الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

عالِم الفيروسات البروفيسور يحيى شبلون في حوار للنصر: هناك لقاحات آمنة ضد جدري القردة ومشاريع بحثية للوقاية منه في الجزائر


أحدث جدري القردة حالة طوارئ عالمية في الأسابيع الأخيرة، فبعدما كان حبيسا في بعض مناطق إفريقيا، انتقل هذا الفيروس ليصل إلى العديد من دول أوروبا. وفي حوار أجرته معه النصر، يشرح عالِم البيولوجيا والفيروسات البروفيسور يحيى شبلون، أسباب هذا الانتشار ويجيب عن العديد من الأسئلة حول أصول المرض وطرق انتقاله بين البشر، وصولا إلى أهم أعراضه وتقنيات التشخيص والعلاج، كما يسلط الباحث الجزائري الضوء على الجهود المبذولة في الجزائر لمكافحة هذا الفيروس والأمراض المعدية الأخرى.

حاورته: ياسمين بوالجدري

- بداية بروفيسور، هلاّ وضّحت للقراء ما هو جدري القردة وكيف يختلف عن مرض الجدري الذي تم القضاء عليه منذ سنوات عديدة؟
جدري القردة هو مرض ينتج عن فيروس ينتمي إلى عائلة الفيروسات الجدرية ويحمل جينوما مزدوج الخيط من الحمض النووي، على عكس فيروس كورونا الذي يحمل جينوما أحادي الخيط، وبشكل عام، الفيروسات التي تحمل الحمض النووي مثل فيروس الهربس تكون أكثر مقاومة وقادرة على البقاء حية لفترة أطول. توجد فيروسات الجدريّات بشكل طبيعي عند الإنسان والعديد من الأنواع الحيوانية الأخرى مثل القردة والأبقار والأغنام والماعز والحيوانات آكلة اللحوم والطيور.
فيروسات الجدريّات سبّبت للإنسان وباء عالميا، وهو الجدري، أسفر عن وفاة أكثر من 300 مليون شخص وترك عددا كبيرا من الناجين يعانون من مضاعفات. هذا الفيروس، الذي كان موجودا لدى البشر لآلاف السنين، تطوّر ليكتسب قدرة عالية على الانتقال بين البشر، خاصة بعد الاتصال المباشر، مما أدى إلى تفاقم الوباء وزيادة عدد الوفيات، حيث تم القضاء عليه تماما بفضل برنامج تطعيم عالمي باستخدام فيروس جدريّات مُضعّف مستخلص من الأبقار، يمنح مناعة فعالة ضد الجدري البشري.
هذا هو الفرق بينه وبين الجدري البشري
ينتمي فيروس جدري القردة إلى نفس مجموعة فيروس الجدري البشري ويسبب مرضا مشابها عند القردة المصابة، وهناك مجموعات كبيرة وفرعية طبيعية من فيروس جدري القردة تسبب الأمراض الحيوانية المنشأ، التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، وأمراضا ذات شدة متفاوتة. مع ذلك، كانت قابلية انتقال هذه الفيروسات بين البشر منخفضة حتى وقت قريب، لكن إحدى الطفرات اكتسبت قدرة أكبر على الانتقال بين البشر وانتشرت على نطاق واسع في الكونغو ثم في العديد من البلدان الإفريقية، وأخيرا في بلدان خارج إفريقيا.
