الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

الفيلم الوثائقي الجزائري "على آثار المحتشدات"


السعيد عولمي "يفتك" إعتذارا فرنسيا بجرائم المستعمر بعيدا عن السياسة
شكلت آخر لقطة من الفيلم الوثائقي الجزائري «على آثار المحتشدات» للمخرج السعيد عولمي، نقطة مهمة في زمن الفيلم الذي دام أكثر من ساعة، كون المخرج «إفتك» بفضلها إعتذارا فرنسيا بجرائم فرنسا الإستعمارية التي تجسدت في الفيلم، وكان الإعتذار من طرف أحد الفرنسيين الذين عايشوا فترة الحرب التحريرية، وهو الممرض والمختص في الأمراض العقلية «كزافيي جاكي».

إعتبر المخرج السعيد عولمي في رده على سؤال النصر على هامش عرض الفيلم في سينيماتيك وهران، أن لقطة «الإعتذار» الأخيرة من عمر العمل الذي يندرج في إطار مسابقة الأفلام الوثائقية في مهرجان وهران للفيلم العربي في طبعته 11، تعكس النهاية المفتوحة التي أرادها لعمله حتى يترجمها الجمهور كل حسب تحليله ومنظوره، وقال عولمي أنه ليس مؤرخا بل شخص مهوس بالتاريخ ويسعى دائما لتقديم أفلام وثائقية تكشف جزءا من معاناة وعذاب الجزائريين في ظل قمع وبشاعة جرائم المستعمر، مركزا على أن «على آثار المحتشدات» هو عمل فني أكاديمي إعتمد فيه على مؤرخين وأشخاص عايشوا فترة الحرب و كانوا فاعلين وقريبين من المحتشدات، مشيرا أيضا خلال مناقشة الفيلم مع جمهور قاعة السينيماتيك، أنه حاول أن يوازن بين منظور الجزائريين الذين تعرضوا للقمع والتعذيب ومختلف الجرائم، وبين فرنسيين شاركوا عن قرب في التعامل و تطبيق أوامر قادة المستعمر، وأضاف أن العمل إستغرق منه سنتين من البحث وجمع الوثائق والتنقل من منطقة لأخرى.


2300 محتشد  و 3 ملايين جزائري هجروا من أراضيهم
فقدت فرنسا الإستعمارية غداة تفجير الثورة التحريرية سنة 1954، بوصلتها وصارت قرارات قادتها خاصة العائدين  بخيبة من حرب الهند الصينية، إنتقامية ضد الجزائريين خاصة القاطنين بمحاذاة الأماكن الجبلية التي كان الثوار يلجأون إليها لمحاربة العدو، ومن أجل عزل هؤلاء المجاهدين، جاءت سياسة المحتشدات التي بلغ عددها 2300 محتشد رص فيه حوالي 3 ملايين جزائري من الأبرياء ولم يستثن  المستعمر أي أحد شيوخ، مرضى، نساء، أطفال ورجال.
«الثوار مثل السمك في الماء، يجب تجفيف الماء للحصول على السمك»، هي الفلسفة الأساسية للمناطق المحرمة التي أنشأتها فرنسا لحماية جنودها من المجاهدين، وهي أيضا المقولة التي كان جنرالات فرنسا الإستعمارية يرددونها تبريرا لإقامة المحتشدات التي كان هدفها الظاهر هو عزل المجاهدين عن الأهالي الذين كانوا يمدونهم بالمؤونة والأخبار ويحموهم، وحملت شهادات المؤرخين الفرنسيين الذين شاركوا في الفيلم، إجماعا بأن الجزائريين في المحتشدات كانوا يتعرضون لأشد العذاب للإعتراف على المجاهدين والتعاون مع المستعمر، ولكن باءت كل طرق فرنسا بالفشل.

