أكدت الباحثة الجزائرية في علم المناعة بالولايات المتحدة الأمريكية الدكتورة مريم بلعابد، أنها تعمل بشكل جاد ومستمر للتوصل إلى علاج مناعي لمرض السرطان، في إطار مواصلة بحوث مثمرة باشرتها في واحد من أكبر مراكز البحث عبر العالم.
حاورتها: إيمان زياري
واعتبرت في حديث مع النصر، تجربتها البحثية مع العالمة الجزائرية بنفس المجال مريم مراد تجربة فريدة من نوعها، شكلت فارقا في مشوارها العلمي، وتحدثت عن العلاقات العلمية العالمية بين الجزائريين في الخارج و استثمرتها في مساعدة الطلبة الجزائريين للتعلم ومواصلة البحث والتطور، كما تطرقت إلى نشاطها مع جمعيات ومنظمات دولية ومشروع علمي مهم نال مراتب عالمية، ومواضيع أخرى.
النصر: ابنة البليدة و تحملين جذورا تمتد إلى قسنطينة، لكنك حلقت بعيدا وأنت شابة إلى الجزء الآخر من القارة أين تشتغلين في مجال المناعة بأمريكا حدثينا عن هذا المسار؟
- الدكتورة مريم بلعابد: ولدت وكبرت ودرست في البليدة، لكن أصولي قسنطينة فأمي وأبي من قسنطينة التي أحبها كثيرا، أما عن قصتي مع علم المناعة، فبدأت مع شهادة البكالوريا أين درست تخصص بيولوجيا بجامعة البليدة، وحري بطلبة البيولوجيا الدراسة لفترة أولا والتعرف على المقاييس لتحديد التخصص المراد، هكذا اخترت مقياس علم المناعة في السنة الثانية من الجامعة وكنت طالبة لدى البروفسور مصطفى أومونى، وهذا هو المقياس الذي قربني جدا من هذا العلم.
أكملت دراستي وتحصلت على الليسانس، وأردت التخصص في علم المناعة في الماستر، لكن هذا التخصص بشكل محدد لم يكن متاحا، ومع ذلك فقد كنت الأولى على دفعاتي منذ السنة الثانية وخلال الماستر بمرحلتيه، وعندما أكملت الماستر 1 في جامعة البليدة، رأيت أني بحاجة للتخصص أكثر في هذا العلم، وهنا جاء قرار دراسة ماستر ثاني في فرنسا يكون 100 بالمائة في مجال المناعة.
كانت المرحلة الانتقالية بين الجزائر وفرنسا صعبة نوعا ما بسبب الاختلاف في نظام التعليم، ذهبت إلى فرنسا ودرست هذا التخصص في جامعة «بيار وماري كوري» في باريس، وهناك كنا ندرس عدة تخصصات حتى الطب والبيولوجيا والصيدلة، وهذا ما أثار في نفسي بعض المخاوف مبدئيا إلا أني وبفضل الله وفقت وأنهيت الماستر، ثم قررت إكمال الدكتوراه التي تمر عبر مسابقة ونجحت مع الخمسة الأوائل، وتمكنت من تقديم مشروعي العلمي الخاص بالدكتوراه مع الدكتورة المشرفة «غاييل ميناشي»، وهنا استفدت من متابعة واحد من أكبر علماء المناعة في العالم الذي اطلع على مشروعي منذ بدايته إلى غاية نهايته.
لماذا الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف التحقت بواحد من أكبر المستشفيات المتخصصة هناك تحت إشراف عالمة جزائرية؟
- بعد حصولي على الدكتوراه في فرنسا، أردت إتمام مرحلة ما بعد الدكتوراه، وهي المرحلة المهمة لأي باحث يرغب في فتح مخبره الخاص وتشكيل فريق، كنت أرغب في التعلم في مخبر كبير ومعروف عالميا، فوقع اختياري على مخبر الباحثة والعالمة الجزائرية مريم مراد بنيويورك، إلا أن الخيار لم يكن بسبب جنسيتها الجزائرية، بل لكون مخبرها من بين المخابر الرائدة عالميا في ميدان العلاج المناعي، وهذا يتقاطع مع تخصص رغبت كثيرا في الذهاب بعيدا فيه، فراسلتها مع اقتراح المشروع وحصلت منها على الموافقة.
