صدرت الأسبوع الماضي عن دار “سيليكتا” للنشر بإيطاليا رواية جديدة للكاتب الجزائري عبد المالك سماري باللغة الإيطالية، وجاءت بعنوان “الزربوط”، حيث تصور التمسك بالفردانية في مجتمع يحارب التعدد والاختلاف.
ويعتبر عبد المالك سماري، ابن مدينة قسنطينة، واحدا من الكتاب الجزائريين القلائل المقيمين بإيطاليا ويكتبون باللغة الإيطالية، حيث اختار لعمله الجديد عنوان La trottola”» بالإيطالية، الذي يعني بالعربية لعبة الخُذروف، أو «الزربوط» كما تسمى باللغة الدارجة، في حين أوضح لنا سماري أن العنوان المذكور انتُقي من بين مجموعة خيارات من بينها، «الآنسة كريس والقاتل السابع»، كما أضاف في حديثه معنا أنه فكر أيضا في عنوان «أهل الحامة»، نسبة إلى منطقة حامة بوزيان بقسنطينة التي نشأ بها الكاتب، لكنه فضل تجنب العنوان المذكور حتى لا يقع في تناص مباشر مع عنوان المجموعة القصصية الشهيرة لجايمس جويس «أهل دبلن»، مثلما قال.
ودعم سماري روايته الأخيرة بلمسة في الفن التشكيلي من خلال إضافة إحدى لوحاته إلى غلاف الكتاب، وتظهر فيها فتاة صغيرة بصدد ممارسة لعبة «الحَجلة» وبالقرب منها خذروف على الأرضية، في حين عاد الكاتب إلى هاجس الكتابة بلغة أجنبية، حيث أكد لنا أنه رأى ضرورة إقحام اللغة الأم في اللغة الإيطالية مثلما فعل من قبل في روايته السابقة «المُسْتَغْرِب»، التي أخضعها لموسيقى لهجة حامة بوزيان، لكنه تخلى عن الأمر هذه المرة واستسلم لمبدأ الواقع بأن اختار «للزربوط» لغة إيطالية سائدة، مثلما قال. ونبه نفس المصدر إلى أنه دائما عاد بتفكيره إلى الوراء متأملا أيا من كتبه أو رواياته وطريقة نشأتها إلى أن تصبح آخر صورة لها.
أما بخصوص الحكاية في الرواية، فقال الكاتب «أنها تتبع قدر شاب جزائري يتخرج من الجامعة ليجد نفسه مضطرا لمزاولة عدة وظائف لا تتناسب البتة مع ما يحوزه من مؤهلات، لكن الشاب لا يتيه ويظل ثابتا على كسب قوته بالعمل الشاق وتأمل الحياة في نفس الوقت وصياغة قيم جديدة، فضلا عن أنه يحافظ على احترامه لنفسه واكتساب معارف جديدة والحفاظ على جسده في الوقت نفسه». ويضيف سماري أن بطل الرواية لا يفقد لياقته الفكرية والنفسية في تعزيز تمدنه وتحضّره، حيث يترجم ذلك من خلال شخصيته التي تفرض نفسها في مواجهة المجتمع ليظهر بين كتلة الأصدقاء والأقرباء ككائن مختلف.
ويوضح محدثنا أن شخصية مماثلة ستبدو لأهل حامة بوزيان غريبة ومحيرة، لينتهي البطل بأن يجد نفسه مُتهّما بالمعاناة الروحية، بسبب حب مستحيل مثلما تكشف محطات لاحقة من الرواية بعد ذلك، بسبب المسافة الهائلة التي تقف بينهما، مثلما قال الكاتب، الذي أكد «أن روايته تتحدث عن قُبح الإنسان الذي لا يتردد في استغلال الرغبات المشروعة لأخيه الإنسان من أجل ممارسة رغبته المنحرفة في السيطرة ولعب دور الله»، مشيرا إلى أن إمبراطورية الشبكات الاجتماعية غير البريئة وسيلة لممارسة هذا الطّغيان.
وذكر الكاتب أن باحثة وناقدة مختصة في الأدب ما بعد الكولونيالي بجامعة ميلانو قد شبهت أسلوب الرواية وعوالمها و لغة شخوصها وطبائعهم وحيويتهم بالملامح النفسية لشخوص روايات نجيب محفوظ وعوالمها. وأشار عبد المالك سماري في ختام حديثه معنا إلى أن مقر دار «سيليكتا» للنشر يقع في مدينة بافيا الإيطالية حيث «يرقد أوريليوس أوغسطين، ابن الجزائر الذي يعرفه العالم باسم القديس أوغسطين»، ويعتبره الكاتب المعلم الأكبر بالنسبة لنا بعد أفلاطون وأرسطو، فيما نبه إلى أنه لا يرى فيه رجل الدين بقدر ما يهتم بجانب المفكر في أوغسطين، الذي لا يقل مكانة عن ابن خلدون وأبي حامد الغزالي، ما جعله يختار عبارة مقتبسة عنه كمُفتتح لرواية «الزربوط».
ونشر الكاتب الجزائري المقيم في ميلانو بإيطاليا منذ حوالي ثلاثين سنة، بعد تخرجه من جامعة منتوري بقسنطينة بشهادة ليسانس في علم النفس، روايتي «حريق في الجنة» و»المُستغرب» باللغة الإيطالية ومجموعة من القصص والقصائد والمسرحيات والنصوص الأخرى في مجلات وصحف مختلفة، فضلا عن رواية «القاضي والطيف» باللغة الفرنسية، كما تحصل على عدة جوائز أدبية، في حين لقيت أعماله اهتماما من النقاد الإيطاليين وغيرهم، خصوصا ضمن ما يعرف بالأدب المهاجر.
سامي. ح