يفرض الاحتفال بستينية الاستقلال، حاجة ملحة إلى فهم العلاقة بين عملية الكتابة و التأريخ، ومدى قدرة الوسائط التقليدية على صنع وتعزيز وتكريس الثقافة التاريخية في الجزائر في عصر العولمة و التكنولوجيا الحديثة، خصوصا مع ارتفاع مد كتب الإثارة التاريخية، و استمرار الجدل حول تحديد طبيعة الثقافة التاريخية التي نعمل على ترسيخها وتعزيزها لدى الأجيال، وهو سؤال مواكب، يجيب عنه مختصون تطرقوا في هذا الملف، إلى مدى أهمية ودور ومكانة وقيمة وقدرة كُتب التاريخ على صناعة توجه تاريخي جاد و معرفة سُبل نشر الوعي التاريخي لدى الأجيال الجديدة؟ خصوصا وأن هذا التاريخ موجود كإرث ثقافي ووطني في المنظومة والمناهج التربوية والكُتب المدرسية والكُتب الثقافية العامية والكُتب البحثية والدراسات التي حاولت وتحاول تناول التاريخ الجزائري بكلّ أحداثه وزخمه، ومقاربته ودراسته، وخلق طرائق لتوصيله وتكريسه في وعي الأجيال الجديدة. يأتي هذا الطرح في وقف يرى الدكتور محمّد بن ساعو، بأنّ « الكِتاب التاريخي سيظل خاضعًا لتركيبة من الظروف تنعكس بالضرورة على دوره في تكريس الثقافة التاريخية لدى الأجيال الصاعدة، مع ضرورة العمل على تجاوز هذه المطبات، وعليه فإنّ الأمر يتطلب بالموازاة مع ذلك اِنفتاحًا على الوسائط التي أصبح الشباب يتحكمون في تقنياتها لتبليغ رسالة التاريخ، وعدم استفراغ كلّ الجهد في الوسائل التقليدية على الرغم من أهميتها».
إعداد : نوّارة لحـرش
* محمّد بن ساعو أستاذ وباحث في التاريخ بجامعة سطيف2
كُتب الإثارة التاريخية أنتجت «ثقافة» تاريخية اِنفعاليــــــــــــة
حينما نتحدث عن الكِتاب التاريخي فإنّ ذلك يلزمنا الإشارة إلى أنّه ليس واحداً، بل إنّ التقسيم الّذي دأب عليه الباحثون في مفصلة أنماط التاريخ ومستوياته (تاريخ شعبي، تاريخ رسمي، تاريخ أكاديمي) يلقي بظلاله على كِتاب التاريخ، الّذي يمكن تقسيمه ضمن تفرعات أكثر دقة داخل الأُطر السالفة، هذا بعيداً عن الكُتُب التي يُطلق عليها في عُرف المختصين “المصادر”، والتي تُعُدُ بطريقةٍ ما كُتبا تاريخية، ومن هنا فإنّ مباشرة البحث في دور كُتب التاريخ في تعزيز الثقافة التاريخية يتطلب تحديد طبيعة الثقافة التاريخية التي نعمل على ترسيخها وتعزيزها لدى الأجيال.
إذا كان الكِتاب التاريخي المدرسي يُقدم خطابًا رسميًا أو روايةً مدروسة الأهداف والكفاءات، فإنّه في الغالب ينزعُ نحو المعلمية والتاريخ الحدثي، ولا شك أنّ هذا يعدّ اختلالاً عميقاً يُقزّم من جهود السعي نحو تكريس الثقافة التاريخية، لأنّ تكلس المناهج التربوية التي يعتبر الكِتاب سنداً في تقديمها جعله أشبه بالمذكرة التاريخية التي يحذفها التلميذ من ذاكرته بمجرّد تجاوز اِختبار المادة.