الاحـتكاك بالكبار يصنع النجاح
ما الذي تعملون عليه في هذا المجال؟
- في مخبر مريم مراد بنيويورك، نقوم بدراسة الجهاز المناعي بدقة كبيرة، ونعرف كيفية سير جهاز المناعة في محاولة للوصول إلى علاجات لعدة أغراض وفي مقدمتها السرطان، وهذا أكبر مرض يبحث فيه مخبرنا، خاصة ونحن نبحث عن علاج مناعي جديد لن يتحقق إلا من خلال دراسة دقيقة للجهاز المناعي، والحمد لله نجحنا في المخبر وتوصلنا لاكتشافات كثيرة ومهمة نشرت عبر مجلات علمية عالمية ورفيعة المستوى، مثل مجلات»نايتر» ،و «ساينس» ،و «نايترومينولوجي»، وبفضل النتائج التي تحصلنا عليها تمكنا من الشروع في تجارب سريرية لتجربة تقديم علاج مناعي جديد لمرضى بالسرطان.
تهتمين كثيرا بتطوير العلاج المناعي للسرطان، ولديك مشروعك الخاص، حدثينا عن العلاقة بين العملين؟
خلال دراسة الدكتوراه، اشتغلت على خلايا في الجهاز المناعي اسمها «خلايا أندريتيك «، حيث تعمقت في بيولوجيا هذه الخلايا وأردت التعرف على طريقة عملها في الحالة العادية، وفي المرحلة الموالية عند التخصص في العلم المناعي، تعمقت أكثر في كيفية استعمالها للبحث عن علاج مناعي جديد، ووجدت أنها مهمة جدا في العلاج وفي القضاء على مرض السرطان.
لاحظنا أيضا، أن عمل هذه الخلايا يتقلص كثيرا بوجود مرض السرطان في الجسم، وهدفي بالتنسيق مع المخبر هو تحفيز وظيفتها لربما تساعد في تحسين الاستجابة، وهذا هو مشروعي العلمي، حيث توصلنا إلى أن توقيف إحدى المستقبلات في هذه الخلايا يزيد نشاطها ويساعد في القضاء على السرطان.
نقوم في البداية بالعمل بأدوات المخبر لدراسة سؤال معين مثل مشروعي الذي طبق على فئران المخابر و»خلايا أندريتيك» البشرية في المخبر، وبعد التحصل على نتائج جيدة مع الفئران والخلايا البشرية، يمكننا استعمال النتائج والشروع فيها للتطبيق مع المرضى، وهي مراحل أساسية للعمل، تأتي معها أيضا مشاورات بين فرق أخرى قبل اتخاذ قرار الشروع في التجارب السريرية لأي اكتشاف جاء من المخبر.
رغم مغادرتك للجزائر سنة 2015 تربطك علاقة جيدة مع الطلبة والباحثين هنا، كيف تقومين بذلك وأنت متواجدة في الولايات المتحدة الأمريكية؟
- اشتغلت لفترة بجامعة البليدة قبل مغادرتي للجزائر، وفي فرنسا وبعد إتمام الدكتوراه كنت أدرس طلبة جزائريين، كما التزمت بالتنقل إلى جامعة البلدية لمواصلة التدريس مرة خلال السنة.
بعد سفري إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبحكم بعد المسافة تعذر على الاستمرار في التردد على جامعة البليدة لتدريس الطلبة، لكن بدأت في مشروع أطلقت عليه اسم «إيمنو فرونتييرس» مع طلبة جزائريين ساعدوني فيه، خاصة سلمى شامي، و حمزة أحمد سرير، وبلال عيساني، وهم طلبة قدموا الكثير للمنظمة للانطلاق والنشاط بشكل جيد.
