكترونية و الجريمة الالكترونية، فيما تم خلال الأشهر الماضية تنظيم أزيد من 200 عملية تحسيس بمخاطر الاستعمال السيئ للأنترنت، و ذلك لفائدة مختلف شرائح المجتمع بولاية قسنطينة، حيث شملت المؤسسات التربوية و مراكز التكوين المهني و الجامعات و حتى المساجد.
و في هذا الشأن، كشفت إحصائيات قدمها أمن قسنطينة، ارتفاعا في عدد جرائم المعلوماتية سنة 2017 مقارنة بـ 2016، بتسجيل 75 جريمة تمت معالجة 37 منها، أي بنسبة قاربت النصف، بعدما تورط فيها 40 متهما ووقع ضحيتها 66 شخصا.
و بينت مصالح الأمن أن أغلب المتهمين في هذه القضايا مسبوقون قضائيا، كما تتعلق معظم الحالات بالتشهير ونشر صور دون رضا صاحبها عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك و السب والشتم، و كذلك المساس بالحياة الشخصية عبر البريد الالكتروني، إلى جانب القرصنة ونسخ برامج دون حق، وكذا النصب والاحتيال، بينما تمت معالجة قضيتين تتعلقان بعرض سلاح ناري للبيع عبر الفايسبوك.
الأستاذ صالح بلخيري المتخصص في الإعلام العلمي و الرقمي
50 بالمئة من المعلومات التي تنشر على الفايسبوك مشكوك فيها
يحذر الأستاذ بلخيري صالح المختص في الإعلام الرقمي و العلمي، بأن أزيد من 50 بالمئة من المعلومات التي تنشر على موقع “فايسبوك” مشكوك فيها، كما يرى أن الفرد الجزائري ما يزال يتعامل بسذاجة مع هذه المعطيات و لا يتردد في منح بياناته الشخصية و تصديق ما يقال له على الفضاء الأزرق.
و أكد الأستاذ بلخيري أن الجريمة الالكترونية أخذت بالفعل حيزا كبيرا من القضايا التي يتم معالجتها في المحاكم، مسجلة ارتفاعا من يوم إلى آخر، و هو ما يرجعه إلى عومل كثيرة قال إن أهمها التطور الهائل الذي عرفته تكنولوجيات الإعلام و الاتصال و كل ما يتعلق بشبكة الأنترنت و الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، إلى جانب تطور برمجيات اللعب على الصورة و الصوت، و كذلك الأجهزة المستعملة سواء تعلق الأمر بالكمبيوتر المحمول أو الهواتف الذكية، التي أصبح اقتناؤها سهلا أمام تحسن المستوى المعيشي للفرد الجزائري.
و يضيف الأستاذ بجامعة المسيلة، أن سهولة استخدام موقع “فايسبوك”، جعل النصب و الاحتيال عبره سهلا أيضا، إذ يمكن من خلاله الدخول باسم مستعار و فتح أكثر من حساب بأسماء وهمية، لكنه يرى أن المواطن الجزائري، بصفة عامة، ينخدع بسهولة بسبب نقص الوعي و سذاجة البعض، لذلك فإن الضحايا يكونون في الغالب أشخاصا بسطاء يقعون فريسة سهلة للعصابات الإجرامية.
و يؤكد المختص أن هؤلاء الضحايا يكونون في الغالب فتيات في سن المراهقة ينجرفن خلف الأوهام التي تسوق لهن عبر الفايسبوك، فيصدقنها و لا يستفقن منها إلا بعد فوات الأوان، مرجعا ذلك إلى ظروف اجتماعية معينة تجعلهن يبحثن عن الأفضل الذي يعتقدن أنه يمكن إيجاده في العالم الأزرق، خصوصا مع ما تلعبه التكنولوجيا فيما يتعلق بقوة الإبهار.
و الخطير في الأمر، بحسب الأستاذ بلخيري، أن الأطفال أيضا يقعون ضحايا في مثل هذه القضايا، خصوصا أن بإمكانهم فتح حسابات على الفايسبوك بسهولة، من خلال وضع عمر أكبر من عمرهم الحقيقي، على اعتبار أن التطبيق يشترط سن 13 عاما فما فوق، ما يجعلهم عرضة لمختلف الأخطار، متسائلا عن جدوى اقتناء هاتف ذكي للطفل ثم لومه لأنه استخدمه بشكل خاطئ و في هذا الشأن دعا الخبير الأولياء إلى وجوب التحلي باليقظة و مراقبة ما يطلع عليه أبناؤهم بشكل أكبر.
و يتوقع محدثنا أن تتطور جرائم الفايسبوك مع تطور التطبيق و إمكانية ولوجه إلى المعلومات الشخصية للمستخدم، لذلك فإن الحل، برأيه، يكمن في التحلي باليقظة و الاحتياط الدائم، لأن 50 بالمئة مما يتم يتداوله في هذا الفضاء الافتراضي مشكوك فيه، فيما أصبح باستطاعة “الهاكرز” الولوج إلى مختلف المعلومات عن طريق برمجيات القرصنة. ي.ب