أرســم بــالضـوء بعدمــــا بـــدأت لـوحاتــي بالقلــــم
اقتحم ابن مدينة قسنطينة، المُصور الدولي توفيق دردور، عالم الصورة الفوتوغرافية صُدفة، فأتقن أسرار الكاميرا ليُبدع في مداعبتها وتوجيه العدسة نحو زاوية يتجانس فيها الظل مع الضوء ليُعطي ملمحا وإطلالة بهية ساحرة للصورة، نال على إثرها عدة جوائز و تتويجات وطنية ودولية بتركيا وروسيا، كما تكون على يديه مئات المصورين، إلى أن لقب بمايسترو الصورة الفوتوغرافية في الجزائر.
يقول المُصور، إن ريشته الفنية وحِس الرسام في داخله ونظرته الثاقبة والدقيقة، ساعداه على وضع خطوات ثابتة وسريعة في مجال التصوير، نظرا للتشابه والتقارب بين المجالين اللذين يعتمدان على الذوق الفني والرؤية المُتفردة.
التصوير نمط حياة ولغة عالمية
وصف المتحدث، مجال التصوير الفوتوغرافي بأنه واسع جدا يُقدِم للشخص ما يطلبه منه، فهو نمط حياة و لغة عالمية أسرع وأبلغ من الكلمات ومن الموسيقى، كما أنه لغة تُعبر عن الواقع والخيال معا بطريقة مختلفة قائلا: « التصوير عالم يشبهني كثيرا ليس فيه روتين، ويُتيح لي مساحة خصبة أعبر من خلالها عن نفسي بطريقتي الخاصة وأسلوبي المتفرد، كما أنه مكان آمن يحفظ ذاكرتي، فالاكتفاء بمشاهدة صورة واحدة قديمة يفتح بوابة للسفر عبر الزمن، تنفجر على إثرها براكين من المشاعر الحبيسة بالداخل».
وكانت أولى الصور الفوتوغرافية التي التقطها دردور، كما أخبرنا بعدسة هاتفه النقال من باب الهواية والمتعة، فلم يظن وقتها أنه سيحترف المجال ويُبدع فيه، لِيجد نفسه في تطور تدريجي وبشكل سريع، فزاد شغفه بالمجال وأحبه تماما كما أحب الرسم، معبرا « بدأت لوحاتي الفنية بالقلم وها أنا أرسم صوري بالضوء»، ليحصل فيما بعد على كاميرا احترافية التقط بفضلها صورا لأشخاص ومدن نالت إعجاب الكثيرين، فكانت ردودهم الإيجابية دافعا قويا للمصور في اقتحام المجال من باب الاحتراف.
المصور تلميذ نجيب ومخطط ذكي
وينصح دردور، المصورين في بداية مشوارهم بتحديد الهدف بين خوض المجال كهواية أو احتراف، لأن الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية ويخلصهم من الروتين، و الاحتراف فرصة للعمل، وفي هذه الحالة يجب تحديد خطة واضحة، إما أن يكون المصور متجولا متخصصا في تصوير حياة الشوارع والطبيعة، أو يدخل مجال الإعلام و يكون مصورا صحفيا، أو مصور إعلانات إشهارية أو مصور أعراس وأفراح وغير ذلك، فلا يجد نفسه يتخبط في حلقة مفرغة، ككثير من المصورين الذين يمتلكون الموهبة دون المعرفة، وهي لا تنجح لوحدها دون إدارة وتخطيط مسبق.
وأوضح، أن المصور الفوتوغرافي الباحث عن التميز والتألق من يتسم بالرغبة في المجال وحُبِه والشغف به والقُدرة على الاستمرارية والتقدم، مع الحصول على تكوين وقاعدة تعليمية صحيحة، دون إنكار أهمية الاحتكاك بباقي المصورين والانتهال من خبراتهم، مع مشاهدة الأعمال التصويرية العالمية من أجل تغذية بصرية متنوعة، مع الاهتمام بالتميز والتفرد وإضفاء لمسة مختلفة، لا تُشبه ما تلتقطه عدسات الآخرين، وذلك من خلال انتهاج أسلوب خاص وتخطيط ذكي.
