احتضن أمس، متحف الفنون والتعابير الثقافية التقليدية « قصر الحاج أحمد باي" بقسنطينة، معرضا للفنون التشكيلية امتزج فيه شغف الفن بالموهبة والخيال، فأظهر قدرة فائقة لدى طلبة الفنون الجميلة في سرد وقائع الثورة ومعاناة الشعب على قطع قماشية وورقية.
انبهر زوار قصر الحاج أحمد باي أمس الأحد، ببانوراما الألوان التي تجلت في قلب اللوحات الفنية المعروضة بالبهو المقابل لحديقة القصر الداخلية، حيث أبدع عشاق الفن الثالث في تسليط الأضواء والظلال على أعمالهم الإبداعية، ليقولوا من خلالها إن الظلم وإن طال فآخره حرية، فيما كان للسواد الداكن كلمة أخرى، تسرد معاناة شعب ذاق مرارة الاستعمار وويلات العذاب لأزيد من مئة سنة.
المعرض الذي استغل ببهو القصر، كشف مهارات مبدعين شباب من داخل وخارج الولاية، بمشاركة أزيد من 17 لوحة ثبتت على مساند خشبية، تحمل عناوين مختلفة لكن المغزى والرسالة تبقى واحدة، حيث جمعت اللوحات الفنية بين واقع تخيلي يتخلله الأسلوب التجريدي وأخرى جسدت اعتمادا على الفن الواقعي أو الانطباعي مع لمسة عصرية، ناهيك عن الاستلهام من الفنون حديثة المنشأ حيث برز بشكل كبير وفي عدد من الأعمال تقنية الكولاج ما زاد العمل رونقا وسحرا.
ومن الأعمال المعروضة بالحدث ما تم إعدادها أمس الأول، ضمن الورشة التطبيقية التي نظمها قصر الحاج أحمد باي بالتنسيق مع المدرسة الجهوية للفنون الجميلة، حيث يقول المنشط الثقافي ورئيس قسم التنشيط والورشات البيداغوجية أسامة بوسيدي، في حديثه للنصر، أن الورشة التي أقيمت بالهواء الطلق في إحدى شرفات القصر المطلة على النافورة، استفاد منها ثلة من طلبة مدرسة الفنون الجميلة، الذين باشروا في تطبيق معارفهم بالفن التشكيلي على خامات متنوعة، بتأطير من الأستاذ والفنان محي الدين سفيان، وذلك تحضيرا للمعرض الذي أقيم أمس احتفالا بعيد النصر. وأضاف المتحدث، أن الهدف من تنظيم هذا الحدث، هو تعليم الأجيال الصاعدة كيفية التعامل مع هذه الأحداث والتظاهرات الثقافية والعلمية البيداغوجية، فجل الأعمال الفنية المنجزة تحمل في طياتها حكاية شعب عانى من الاستعمار، ما يبرز بشكل كبير عمق الجزائريين ومدى ارتباطهم بتاريخهم الذي هو جزء من هويتهم.
الرسم يتطلب رؤية إبداعية وخيالا واسعا
أكد أستاذ الفنون التشكيلية ومسؤول النشاطات الثقافية والفنية بالمدرسة الجهوية للفنون الجميلة بقسنطينة للنصر، إن الرؤية الإبداعية والخيال الواسع شرط أساسي وضروري لدى ممارسي هذا الفن للارتقاء به نحو الأحسن، والخروج بأعمال إبداعية في حلة جديدة، تمزج بين العصرنة والقديم من خلال التمكن من مختلف طبوع مدراس الفن التشكيلي.
ويقول محي الدين، إن الفن في الجزائر يشهد ركودا في السنوات الأخيرة، حيث تعاد نفس الأعمال الفنية بذات الأفكار القديمة، فرغم اختلاف الأداة المستعملة بين الأجيال لكن الصورة والمغزى يبقى هو ذاته. فتطوير البصمة الفنية حسب المتحدث، يحتاج العمل على توسيع الخيال، من خلال التمعن بالطبيعة الواسعة وما تحتويه، فالأخيرة لوحدها كفيلة بتزويد الرسام بأفكار إبداعية، يحولها عاشق هذا الفن بفعل موهبته وقدرته على تحريك القلم والريشة إلى عمل إبداعي يرقى إلى مستوى المنافسة أمام الأعمال الأخرى، مشيرا إلى ضرورة إطلاع المتمرس أيضا، على جل المدارس التشكيلية من الكلاسيكية القديمة والانطباعية إلى الرمزية والتجريدية وغيرها، والتمكن من جميع التقنيات والأساليب المعروفـة.
رميساء جبيل