النصر: ما الذي تقدمه هذه المنظمة وكيف تعمل؟
- نشاطنا مجاني يشمل الطلبة الجزائريين انطلاقا من مبدأ ثابت، حيث نقدم لهم دروسا، ورشات عمل، وملتقيات، حيث نشرك باحثين أجانب في برنامج التدريس من أجل تقريب المسافة بين الطلبة الجزائريين والباحثين ذوي المستوى العالي، ونفتح باب النقاش معهم، وهذا أمر مهم جدا وساعد الطلبة كثيرا، وقد أبدى الباحثون الأجانب إعجابهم بمستوى الطلبة الجزائريين الذين يملكون شغفا كبيرا بالتعلم والبحث. ولا أخفيكم، أن فخرا كبيرا ينتابني عندنا يخبرني أحد زملائي الباحثين أنهم سعداء بتدريس جزائريين ويجددون استعداهم للعمل معهم أكثر، وهو تحديدا أبرز أهداف المنظمة، التي تسعى لتقريب طلبتنا داخل البلاد من الباحثين العالميين.
هل المهمة سهلة؟
- على العكس تماما، كل العمل يتطلب وقتا وجهدا وتنظيما كبيرا، يساعدني فيه الطلبة الذين سبق ذكرهم، فعملي في المخبر يأخذ معظم وقتي، إلا أن تدريسي للطلبة الجزائريين ينحصر كذلك ضمن أولوياتي، وأنا مستمرة فيه عبر الإنترنيت، إذ أعتمد بشكل كبير على خاصية المحاضرات عبر تطبيق « زوم».
سأواصل دعم أبـناء بلدي والتنسيق مع أكبر الجمعيات العلمية الدولية
حدثينا أكثـر عن المختبر الافتراضي، وهل يمكن أن يكون وسيلة فعالة في اكتساب العلوم ؟
- ترد أسئلة كثيرة من الطلبة إلى «إيمينوفرونتييرس»، حول كيفية إجراء تربص في الخارج والصعوبات التي تواجههم، كما لاحظنا تعقيدات التحاقهم بالمخابر لغرض القيام بتجارب بحثية، وهنا فكر فريقنا في توفير مختبر افتراضي تطلب منا الكثير من الجهد لحوالي سنة كاملة، وأود بالمناسبة أن أشكر فريق الباحثة مريم مراد، الذي ساعدنا كثيرا في مسعانا.
كان زملائي الأجانب أيضا يعملون معي، وكنا نصور جميع التجارب من البداية حتى النهاية، بداية بكيفية طرح سؤال علمي، وكيفية الإجابة عنه بالتجربة، وهكذا نظمنا نشاطنا وتابع الجميع المختبر الافتراضي وأجابوا عن أسئلة الطلبة وكانوا راضين جدا، وهي بالنسبة لي وسيلة يمكن من خلالها مساعدة الطلبة الجزائريين حول كيفية العمل داخل المخبر في انتظار تحسن ظروف المخابر خاصة في الجامعات الجزائرية.
أنت عضو في الجمعية الجزائرية الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا وريادة الأعمال، ما دور هذه الجمعية تحديدا؟
- انخراطي في الجمعية الجزائرية الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا وريادة الأعمال، كان بهدف تقديم دعم أكثر للطلبة الجزائريين، وهي جمعية رائعة بدأت مشوارها سنة 2020، وأنا أشتغل معها منذ نحو سنتين تقريبا، أما عن مسؤوليتي فيها، فأنا مكلفة بالعلوم وهدفها هو مساعدة الطلبة الجزائريين من خلال توطيد العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية.
نساعد أيضا، المؤسسات الجزائرية ونقدم عدة مشاريع، وننظم تظاهرات ونساعد الباحثين والطلبة في تقديم الأجوبة والاستشارات لتسهيل مهمة تحديد المشروع المهني. وبالإضافة إلى هذه الجمعية، فقد انضممت مؤخرا، إلى جمعية أخرى هي الجمعية الدولية للمناعة، أين نسعى لتطوير العلاج المناعي، ونعلم علم المناعة، وننظم الكثير من التظاهرات.