الشيخ المجاهد محمد شحاتي عمره 93 سنة، أبرز شاهد على تلك المحتشدات وعلى التعذيب الذي تعرض له الجزائريون على يد المستعمر، من ضرب مبرح يومي، حرق للمساكن للأراضي الفلاحية للحيوانات لكل شيء هو ملك للجزائريين، يروي المتحدث صورة بشعة لجرائم فرنسا، حيث يقول أن سيدة من دوار الولجة حملت المؤونة للمجاهدين لسد رمقهم، فوقعت في قبضة جنود المستعمر فسلطوا عليها كلبا نهش ثديها ثم بطنها حتى سقط جنينها، ويعد الشيخ شحاتي من سكان منطقة الولجة بباتنة، الذين رحلوا إلى محتشد بوحمامة التابعة حاليا لولاية خنشلة، في يوم عصيب طردوا من ديارهم وهجروا لمنطقة أخرى وصلوها بشق الأنفس مشيا على الأقدام على مسافة 80 كم، وظلت حوالي 2000 عائلة في العراء لمدة أسبوع دون أكل ودون فراش أو أغطية، ليتم بعدها إحاطتهم بسياج مكهرب مع ترك نافذة للخروج المحروس والذي يجب أن يرخص،  وفعلا تم في البداية الترخيص للنساء بالخروج للجبال من أجل جلب الحلفاء بعدما كلف الرجال ببناء مساكن في المحتشد، بيوت مساحتها 12 متر مربع تنجز بالطين والتراب جدرانها هشة وتضم عدة أفراد بداخلها لدرجة أن بعض من عايشوا الوضع قالوا أن كل فرد كان يرتكز على الآخر أثناء النوم، ما حدث في الولجة من تهجير ودمار وإنتزاع للسكان من جذورهم، عاشته عشرات المناطق بالجزائر.
 صور شاهدة على القهر والتعذيب والتنكيل
قال المصور مارك غارونجي الذي إستعان به المستعمر خلال الحرب التحريرية ليأخذ صورا للنساء والفتيات الجزائريات في إطار الحملة التي قامت بها فرنسا من أجل إعداد بطاقات هوية لـ «االأهالي» كي تتحكم في تحركاتهم، أنه أخذ 2000 صورة للجزائريين الذين كانوا في تلك المحتشدات وكانت الأغلبية نساء، لا زال يتذكر نظراتهن أثناء أخذ الصور كانت مثل الرصاصة تخترق صدره في كل مرة، نظرات تعبر عن حزن وألم وقهر ورفض شديد للوضع لقد كانت مقاومة صامتة، هي الصور الموجودة اليوم في متحف بالعاصمة ويحتفظ بها غارونجي في ألبوم خاص ونشر بعضها في كتاب عن المرأة الجزائرية زمن الحرب، ، غارونجي كان عمره 24 سنة آنذاك وكان يؤدي الخدمة الوطنية في صفوف الجيش الفرنسي، إمثثل لأوامر العسكر الفرنسي وأخذ الصور المطلوبة لنساء تم جرهن بالقوة وإرغامهن على نزع غطاء الرأس والكشف عن الوجه والشعر لدرجة أن بعضهن من شدة الألم والقهر الذي كانت تشعر به لم تنتبه بأنها قد عرت صدرها وظهر جزء من ثدييها

وهو وفق المصور، وضع مؤلم جدا لنساء تم إغتصاب حرمتهن، مبرزا أيضا أن القائد العسكري الذي كلفه بالمهمة شبه هؤلاء النسوة ب « القردة» وإستهزأ بهن، وهنا لم يتمالك المتحدث نفسه وذرف دموعا من شدة إستيائه من الوضع الذي كان سائدا حينها والذي يخلو من الإنسانية في التعامل مع الجزائريين، ومن جانب آخر، قال المصور غارنجي، أن وضع الجزائريين في المحتشدات لم يكلف فرنسا درهما، الجزائريون أنجزوا البيوت التي آوتهم بأنفسهم وبالإمكانيات البسيطة التي كانوا يجمعونها من الجبال والغابات، وأنه يحتفظ بصور عن تلك العمليات، ومن الصدف التي أدخلت السعادة في قلب هذا المصور عند عودته للجزائر وزيارته لبعض المناطق التي أنجزت فيها المحتشدات، إلتقى بأحد الأشخاص الذي تعرف على نفسه من خلال ألبوم الصور الذي كان يحمله غارونجي ويظهره للسكان علهم يتعرفون على أصحاب الصور، غارونجي إلتقى أيضا ب 4 نساء تعرفن على صورهن القديمة التي تاريخها يفوق نصف القرن، فرحته كانت لا توصف وتأثره أيضا كان عميقا
الممرض كزافيي جاكي
«طلبت من والداي أن يدفناني بالجزائر، إعتذارا عن جرائم المستعمر»
قال كزافيي جاكي في الفيلم الوثائقي، «أقدم إعتذارا قويا على ما فعله الفرنسيون أثناء حرب الجزائر»، كانت هذه آخر الكلمات في الفيلم، بعيدا عن التجاذبات السياسية حول «الإعتذار»، بهذا عبر كزافيي بكل صدق أنه بالنظر لجرائم فرنسا الإستعمارية ضد الشعب الجزائري، أقل ما يمكن أن تقدمه هو «الإعتذار»، وفي شهادته عن تلك الحقبة الزمنية، أوضح كزافيي جاكي أنه لم يكن راضيا عن الوضع الذي كان يتواجد فيه الجزائريون خاصة المكدسين في المحتشدات، وأنه كان يراسل والديه بإستمرار ويروي لهم المآسي وفي إحدى الرسائل قال لهم «إن قتلت يوما ما في الجزائر، لفوني في بطانية وأدفنوني في تلك الأرض»، تذكر كزافيي هذه المقولة والدموع تنهمر من عينيه تحسرا على ما شاهده وعايشه في أرض الجزائر، خاصة يومياته في إحدى المناطق بالبيض، وبالضبط في محتشد للبدو الرحل، يقول أنه وجد حالتهم الصحية يرثى لها بسبب الجوع والأمراض بعد ترحيلهم قهرا من خيمهم وسلبهم مواشيهم وكل ما يملكون، ويضيف المتحدث أنه عند بداية ممارسة مهامه إلتقى بالعديد من الفتيات اللواتي إغتصبهن العسكر الفرنسي، حالتهن كانت صعبة جدا لم تنفع معها المهدئات التي كان يعالجهن بها وقع الصدمة كان كبيرا.
حقائق كثيرة تضمنها الفيلم، تلخص جانبا فقط من تاريخ الثورة الجزائرية وتعكس جزءا فقط من جرائم المستعمر البشعة واللا إنسانية.  
  بن ودان خيرة

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com