وإذا كان الخلل قاعديًا في الكِتاب المدرسي وشبه المدرسي الّذي يُرافق النشء إلى غاية مرحلة الجامعة فإنّ العزوف عن المطالعة الّذي فشلت ذات المنظومة التربوية والمحيط الاِجتماعي في تجاوزه، يُؤثرُ بصورة رهيبة على مستوى وطبيعة الثقافة التاريخية التي سبق وتشكلت لديه «على بساطتها وتوجيهها»، ويبدو أنّ التوجه نحو كُتب الإثارة التاريخية التي تفرخها الأقلام (الشعبية) التي تكتب في التاريخ وتتصدر المشهد الإعلامي هو المقطع الثاني من هذا النفق المُظلم، مِمَا ينتج (ثقافة) تاريخية اِنفعالية.
في ظل غياب سياسة واضحة لنشر الأعمال الجادة « باِستثناء بعض دور النشر المحترمة» والاحتفاء الحقيقي ببعض الجهود النوعية التي تعمل على تقديم التاريخ في شكل يُراعي (ذوق) القارئ دون اِعتداء على الحقيقة التاريخية ومناهج البحث، فإنّ الكِتاب التاريخي سيظل خاضعًا لتركيبة من الظروف تنعكس بالضرورة على دوره في تكريس الثقافة التاريخية لدى الأجيال الصاعدة، ومع ضرورة العمل على تجاوز هذه المطبات، فإنّ الأمر يتطلب بالموازاة أيضاً اِنفتاحًا على الوسائط التي أصبح الشباب يتحكمون في تقنياتها لتبليغ رسالة التاريخ وعدم استفراغ كلّ الجهد في الوسائل التقليدية على الرغم من أهميتها.
* محمّد بن عدي باحث في التاريخ بجامعة تلمسان
الرقمنـــــة و الحـــوار السوسيوتاريـــــخي الافتراضـــــي يُســـــهلان حركة التثقـــــــيف
من جانبه، يؤكد الباحث في التاريخ بجامعة تلمسان، محمد بن عدي، بأن ميدان الدّراسات التاريخية ميدانٌ واسع، سيما كُتب التاريخ، ممّا تحتوي عليه من أهميّة ومكانة في تعزيز وتكريس الثقافة التاريخية في الجزائر، وخاصةً في نشر الوعي التاريخي لدى الأجيال الجديدة، ذلك من خلال مضامينها التي تتوفر على الكثير من المعطيات التاريخية وحتّى الجغرافية، و يمكن القول حسبه، بأن كُتُب التاريخ أماطت اللثام وكشفت عن جوانب مهمّة عن واقع الكثير من الشعوب والمجتمعات، ومن هذا المنطلق فإنّ كُتب التاريخ لم تعد مجرّد سرد للأحداث الماضية وتمجيدا للبطولات والمآثر الفردية والجماعية في حياة الأُمم، بل تجاوزت تلك النظرة القاصرة والسطحيّة للدّراسة التاريخية، إلى مسعى الوصول إلى الحقيقة التاريخية التي من خلالها نفهم حياة الأفراد والمجتمعات عبر مرّ التاريخ واستخلاص العِبر والدروس من الأحداث السابقة أو كما يُعبر عنه اِبن خلدون “التاريخ فنٌ عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية، إذ هو يُوقفنا على أحوال الماضيين من الأُمم في أخلاقهم والأنبياء وسيرهم والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتّم الفائدة والإقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا...”. و بهذا المفهوم ترجع قيمة كُتب التاريخ أساسًا إلى كونها معرفة و تجربة و وعِبرة.
يتجلى دورها أيضا، في حماية الهوية الوطنية التي ترفض الاِنسلاخ عن ماضيها، أين تعرضت للكثير من التشويه والمسخ، ووقع تغييبٌ في تدريس التاريخ الجزائري والإسلامي مِمّا تسبّب في اِنقطاع المتعلم عن المراجع والبحوث والآراء حول الكتابة التاريخية، حيث اِرتكزت هذه الدّراسات على أنّ الجزائر جزء تاريخي من فرنسا، وهو ما دفع بالمدارس الحرة والأقلام الجزائرية أن تدخل في مقرراتها كُتب التاريخ كرد قاطع عنها على تمسك الشعب الجزائري، بهويته وتاريخه مؤكدًا على وجود تاريخ للأمة الجزائرية. تكمن ضرورة كتب التاريخ كذلك، في نشر الوعي والسبل من خلال تحويل الموارد التاريخية إلى برامج إلكترونية بغية تفعيل الوسائط الاِلكترونية وإتاحتها للقارئ (مثقف وغير مثقف). فضلا عن تشجيع الإنتاج السينمائي التاريخي وفتح المجال أمام الأكاديميين والمتخصصين في التاريخ، لإعادة بعث الأحداث التاريخية في شكل أفلام تاريخية وطنية.
