شهادات و تذكير بإسهامات عبد الكريم بوصفصاف في ذكرى رحيله الثانية
احتضنت مساء أمس، المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية مصطفى نطور بقسنطينة، جلسة تكريمية للمؤرخ الدكتور عبد الكريم بوصفصاف، في الذكرى الثانية لوفاته، حضرها أفراد من عائلته، و نشطها أساتذة و باحثون شاركوه مساره البحثي بجامعة قسنطينة، تداولوا على سرد محطات من تجارب سابقة جمعتهم بالفقيد.
الجلسة استهلت بعرض إعلان أول لمشروع فيلم قصير، بعنوان « على بصيرة» يروي قصة حياة المؤرخ و الباحث، من إخراج ابنه الأصغر بديع الزمان، تبعته شهادة قدمها شقيقه المحامي سليمان بوصفصاف، حول سيرة و مسار أخيه، الذي كان مكافحا و عصاميا، واجه الكثير من المصاعب لبلوغ هدفه الأسمى وهو خدمة العلم و المعرفة، حتى بعد أن فقد بصره سنة 1956.
و لم يتوان المتحدث في المقارنة بين طه حسين و بين المؤرخ الذي قال، بأنه كان من أهم الفاعلين في الحقل الفكري، و ممن يشهد لهم بتنشيط الحركة الثقافية و الفكرية في مدينة قسنطينة بفضل المجالس العلمية و حلقات النقاش التي كان يحتضنها في منزله أو في مكتبه بالجامعة، وهي حقيقة أكدتها زميلته في الدراسة بمعهد التاريخ الدكتورة فاطمة الزهراء قشي، التي قالت بأنه كان يلقب « بالعمدة» نظرا لطبعه الاجتماعي و كثرة علاقاته بالأساتذة و الباحثين الذين كانوا دائما ملتفين حوله، موضحة بأنها قابلته لأول مرة سنة 1971، خلال التحاقهما معا بالجامعة، مؤكدة بأنها من خلال احتكاكها الدائم به، عرفت عنه الكفاءة و الإصرار و العزيمة، فقد كان من بين المتفوقين، ما سمح له بافتكاك منصب تدريسي بجامعة قسنطينة بمجرد تخرجه من معهد التاريخ بعد ثلاث سنوات من التكوين، قبل أن يسافر إلى تونس سنة 1997 لاستكمال الدراسة في طور الدكتوراه، ليعود و يستلم إدارة معهد العلوم الاجتماعية بجنان الزيتون.
من جهته، أكد زميله بمعهد التاريخ الأستاذ أحمد حداد، على ضرورة التوثيق لمسار الباحثين قبل رحيلهم، وذلك لحفظ شهاداتهم و نقل تجاربهم و خبراتهم إلى الأجيال المتعاقبة من الطلبة و الباحثين، كما ركز في مداخلته على وصف علاقة الراحل بالبحث العلمي، فقد اشتهر بصرامته في إتباع المنهاج للوصول إلى الحقيقة العلمية، لتتمخض سنواته 45، عن إصدار 22 مؤلفا فرديا و مشتركا في مجالاته البحثية، التي حظي عبد الحميد بن باديس و الحركة الإصلاحية بحصة كبيرة منها، و أضاف المتحدث، أن الباحث الراحل كان لا يكتفي بميزانية مخبر البحث في مجال الإصدارات، بل كثيرا ما كان يلجأ إلى أبناء الوطن من رجال المال لاستكمال تكاليف الطباعة.
أما كمال غربي، الباحث بنفس المعهد، فقد تطرق إلى إسهامات الراحل البحثية في مجال تاريخ الجزائر و علاقته بتاريخ إفريقيا و جنوب صحراء، حيث كان يدعو، كما قال، إلى إعادة كتابة تاريخ الفترتين الوسيطة و الحديثة، وقد تم بفضل جهوده استحداث مخبر للدراسات الإفريقية للعلوم الاجتماعية بجامعة أدرار التي اشتغل بها في وقت سابق.
أما ابنه باسم بوصفصاف، فقد دعا إلى إطلاق اسم والده الراحل على المركز الثقافي الجديد بمدينة الخروب، لتختتم الجلسة بتكريم عائلته من قبل مديرة المكتبة السيدة وافية درواز.
جدير بالذكر أن البروفيسور عبد الكريم بوصفصاف من مواليد 19أوت 1944 بولاية فرجيوة بميلة، و كان أحد الناشطين في جمعية العلماء المسلمين، وهو من الطلبة المشاركين في إضراب 19 ماي 1956، و قد فقد بصره بسبب انفجار لغم و هو في الثالثة من عمره، تحصل على شهادة ليسانس في التاريخ من جامعة قسنطينة سنة 1974 ، كما تحصل على شهادة الماجستير بتقدير مشرف جدا ،و شهادة الدكتوراه، إضافة إلى درجة بروفيسور سنة 1997.
بدأ الراحل مشواره الدراسي بابتدائية فج مزالة بفرجيوة، كما تتلمذ في مدارس جبهة التحرير الوطني، قبل أن يصل إلى جامعة قسنطينة كطالب، ثم أستاذ، لينتقل في مرحلة لاحقة إلى جامعة أدرار، أين ترأس مجلسها العلمي، و قدم الكثير من الأعمال على المستوى البيداغوجي و العلمي و الإداري، حيث كان محاضرا و مسيرا، كما أصدر عددا من الدوريات الجامعية.
و قد توجت مسيرة عطائه بالتكريم بوسام رئيس الجمهورية سنة 2004.
هدى طابي