دعوة للتوثيق و مواكبة التحولات الاجتماعية المتسارعة
وضع الأدباء و الشعراء و أساتذة الجامعات، التراث الشعبي الجزائري تحت مجهر الدراسة و النقد و التحليل، في ملتقى وطني هام انطلق بقالمة يوم السبت و يستمر يومين كاملين، داعين إلى بذل المزيد من الجهد للمحافظة على هذا الإرث التاريخي بالتوثيق و التبليغ إلى الأجيال القادمة، حتى لا يضيع هذا الكنز الثقافي الشعبي و يطاله النسيان، تحت تأثير التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و التكنولوجية المتسارعة.
الملتقى الذي جمع الكثير من الباحثين و المهتمين بالتراث الشعبي الجزائري من مختلف مناطق الوطن، نظمته جمعية كتاب البديل لترقية الثقافة و الإبداع بقالمة بالتنسيق مع مديرية الثقافة، في محاولة لإحياء التقاليد الجزائرية العريقة و المحافظة على الذاكرة الشعبية، التي تعد جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية التي تواجه تحديات كبيرة في السنوات الأخيرة، و تتعرض لمزيد من الوأد و التشويه و الطمس حتى لا تصل إلى الأجيال القادمة، و تصبح من الماضي المعرض للنسيان.
و قال الدكتور جلال خشاب من جامعة سوق أهراس بأن الأمة الجزائرية تتوفر على كنز ثري من التراث الشعبي المتنوع و المتعدد المصادر، كالتراث القبائلي و التراث الشاوي و التراث الميزابي، مؤكدا أن محاولات كثيرة تسعى لتغييب هذا الإرث التاريخي و الثقافي، بكل الوسائل الممكنة حتى ينسلخ من ماضي الأمة و حاضرها و مستقبلها، مضيفا أن البعض يعتقد أن التراث الشعبي الجزائري بكل مكوناته المتنوعة يؤثر على الوحدة بين الشعوب العربية، تماما كما حدث للتراث الشيوعي الذي يقابل بالإجحاف و الطمس و الخوف بالمجتمعات الأوربية كما الإسلام أيضا.
و تطرق المحاضر إلى اللباس التقليدي لمختلف مناطق الجزائر، و الغناء و الشعر الشعبي و الأمثال و الألغاز و الرقص، و قال إن كل هذا الإرث يعبر عن هوية الأمة الجزائرية على مر الزمن، و من غير الممكن التخلي عن هذا التراث لأنه من مكونات الذاكرة الوطنية.
و يرى جلال خشاب أن حفلات الأسرة الجزائرية بمختلف مناطق الوطن، و لباس المرأة و الأطباق الشعبية تعد بمثابة كنز سياحي و اقتصادي، لكنه غير مستغل في مجال الترويج و جلب السياح و التأثير في ثقافات العالم.
و دعا المتحدث إلى بذل المزيد من الجهد لتوثيق التراث الشعبي المادي و المعنوي، و إدراجه في المنظومة التربوية و الميديا الحديثة التي تعتمد على وسائط التواصل الجديدة، مشيرا إلى تميز المجتمع الجزائري عن بقية المجتمعات الأخرى بتراثه الغني و المتنوع.
و قال أستاذ التاريخ المهتم بتراث منطقة قالمة عبد الله بن الشيخ، أن حضارة الأمة الجزائرية غنية بالتنوع في مجال التراث و العادات و التقاليد و أساليب العيش، في بيئة صعبة و متعدد الخصائص الجغرافية و المناخية، مضيفا بان لجوء الأجداد القدامى إلى هندسة تخزين القمح و الشعير في المطمور و طرق تجفيف الخضر و الفواكه، هو عمل إبداعي لمواجهة موجات الجفاف و المجاعات التي تتعرض لها مختلف مناطق البلاد بين فترة و أخرى.
و تحدث عبد الله بن الشيخ عن ترجمة و نقل التراث الجزائري المادي و المعنوي إلى لغات و مجتمعات أخرى، تسعى إلى معرفة المزيد عن الجزائر و تراثها حقبها التاريخية المتعاقبة، للتأثير عليها ضمن التحولات العالمية المتسارعة، مؤكدا أن التراث الشعبي الجزائري حي و متجدد و مستمر، و على أجيال المستقبل أن تحافظ عليه، لأنها بذلك ستحافظ على اللسان و الدين و العادات و الذاكرة، و توظف كل هذا الموروث الغني في مجال التنمية السياحية و الاقتصادية و الاجتماعية، معتبرا التكنولوجيا الجديدة وسيلة مفيدة لدعم التراث و المحافظة عليه و الترويج له على نطاق واسع.
و ترى الكاتبة الصحفية وردة زرقين المتخصصة في التراث الشعبي الجزائري، أن المحافظة على هذا الإرث التاريخي العريق و حمايته من الضياع هي مهمة الباحث و الأديب و الصحفي و كل المجتمع، مضيفة أن الألغاز و القصص الشعبي و اللباس و الأطباق التقليدية و الشعر الشعبي، تعبر عن هوية و ذاكرة الجزائريين على مر الزمن.
و دعت وردة زرقين، التي شاركت في الملتقى بمجموعة من المؤلفات المتخصصة في التراث الشعبي، إلى ضرورة بذل المزيد من الجهد في مجال البحث و التأليف و الترويج لهذا الإرث التاريخي العريق، و حمايته من كل أشكال الطمس و الضياع.
فريد.غ