يمكن أيضا، إقامة فضاء اِفتراضي يضم مجموعة من النخب المثقفة و غير المثقفة بهدف تشجيع الحوار السوسيوتاريخي وهذا ما يُسهل حركة التثقيف، كلّ ذلك من أجل وضع لبنة عملية من شأنها بناء تاريخ أصيل يليق بأصالة وعظمة هذه الأمة، ولذلك فقد وجب التذكير بضرورة تضافر الجهود حول مسألة كُتُب التاريخ بأدوارها وقيّمها في تعزيز الثقافة والمعرفة التاريخية في الجزائر من خلال توثيقها حفاظاً على الذاكرة الوطنية وتبليغاً لرسالة الشهداء الأحرار.
* نبيل شريخي أستاذ وباحث في التاريخ بالمدرسة العُليا للأساتذة آسيا جبّار
الكتابة التاريخية حقّقت تقدّمًا لكن ينقصها التكيّف مع العصر
يضيف نبيل شريخي أستاذ وباحث في التاريخ بالمدرسة العُليا للأساتذة آسيا جبّار، بأن الكتابة والكُتب التاريخية، تستهدفُ في أحد مفاصلها التأريخ للأحداث الوطنية وتسجيلها، واستلهام البطولات والأمجاد من خلالها، وهو الأمر الّذي يضعها في تحدّيات كبيرة اِنطلاقًا من المحافظة على الحقيقة والموضوعية ومراعاة التنوّع ومواقف الاِختلاف، فضلاً عن كيفية وأسلوب تقديمها، خاصّةً عندما ندرك أنّ أوّل من نُقدّم له ذلك في المجتمع هو الطفل، فحداثة سنّ هذا الأخير وبساطة فكره، تجعل المشتغل في حقل الكتابة التاريخية يتساءل عن المنهج المستعمل، وكيف لأحداث التاريخ أن تُلامس شغاف قلبه وتجد لها مكانًا إلى جانب براءته.
وتجاوزاً للمقارنة بين الكتابة الكولونيالية والوطنية لتاريخنا، والتي لخصّها عنوان كِتاب المؤرّخ الجزائري محمّد الشريف ساحلي « décoloniser l’histoire »، وتذكيراً فقط بذلك الوضع الّذي عشناه مع فجر الاِستقلال في سبيل الخروج من المنفى الثقافي «على حدّ تعبير مالك حداد»، والّذي لم نجد أمامه إلاّ البديل المشرقي نصوصًا وأقلامًا، مع ما سبّبه من إشكالات أو تعميم في بعض الأحداث التاريخية الهامّة فإّن المرحلة اللاحقة عرفت بروز عدد من الأسماء الوطنية التي تركت بصماتها وحضورها، خاصّةً تلك التي تستعمل التاريخ من أجل تربية النشء وتكوينه تكوينًا سياسياً وثقافيًا، متمسّكًا بأصوله وغيوراً على حضارته، مسايرةً لجهود مبارك الميلي و توفيق المدني و الشيخ عبد الرحمان جيلالي، وغيرهم من المؤرّخين، ما جعل النقاش يدور حول مدى تشكّل مدرسة تاريخية جزائرية.
