عدم تدوين الحكاية الجزائرية جعل أبناءنا يحفظون "ساندريلا" و "ذات القبعة الحمراء"
تعتبر الحكواتية نعيمة محايلية فن الحكاية مهمشا ببلادنا، و لم ينل حقه من الاهتمام من طرف المسؤولين و الأدباء الجزائريين، حتى أنه لا يوجد ديوان للحكاية الجزائرية، مما أدى إلى ترسيخ القصص و الحكايات الأجنبية في أذهان أبناء الجزائر ، بدلا من حكايات الأجداد المليئة بالحكم و الرسائل التوعوية، ما جعل هذه الحكواتية، كما قالت للنصر، ترفع التحدي باستخدام أسلوب شيق في سرد حكاياتها المنبثقة من عمق التراث الجزائري و العالمي، و مزجها بحكايات جديدة تصيغها و تقدمها على طريقتها.
و تعتبر نعيمة محايلية، إحدى الحكواتيات الجزائريات المحترفات، و تنشط في هذا المجال منذ نحو 20 عاما، بعد تخرجها من ورشة الحكواتي بالمكتبة الوطنية بعد تكوين استغرق 6 سنوات. و تعتمد في سرد الحكايات على الجمع بين الصورة، اللغة و الأسلوب الشيق، لتقدم للجيل الجديد مادة دسمة من تراث الأجداد الذي يتعطشون لاكتشافه.
الحكواتية شاركت في مختلف التظاهرات الثقافية بالجزائر، كما سافرت بحكاياتها الشيقة إلى بلدان كثيرة، فمثلت الجزائر في محافل و مهرجانات دولية بالمغرب، تونس، فرنسا، الشارقة، السعودية و دول أخرى، ما مكنها من تطوير مهارتها في السرد، مؤكدة في حوارها مع النصر، أنها تصبو إلى إيصال الحكاية الجزائرية إلى مسامع العالم بأسره.
نشأت و تربيت على وقع حكايات جدي
عن سبب اختيارها فن الحكاية، قالت السيدة محايلية أنها نشأت و تربت مع حكايات جدها، ما جعلها تحبها و تحفظ الكثير منها، قبل أن تراودها فكرة متابعة تكوين خاص، لتصبح فنانة في مجال لا يزال إلى غاية اليوم،حسبها، محترفوه بالجزائر يعدون على رؤوس الأصابع، و أضافت أن الحكاية لطالما شكلت أسلوبا قديما في التربية، فكان الطفل قديما لا يعاقب على خطأ يرتكبه، بل يواجه بحكاية يستخلص منها عبرة و حكمة، تجعله لا يرتكب نفس الخطأ مرة أخرى.
و ترى المتحدثة أن الحكاية غابت عن المجتمع الجزائري منذ أكثر من 30 سنة، فالتكنولوجيا و الانفتاح عن العالم، جعل الأولياء يسقطونها من أساليبهم في تربية أبنائهم و الترفيه عنهم، ما خلق ، حسبها، شللا بالمجتمع و جعل الحكاية تلغى و تنسى بشكل شبه كلي، ما عدا في بعض المناطق، كالجنوب مثلا، مضيفة أن كل ذلك سببه عدم وجود كتاب و مهتمين بتدوين الحكاية الشعبية الجزائرية، ما أدى إلى نسيان عدد كبير منها، و حرمان المهتمين بها من الإطلاع على الموروث الجزائري في ظل غياب حتى ديوان للحكاية الجزائرية.
هذا الواقع ، كما قالت الحكواتية، أدى إلى عدم تمكن الأبناء من معرفة أهم الحكايات الشعبية الجزائرية، و توجههم لحفظ الحكايات الأجنبية، مثل ساندريلا و القبعة الحمراء، بدلا من حكايات الأجداد التي تربى عليها آباؤهم.
المتحدثة أعربت عن أسفها لعدم توفر جهة رسمية تقوم بذلك، و ما يمكن للحكواتيين أن يقومون بإحيائه، لا يكاد يخرج عن كونه جهودا فردية لاستعادة الحكاية القديمة، مشيرة في هذا السياق، أنها توجهت إلى الجنوب الجزائري لتحاول جمع أكبر عدد ممكن من الحكايات الشعبية و تدوينها، قبل وفاة آخر من يحفظها من أبناء الأجيال القديمة.
الحكواتي مات منذ سنوات في الجزائر
بخصوص واقع الحكواتي في الجزائر، قالت السيدة محايلية أن الحكواتي مات منذ نحو 4 سنوات أو أكثر، فلا أحد يهتم به، حتى وزارة الثقافة، في ظل نقص التظاهرات المخصصة لهذا الفن، خاصة بعد توقيف مهرجان الحكواتي “كان ياما كان” الذي كان يقام بولاية قسنطينة ، و لم يتبق سوى مهرجان القارئ الصغير الذي تشرف على تنظيمه جمعية القارئ الصغير بولاية وهران، في شهر مارس من كل سنة.و اعترفت من جهة أخرى أن الحكواتي الجزائري أصبح يستغل الحفلات الخاصة بالأطفال فقط، أو افتتاح تظاهرات لينشط، لأنه لا يتم تخصيص مهرجان للحكاية، بالرغم من ثراء الموروث المحلي و وجود طاقات تطمح لتطوير هذا الفن، مشيرة إلى أنها خلال التظاهرات التي نشطتها، اكتشفت تعطشا كبيرا لفن الحكاية الشعبية من الكبار، أكثر من الصغار، ما يستوجب الاهتمام أكثر بهذا الفن.و أعربت الفنانة عن أملها الكبير في غد أفضل ، و تناشد وزيرة الثقافة الجديدة الالتفات لفن الحكاية و إحيائه مجددا، لأن الوزارات المتعاقبة لم تنصفه، حسبها، و رغم ذلك فإن هذا الفن لم يمت في ظل توفر كم هائل من الحكايات بشمال إفريقيا من الممكن جمعها و إعادة سردها على الجمهور، خاصة في الهواء الطلق،حيث تلقى صدى واسعا، أكثر من المسارح و القاعات. إ.زياري