جائزة نوبل للآداب تثير الجدل مجددا
أعلنت الأكاديمية السويدية أوّل أمس الخميس، عن الفائزينِ بجائزة نوبل للآداب عن عامي 2018 و2019، وكانت من نصيب كلّ من الأديبة والناشطة البولندية أولغا توكارتشوك (1962)، دورة 2018. والروائي والكاتب المسرحي النمساوي الّذي يكتب بالألمانية بيتر هاندكه (1942) دورة 2019، وهذا عن مُجمل أعماله. وقد أثنت لجنة الجائزة في حيثياتها على أدب هاندكه ذي “البراعة اللغوية والقدرة على اِستكشاف محيط وخصوصية تجربة الإنسان، وهذا ما جعل أعماله مُؤثرة”. بينما قالت عن الأديبة توكارتشوك، بأنّ “خيالها السّرديّ الّذي تشوبه عاطفة موسوعية يتجاوز الحدود”.
جائزة نوبل هذا العام، جاءت في أجواء إعلان استثنائية، فهذه هي المرّة الأولى التي تُمنَح فيها الجائزة عن دورتَين متتاليتَين منذ العام 1974، حين فاز بها الكاتبان السويديّان إيفند يونسون وهاري مارتنسون. وهذا ما حدث في دورة هذا العام، التي مُنحت فيها جائزتان للآداب في عام واحد. وهذا بمنح جائزة العام 2018 إلى جانب جائزة 2019. وهذا بسبب تأجيل الجائزة العام الماضي إثر الفضيحة التي عصفت بالأكاديمية السويدية للجائزة، بعد اِتهام، ومن ثمّ إدانة، أحد المقربين من أعضاء الأكاديمية بجرائم جنسية عديدة من بينها جريمتا اِغتصاب. وقد عانت هيئة الأكاديمية الأدبية العريقة العام الماضي لاِستعادة صورتها وبريقها عالميًا وفي السويد، بسبب هذه الفضيحة التي أحدثت اِرتباكا في أروقتها، والتي نشأ عنها تبادل أعضاء الأكاديمية اِنتقادات لاذعة في وسائل الإعلام، كما أدت إلى استقالة سبعة من الأعضاء الـ18 في مجلس الجائزة. الأمر نشأ عنه تأجيل الجائزة في دورة 2018، حيث وجدت المؤسسة نفسها دون النصاب القانوني لاِتخاذ القرارات الرئيسة.
وهذا ما جعلها تؤجل اختيارها لعام كامل لتعلن هذا الخميس عن اسم المتوجة بنوبل للآداب لعام 2018، لتكون الكاتبة البولندية التي أجمع أعضاء الأكاديمية ولجنة التحكيم على اختيارها، وهي الفائزةُ الخامسة عشرة بالجائزة منذ بدء “الأكاديمية السويدية” منحها في العام 1901، في مقابل 101 رجل فازوا بها. وكانت آخر الفائزات هي الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش (2015). ومعروف عن الكاتبة توكارتشوك أنّها تشتغل في كتاباتها على المجتمع البولندي والحياة فيه وتاريخه الملتبس، وهي حقوقية كثيراً ما أغضبت مواقفها اليمين البولندي. وسبق لها أنْ فازت بـجائزة “مان بوكر” الدولية لعام 2018 عن روايتها “الرحلات الجوية”.
أمّا بيتر هاندكه، فكما هو معروف، فكتاباته إنسانية الطابع، وتحاول تفكيك التعقيدات الشخصيّة والتجربة الإنسانية. لكنَّ ذلك لم يُلغِ الأسئلة التي تمّ تداولها وطرحها في وسائل الإعلام المختلفة، عن رسالة نوبل التي أرادت أن توجّهها للعالم من خلال اِختيارها لبيتر هاندكه، إذ معظم الطرح جاء بقراءات تعتبر أنّ منح الجائزة لكاتب يمكن وصفه باليميني مناصرةً ضمنية لليمين الصاعد في العالم.
كما أنّ الجدل الصربي ألقى بظلاله على المغزى أو الرسالة من وراء منح الجائزة لهاندكة. فبعد نشر هاندكه في عام 1996 كتابه «رحلة شتوية في أنهار الدانوب» اِندلع جدلٌ حاد ما زال مستمرا إلى اليوم. فقد اِتهمه النقاد بتبرير جريمة الحرب الصربية، حين اِستخدم هاندكه أسلوبًا في اِنتقاء الكلمات ووصف الأحداث مُشابها لأسلوب كتابة التقارير الصحفية العادية. وفي عام 2004 قام بزيارة سلوفودان ميلوسوفيتش في سجنه في لاهاي. وفي عام 2005 تمّ توجيه الدعوة إليه كشاهد من قبل لجنة دفاع الرئيس اليوغسلافي السابق الّذي أدانته محكمة مجرمي الحرب في الأمم المتحدة في لاهاي بتهم الإبادة الجماعية والجريمة ضدّ الإنسانية. غير أنّ هاندكه رفض ذلك ونشر بعد ذلك مقالا بعنوان «Die Tablas von Daimiel»، وفي 18 مارس 2006 حضر هاندكه جنازة ميلوسوفيتش خطيبًا مِمَّا أدى إلى إيقاظ الجدل من جديد. وإلى جانب كلمته على القبر فقد كتب مسرحية «لعبة الأسئلة أو الرحلة إلى الأرض ذلت الصوت الجهوري»، وقد حُذِف من برنامج مسرح الكوميدي فرانسيس الباريسي. وقد أشارت إليه غير ما مرّة أصواتٌ مؤيدة وناقدة. وفي 2 يونيو 2006 اِعتذر هاندكه بسبب النقاش السياسيّ المحتدم عن جائزة هاينريش هاينه من مدينة دوسلدورف، وتقدر قيمتها المالية بـ50 ألف يورو، وكانت تُمنح للمرّة الأولى. وقد رفض هاندكه قبول الجائزة ودعا إلى تحويل المبلغ إلى إعانة القرى الصربية في كوسوفو. وبمناسبة العرض الأوّل لمسرحيته «آثار الضالين» في21 فبراير2007 تمّ تنفيذ رغبة هاندكه بمنح مبلغ المال لإحدى القرى الصربية. وفي تعليق له منشور في صحيفة لوفيغارو الفرنسية بتاريخ 22 فبراير 2008 أشار إلى التاريخ العام ليوغسلافيا خاصّة النصر على النازيين ووصف الدول الغربية بأنّها دول مخادعة.
اليوم وهاندكة يتوج بأكبر الجوائز في العالم، تصوب نحوه أيضا نفس التهم القديمة، فهل قدره أن يظل مثار جدل في تاريخه الأدبي والسياسيّ وبأرصدة الجوائز التي تُمنح له. وآخرها نوبل للآداب. الأيّام القادمة ستكشف الأمر الأكثر.
يُنتظر أن يتسّلَم الفائزان، إلى جانب خمسة فائزين آخرين بجوائز نوبل المختلفة لهذا العام، ميدالية وشهادة وجائزةً نقدية تبلغ قيمتها تسعة ملايين كرونة، في حفلٍ يُقام في ستوكهولم في العاشر من ديسمبر المقبل، في ذكرى رحيل ألفرد نوبل عام 1896. نوّارة/ ل