وبعد تثمين تلك الإنجازات التي أظهرت اِهتمامًا بنشر الوعي التاريخي لدى جيل اليوم، كتلك السلسلة التاريخية «من أمجاد الجزائر» (1830-1962) والصادرة عن وزارة المجاهدين، بتناولها في كلّ عدد شخصية وطنية بأسلوب قصصي مشوّق للأطفال، أو ما قام به كثير من المؤلفين والمؤسسات الثقافية والإعلامية أو دور النشر في هذا المسعى، فضلاً عن تسخير البعض لوسائل الاِتّصال وتكنولوجيا المعلوماتية لخدمة تاريخنا وإيصاله لجيل اليوم المُرتبط جدّاً بهاتفه ووسائطه الاِجتماعية، فإنّي أرى هنا ضرورة أن يستوقفنا ما يقدّمه الكِتاب المدرسي من قيم ووعي تاريخي، باِعتباره وسيلة تعليمية مهمّة، وأوّل ما يُلامسه الطفل ويقرؤه في المدرسة.
ورغم الجهود الكبيرة في تحسين جودة الكِتاب، وتنقيحه، ومحاولة مسايرته للمناهج التربوية المعتمدة، فإنّنا ومن خلال نظرة ماسحة وناقدة لمضمونه، تجعلنا نخلص وبكلّ أسف إلى فشلنا في تقديم تاريخنا وبطولاتنا وأبطالنا وشخصياتنا التاريخية لأطفالنا، فقد أدّى التركيز على الجانب المعرفي وحمولاته إلى إثقال فكر المعلّم فضلاً عن الطفل المُتعلّم، ولم نحصل على ذلك البُعد القيمي من تدريس تاريخنا، فكِتاب التاريخ للسنة الثالثة ابتدائي مثلاً، كأوّل كِتاب للتاريخ نُقدّمه للتلميذ، ورغم ما اِحتواه من شخصيات تاريخية كأبوليوس و ماسينيسا و تينهنان ويوبا الأوّل والثاني، فإنّ المستوى الفكري له والتركيز على المعلومة التاريخية في عرضها، لم يصل إلى تقوية بُعدي الأصالة والاِنتماء الوطني مثلما أراد معدّو الكِتاب.
كما أنّ مقاومتنا الوطنية وثورتنا التحريرية المُباركة التي نُدرّسها في أطوارنا التعليمية الثلاثة، لم تنل المكانة التي تستحقها في كُتبنا التاريخية، فقد أدى التركيز على كرونولوجيا الأحداث إلى إهمال وعدم اِستثمار كثير من المواقف والقيم الوطنية، فلم يقرأ أبناؤنا مبايعة الأمير عبد القادر وهو شاب في العشرينات على أنّها درس لتحمُّل المسؤولية رغم حداثة السن، كما لم تتوقف كُتبنا عند بعض المواقف الوطنية لشخصياتنا التاريخية من الأمير خالد و مصالي الحاج ومصطفى بن بوالعيد، ومرّت علينا اِبتسامة العربي بن مهيدي وشجاعته أمام جلاّديه، وصمود أحمد زبانة وهو يُساق إلى المشنقة، والأدوار الكبيرة للصغير عمر في أحداث الحرب الحضرية بالعاصمة، طيفًا سريعًا دون أن يرضع أطفالنا منها رضعات تاريخية مُشبعة، كما أرادنا أن نفعل بها رمضان حمود سابقًا.
في الأخير، يمكن القول أنّ الكُتُب والكتابة التاريخية في الجزائر حقّقت تقدّمًا كبيراً لا يمكن إنكاره، وهو ما سمح بتكوين قاعدة معرفية بأقلام جزائرية في مختلف الأحداث التي مرّت بها بلادنا وشعبنا، لكن بقي معرفة كيفية عرض ونقل تلك المعارف لجيل اليوم، بأسلوب يُراعي خصوصية العصر وتشابكه وكثرة تعقيداته، إضافةً إلى إعطاء الأهمّية لتلك الأبعاد القيمية لأحداثنا التاريخية والاِبتعاد عن السرد القصصي والتناول الكرونولوجي الجاف، والإثقال المعلوماتي، من أجل أن يصل ذلك التراث العظيم لجيل تنتظر منه الجزائر الكثير.