- ما هي الطرق الرئيسية التي ينتشر بها فيروس جدري القردة وهل هناك فئات معينة أكثـر عرضة من غيرها للإصابة؟
ينتشر فيروس جدري القردة بين البشر بشكل أساسي عن طريق الاتصال المباشر مع شخص مصاب، خاصة من خلال ملامسة الجلد أو الأغشية المخاطية المصابة. تاريخيا، كان هذا النوع من الانتقال شائعا بين الرجال المثليين، ومع ذلك، فإن الزيادة الأخيرة في قدرة الفيروس المعدي على الانتشار تشير إلى احتمال وجود طرق انتقال جديدة. من الواضح أن الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة بسبب أمراض أخرى أو التعب أو تناول الأدوية المثبطة للمناعة، يكونون أكثر عرضة للإصابة وللمرض الشديد.
- منذ بداية عام 2024، سُجل ما يزيد عن 540 حالة وفاة بسبب جدري القردة في القارة الأفريقية. هل يمكن للفيروس أن يتطور ليصبح أكثـر فتكا؟
لقد تطور الفيروس بالفعل ليصبح أكثر تكيفا مع الإنسان وينتقل بشكل أكثر فعالية بين الأفراد، وهو مسؤول عن مئات الوفيات، خاصة في وسط إفريقيا. يمكن أن يؤدي انتشار الفيروس بين الأفراد إلى منحه مزايا إضافية وزيادة معدل الوفيات.
طفرة نشرت المرض من الكونغو
- ما هي الأعراض الشائعة لمرض جدري القردة؟
بعد الصداع والتعب وآلام العضلات والحمى في بداية العدوى، يظهر طفح جلدي مميز، ثم يتطور من بقع مسطحة إلى بثور صلبة مرتفعة، وبعدها إلى بثور مملوءة بسائل صافٍ. تتحول هذه البثور بعد ذلك إلى بثور حادة وصلبة، ثم تصبح مجوفة ومتقرحة، لتنهي دورتها بتقرحات عن طريق التئام البثور، مما يؤدي إلى ظهور آفات جلدية في جميع أنحاء الجسم، وخاصة في الأطراف والوجه، كما يمكن أن تتأثر الأعضاء الداخلية أيضا مما يؤدي إلى الوفاة.
- هلاّ أطلعتنا بروفيسور على الطرق المتاحة في الوقت الحالي للتشخيص، وهل هناك اختبارات سريعة يمكن استخدامها؟
أولا، يُشتبه في الإصابة بفيروس جدري القردة إذا كان الشخص قد تعرض لخطر الإصابة به في الأسابيع الثلاثة التي تسبق عودته من منطقة وبائية في وسط وغرب إفريقيا بنيجيريا، ومنطقة حوض الكونغو، واتصاله هناك بالقوارض أو القردة الميتة أو الحية، واستهلاكه لحوم حيوانات الأدغال. أيضا في حالة كان الشخص قادما من بؤرة للمرض أو منطقة مصنفة في أوروبا.
يُشتبه أيضا بانتقال العدوى، لدى الشخص الذي اتصل بأي إنسان مصاب سواء جلديا أو بالأغشية المخاطية أو بلمس الأغراض والملابس الملوثة للمريض، وكذلك عبر العلاقات الجنسية، وأيضا في حالة الاحتكاك داخل الأسرة وغير ذلك.
أما تأكيد تشخيص جدري القردة، فيكون عن طريق الكشف المحدد لجينوم فيروس جدري القردة باستخدام اختبار تضخيم الحمض النووي الخاص بهذا الفيروس عن طريق إجراء اختبار «بي سي آر» على عينات من الغشاء المخاطي للأنف والحلق أو المناطق التناسلية.