العمل مع الدكتورة مريم مراد فارق في مشواري
ما الذي أضافه لك العمل في تخصص تحبينه وتحت إشراف باحثة وعالمة جزائرية مهمة مثل مريم مراد؟
- العمل مع الدكتورة مريم مراد، يعد شرفا كبيرا جدا، ليس فقط لتفوقها وتميزها، بل لكونها قدوة للنساء الجزائريات وعبر العالم، لقد تعلمت منها منذ أول يوم لي ضمن فريقها، فهي سيدة ملهمة حقا، وبعملي معها فهمت كيف وصلت إلى هذا المستوى لأنها ببساطة تفكر في كل شيء، ومسؤولة عن عملها وفريقها، تستثمر فينا كما في مشاريعها العلمية وتسعى بجد لإنجاح فريقها ونجاح مشاريعها أيضا، وتعمل على تكويننا جيدا وتطويرنا، وهذا ما يعرف عن مجموعة الباحثين الذين مروا عبر مخبرها. أحيطكم علما أن باحثين كثر تخرجوا من مخبرها ونجحوا في فتح مخابر تعد الأفضل عالميا، فالعمل معها فعلا حظ كبير وشرف، وهذه أهم تجربة في مشواري، لأنها قدمت لي الكثير من النصائح حول مشروعي، والكل يحسب لها ألف حساب على المستوى العالمي بالنظر إلى مستواها العالي، مع ذلك فهي متواضعة تقدم النصائح للجميع وتشجعني دوما على مساعدة الطلبة الجزائريين، وبالنسبة لي فإنه من المهم جدا التعلم من هذه النماذج الرائدة.
أهدف لفتح مخبري الخاص
ما هي مشاريعك المستقبلية في ميدان المناعة، وهل تفكرين في وجهة أخرى لإكمال مشوارك؟
- أنهيت حاليا المشروع العلمي الخاص بالدكتوراه، وتلقيت الموافقة لينشر في جريدة «نايتر مينولوجي» عن قريب إن شاء الله، وهذا أهم إنجاز بالنسبة لي، وطموحي الآن هو الانطلاق في تشكيل فريقي الخاص ومخبري الخاص للقيام بأبحاثي. كنت دوما أرغب في مواصلة العلاج المناعي وعلاج السرطان، ولست أدري حاليا هل سأواصل في أمريكا أم أعود إلى فرنسا.
أعرف فقط أني سأواصل مشواري وبحثي تكريما لروح شقيقتي نوال التي فقدتها في 23 جويلية الماضي، موتها أثر في نفسي كثيرا خاصة وأنها كانت سندي، كانت تدعمني بشكل مستمر، وتشجعني دوما على المضي قدما وإكمال مشواري البحثي، سأعمل أكثر وأنجح من أجلها ومن أجل والدي وكل من آمن بشخصي.
ما هي النصائح التي تقدمينها للطلبة الجزائريين الشغوفين بالبحث والعلم؟
- قد يواجه عديد الطلبة صعوبات في تحقيق النجاح في مجال البيولوجيا، لكني أشجعهم على الإيمان بتخصصهم و تحديد أهدافهم لتخطي المعوقات، ولذلك توجد العديد من الوسائل اليوم،فالتكنولوجيا تدعم كثيرا الباحثين بين الدول وتتيح فرصا عن بعد، وهذا ما دفعني للعمل على مشاريع أكثر مع الجمعيات لمساعدة الجزائريين ومنحهم سبلا أكثر للوصول إلى أهدافهم الدراسية. أنصحهم أيضا، بالدراسة أكثر وعدم الاكتفاء بما يتلقونه في الجامعة لأن العلم دائم الجدد، كما أنصحهم بعدم الاستسلام والاعتماد على العمل المشترك بين المخابر الجزائرية والأجنبية في حال وجد مشروع علمي مهم.
إيمان زياري