قاموس لكلمات الفضاء العمومي المغاربي
أوضح أول أمس البروفيسور حسن رمعون خلال عرضه لأول قاموس للكلمات المغاربية في الفضاء العمومي، أنه أدرج بعض الكلمات التي جاءت بعد 22 فيفري 2019، ضمن المؤلف، لمواكبة صيرورة المجتمع و محاولة إيجاد معان لتلك الكلمات التي تم تداولها خلال مسيرات الجمعة، مشيرا أن هذه الطبعة هي بداية للعمل الذي سيتواصل مستقبلا، ليعمق البحث ويوسعه ليشمل كلمات أخرى و بلدان مغاربية أخرى أيضا.
وجاء في مقدمة القاموس التي قرأها البروفيسور رمعون حسن مساء الثلاثاء المنصرم، خلال عرض المؤلف، الذي كتب باللغة الفرنسية، في منتدى مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية «كراسك» بوهران، أن الفضاء العمومي في البلدان المغاربية ومنها الجزائر، في مرحلة تشكل و تحول، و يمر بمرحلة غليان سياسي، ومع ذلك لا يمكن إنكار أنه يوجد تفاعل بين الفضاء العمومي و الدولة.
أوضح الباحث أن أشكال التسميات و إطلاق أسماء على الأشخاص، حسب أصولهم أو وضعهم الإجتماعي أو انتماءاتهم، يشير إلى أن مسار المواطنة، لا يزال طويلا في مجتمع ناشئ، وهو المسار الذي ينتظر منه، أن يغير مفهوم التضامن من كونه عضوي يقوم به أفراد المجتمع تلقائيا، إلى وضع تنظيمي مهيكل.
مثلا في ما سبق كان أفراد المجتمع يطلقون على أنفسهم تسمية «شعبي»، أما اليوم تغير الوضع و بدأ الكثيرون يفضلون تسمية «مواطن»، وهذا من مؤشرات انطلاق مسار المواطنة، وفي ذات السياق، قال الأستاذ الباحث فؤاد نوار، «حتى خطاب الكراهية الحاصل الآن، قد يكون شكلا من أشكال نطق الأسماء والتسميات وتحديد أوضاع خاصة لبعض الناس في المجتمع ، وهذا بالنظر للمنطوق المتداول في الفضاء العمومي والذي يتحول في لحظة انفعال إلى معنى آخر، يرتبط بالكراهية ونبذ الآخر، مما قد يعكس أن المواطنة في أزمة، أو أنها لا تزال في طور النشأة»، مبرزا أن أشكال نطق الأسماء، وكذا تسمية الناس، حسب الدرجة والوضع الذي يمنح لهم في المجتمع، ليست تسميات تطلق هكذا فقط، لكنها تشير لعلاقات معينة من شأنها التأثير على معنى ومسار المواطنة.
و استعرض في ذات اللقاء ، مجموعة من الباحثين من كراسك وهران، تحت إشراف البروفيسور حسن رمعون، أول قاموس من نوعه موسوم ب «الكلمات في البلدان المغاربية : قاموس الفضاء العمومي»، وهو عمل منجز من طرف 40 باحثا من المركز، بالشراكة مع مخبر دراسات مغاربية من تونس، تحت إشراف البروفيسور أحمد خواجة، بناء على اتفاقية تعاون دولي أبرمت بين الطرفين سنة 2012، و صدر المؤلف في نفس الوقت في البلدين.
بينما لم يتم التعاون مع باقي البلدان المغاربية لتعذر ذلك، لأسباب تختلف من بلد لآخر، وفق ما شرحه البروفيسور رمعون، ردا على تساؤلات الحاضرين خلال جلسة تقديم القاموس بكراسك وهران.
الحراك و الباديسية
و النوفمبرية مفردات تدخل القاموس
المؤلف تناول الكلمات المتداولة في الفضاء العمومي في الجزائر وتونس، لكن العديد منها متداولة أيضا في الدول المغاربية الأخرى، حيث أدرج في القاموس المتكون من 424 صفحة، 680 اسما لأعلام وأماكن، 171 كلمة اختارها الباحثون، وفق مراكز اهتماماتهم و تستند إلى 723 مرجعا، ومنها الكلمات التي أدرجت مؤخرا، لتواكب صيرورة المجتمع الجزائري الجديدة، وهي كلمات «حراك، باديسية و نوفمبرية».
وعكف الباحثون المشاركون في إنجاز القاموس، على تقديم شرح مفصل عن كل كلمة و معان تم تداولها في الفضاء العمومي، أين كانت الكلمات تنتقل من المفهوم الخاص، إلى العمومي والعكس، وفي هذا الصدد، قال الأستاذ محمد حيرش بغداد، وهو مدير بحث بكراسك، أنه يوجد ازدواجية في منطوق الفضاء العمومي المغاربي، بين تخصيص العمومي وتعميم الخاص.
و أعطى المتحدث مثالا عن كلمة «معرفة» التي هي مفهوم يجب أن يعمم لنشر العلم والمعارف والثقافات وغيرها، لكن في الاستعمال اليومي في الفضاء المغاربي، لها معنى خاص، حيث يقصد بها أن من لديه «معرفة» هو من يعرف أشخاص نافذين، يستعملهم لقضاء مصالحه، مبرزا أن الثقافة مشفرة في الفضاء المغاربي، ولا بد من البحث عن معانيها لحل هذه الشفرة.
ورغم بعض الانتقادات التي رافقت النقاش، إلا أن المشرف حسن رمعون و الباحثين المشاركين في إنجاز القاموس، رافعوا عن منتجهم، بأنه خلاصة عمل جماعي كبير، وهي خاصية تكاد تغيب في العديد من البحوث، مثلما قالوا، مشيرين أنه فعلا قاموس يضاهي في منهجيته القواميس الاجتماعية في الدول المتقدمة، و أنه لم يكن إنجازه سهلا فقد استغرق سنوات وسط فضاء عمومي متحول سياسيا ومجتمعيا، وكذا بالنظر لتعذر مشاركة باحثي باقي البلدان المغاربية.
و الأهم هو أن المؤلف هو بداية لعمل متواصل مستقبلا، ويتم حاليا ترجمة المؤلف إلى اللغة العربية، علما أن القاموس من منشورات «كراسك»، وتم على هامش المنتدى تنظيم جلسة بيع بالتوقيع له .
بن ودان خيرة