ذوو المناعة الضعيفة أكثر عرضة للإصابة
- ما هي العلاجات المتاحة حاليا وهل هناك لقاحات فعالة للوقاية من هذا المرض؟
تُستخدم الأدوية الحالية بشكل أساسي لتخفيف الألم وتهدئة الأعراض ولا يوجد حتى الآن أي دواء مضاد للفيروسات تم اختباره وأثبت فعاليته ضد هذا الفيروس، أما اللقاحات المستخدمة ضد الجدري البشري فهي فعالة في الحماية من جدري القردة.
توجد حاليا لقاحات أكثر أمانا من اللقاح الأصلي المستخدم للقضاء على الجدري البشري، ومن الضروري جدا أن يتوفر مخزون منها للتعامل مع أي تفش محتمل للمرض بسرعة، علما أن هذا النوع من اللقاحات لا يتطلب سلسلة تبريد منخفضة جدا مثل لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال المستخدمة ضد كوفيد-19.
- ماذا عن الإجراءات الوقائية التي ينبغي على الأفراد اتخاذها للحد من خطر الإصابة؟
تتمثل أكثر التدابير الموصى بها، في تجنب المناطق التي ينتشر فيها الفيروس بشكل نشط للغاية، خاصة في وسط إفريقيا، كما يجب الحد من الاتصال المباشر مع الأشخاص وتنفيذ أنظمة المراقبة، خاصة بين السكان المعرضين للخطر. يجب كذلك استشارة الطبيب وإجراء الفحوصات اللازمة.
- برأيك بروفيسور، كيف أثرت جائحة كوفيد- 19 على استعدادنا لمواجهة تفشي الأمراض المعدية مثل جدري القردة وما هي التحديات التي يفرضها على الصعيد العالمي؟
سبق لي أن حذرت مرارا وتكرارا من ضرورة وضع استراتيجيات لمواجهة الأوبئة والأمراض، وتطوير مراكز أبحاث وتشخيص متخصصة، ووحدات لإنتاج اللقاحات، وبالنسبة لحالة الجزائر، عقدتُ اجتماعات مع وزراء التعليم العالي والبحث العلمي والصناعة والصيدلة، وهناك عمل جارٍ في هذا الاتجاه.
فيروس يمكن أن يؤدي إلى الوفاة
على الصعيد العالمي، رفعت منظمة الصحة العالمية مستوى التأهب إلى أعلى مستوى، وحثت جميع الدول على اتخاذ إجراءات ضد الانتشار غير المتحكَّم فيه لفيروس جدري القردة، كما يتم حاليا حشد جهود سلطات القطاع الصحي في عدد كبير من البلدان التي تقوم بإنشاء أنظمة المراقبة والاتصال والرصد للحالات المسجلة. إذا لزم الأمر، هناك مخزون متاح من اللقاحات لاستغلاله محليا.
- هل هناك أبحاث تشاركون فيها حاليا فيما يخص علاج جدري القردة؟
ظهور مسببات الأمراض الجديدة ذات الصلة بالحيوان سوف يزداد بشكل متكرر، لذلك، من الضروري والعاجل إجراء أبحاث في الجزائر لمواجهة هذه الأنواع من المسببات المرضية وتطوير قدرات مستقلة لإنتاج اللقاحات، فالحدود العديدة للجزائر مع أوروبا من الشمال وإفريقيا من الجنوب تجعلها عرضة لمختلف أنواع مسببات الأمراض.
تشمل المشاريع المستقبلية في الجزائر ليس فقط الأبحاث والتطوير ضد فيروسات الجدري، ولكن أيضا ضد فيروسات أخرى خطيرة جدا تنتشر حاليا وتتصدر قائمة منظمة الصحة العالمية بوصفها تشكل مخاطر وشيكة.
الجزائر تعمل على استراتيجيات لمواجهة الأوبئة
- في الأخير، هل تتوقّعون أنه من الممكن مستقبلا القضاء على هذا المرض، تماما كما حدث مع الجدري البشري قبل أزيد من 4 عقود؟
ليس هناك شك في أنه سيتم احتواء مرض جدري القردة والحد منه بشكل كبير بين البشر، ومع ذلك، هناك حاجة إلى إجراء دراسات بشكل أفضل لفهم الآليات التي أدت إلى انتشار هذا المرض لدى الحيوان والإنسان، وتحديد الخزّانات الحيوانية، ووضع تدابير في البلدان التي تستضيف مستعمرات القرود مثل بلدنا.في هذا الإطار، يجري حاليا البدء في مشروع مركز جزائري لعلم الرئيسيات (علم يدرس الثدييات) من أجل التمكن من دراسة هذا النوع من الأمراض في مضيفات طبيعية ووضع التدابير اللازمة لحماية السكان.
ي.ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com