* خليل كمال أستاذ باحث في التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة سطيف2
التجديـد في الكتــاب المـــدرسي حتميـــة
عرفت الجزائر بعد الاِستقلال موجة هادئة في الكِتابة التاريخية، بحسب الباحث في التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة سطيف2 خليل كمال، فأصحاب هذا التوجه سعوا إلى تدوين التاريخ الجزائري ووضعه في إطاره الصحيح وتخليصه من شوائب الاِستعمار، وهذا لا يعني غياب هذا الدور خلال المرحلة الكولونيالية حيثُ كانت هذه المبادرات الفردية الجليلة مع الشيخ مبارك الميلي وعبد الرحمن الجيلالي وأحمد توفيق المدني، واستطاعت الحفاظ على الشخصية الوطنية من كلّ أساليب المسخ والتشويه بِمَا وضعته من كُتب ومناهج داخل مدراس جمعية العلماء المسلمين والمدارس العربية الحرة.
ومن هنا كانت القاعدة صلبة للمدرسة الجزائرية المعاصرة، التي بنت نفسها على هذا الموروث التاريخي والحضاري العريق الّذي يربط المُتعلم بماضيه التليد عبر سنوات الدراسة من المتوسط إلى نهاية المرحلة الثانوية، حيثُ ينطلق من الحضارات القديمة ومختلف أنماط العيش في الجزائر إلى الفتح الإسلامي ودور الحضارة الإسلامية في ربط الجزائر بالعالم الإسلامي وتعاقب دُوله من الرستميين إلى الحماديين والمرابطين والموحدين... كلّ ذلك صهر المجتمع الجزائري من عربه و أمازيغه وكوَّن له اللحمة التي مازالت الوعاء الّذي تنصهر فيه كلّ قيمه وعاداته.
ونعتقد أنّ المحطات الكُبرى التي عاشها الشعب الجزائري من اِنتصارات و انكسارت كلها موجودة في هذه المناهج والكُتب المدرسية (عبر مختلف السنوات الدراسية)، لأنّ دراستها والوقوف عندها من باب تعليم الناشئة ماضي الآباء والأجداد والصراع الّذي خاضوه في الحفاظ على الهوية والشخصية الوطنية منذ حروبهم مع الرومان والوندال والبيزنطيين.. إلى غاية الاِستعمار الفرنسي وقيمة تلك التضحيات الكُبرى وتصديهم لمختلف سياسات الهدم والقمع والتهجير وحتّى الفرنسة والتنصير.
والحقيقة أنّ هذه الكُتب والبرامج التاريخية تُغطي كلّ الفترات التاريخية التي عاشتها الجزائر وباقي أقطار المغرب العربي، وهذا لاِرتباط هذه الدول ببعضها البعض تاريخيًا ولغويًا ودينيًا، وربط مصيرها الاِستعماري والتحريري لاحقًا، لهذا فإنّ الكِتاب المدرسي هو أوّل وثيقة يتعامل معها التلميذ لذلك يجب أن تكون ذات قيمة وتحمل في طياتها كلّ جديد يبحثُ عنه، كما يجب أن تُعَدَ في دوائر رسمية تُراعي الجوانب النفسية، والدينية والأخلاقية والاِجتماعية للمحيط الّذي يعيش فيه المُتعلم، أي يجب أن تخرج من صلب المجتمع وليست هجينة تُحاول الزج بالتلميذ في أفكار وثقافة بعيدة عنه يصعب العيش معها فتشوّه تاريخه وثقافته فيما بعد.
كما يجب أن يُعَدَ الكِتاب المدرسي في أي طور من الأطوار، في جو من الروية والعقلانية، وتعكفُ على اِنجازه هيئة ذات قيمة علمية واعتبارية متعدّدة المشارب والثقافات مثل العلوم النفسية، والاِجتماعية، والأدبية، والتاريخية، والجغرافية، والإحصاء، وهيئات التفتيش في الوزارة الوصية حتّى نغرس مشروع المجتمع برمته في هذا المُتعلم الّذي يعيشُ ويتقلب في بطولات الآباء والأجداد ويتفرغ للنجاحات المستقبلية خير له من الاِلتفات إلى الصراعات الهامشية التي سيعيشها حتمًا خلال حياته.