عملت كمراسل وأستاذ جامعي ومدرب ومُحكِم مسابقات
بدأ محدثنا في التعلم الجاد وأخذ دروسا تكوينية طلبا للاحتراف، ليتحصل على أول شهادة تكوين في التصوير الفوتوغرافي من الاتحاد العالمي للإعلام ببروكسل، أتاحت له فرصة المشاركة في معارض و مسابقات محلية، ليرفع مستوى التحدي ويخوض تجربة المسابقات الدولية والعمل مع وكالات إعلانية من أجل تصوير الإشهارات وعارضي الأزياء، كما انضم كمصور إلى طاقم مجلة «مقام» خلال تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية سنة 2015، وعمل كمراسل مُصور لمجلة العربي الكويتية لتغطية نفس التظاهرة، واشتغل كمصور بلاطو في حصص تلفزيونية، ثم باشر تدريب وتكوين الشباب والشابات في مجال التصوير الفوتوغرافي.
وفي 2017، عمل كأستاذ لمقياس التصوير الرقمي سنة ثانية ماستر، بكلية الإعلام والاتصال بجامعة قالمة، وتحصل حينها على عضوية في الفدرالية العالمية لفن التصوير، وعضوية لجنة التحكيم للتصوير الفوتوغرافي في الاتحاد العربي للثقافة 2021، و شغل منصب رئيس قسم الإبداع و فن التصوير و الجرافيك في الاتحاد العالمي للمثقفين العرب « مكتب الجزائر 2022».
كونت 2000 مصور من داخل وخارج الوطن
قال، إنه حرص على تقديم أفضل ما لديه لتلاميذه، وذلك تكون سنة 2016 في مجال التدريب وتحصل على اعتماد وشهادة مُدرب محترف من المركز الأمريكي للتدريب بعلامة 94 من 100، وعلى اعتماد مصور ومدرب محترف من الأكاديمية الأمريكية للفنون والإعلام سنة 2019، أين قدم 178 دورة تكوينية في فن التصوير مع جامعات ومعاهد ومراكز تكوين وجمعيات ثقافية في جُل ولايات الجزائر، وحتى خارج الوطن، تكون على يده قرابة 2000 مصور من مختلف الفئات العمرية من الجزائر و فلسطين و تونس و المغرب و مصر والأردن وتشاد ومالي.
وأوضح، بأن اهتمامه بالتدريب يرجع لوجود مصورين بمستوى جيد لكن ينقصهم تكوين أكاديمي ممنهج، وهو سعيد بالمستوى الذي وصل إليه تلاميذه وتألقهم في مسابقات التصوير الوطنية وافتكاكِهم للمراكز الأولى، ناهيك عن احتراف بعضهم للتصوير في الخارج بأوروبا ودول الخليج.
جوائز وألقاب عديدة
كما شارك المتحدث، في معارض عديدة بـ 14 دولة منها تونس ومصر والبينين والسعودية وتركيا والهند وروسيا ورومانيا وسلوفينيا، حيث تحصل على جائزة مصور السنة فئة الأبيض والأسود في المسابقة العالمية الروسية « 35 AWARDS « لسنة 2018، وتُوِج في المسابقة العالمية بتركيا « DOGAY International Contest « سنتي 2017 و 2019، واختيرت صورته كواجهة إعلانية من ضمن 13 صورة في مهرجان بيروت الدولي للصورة 2019، و نال جائزة أفضل صورة في إفريقيا باختيار الفدرالية الإفريقية لفن التصوير FAAP لسنة 2019، كما تم اختياره ضمن قائمة 100 شخصية عربية مؤثرة لسنة 2020 من طرف مؤسسة المبدعين العرب ووكالة أنباء آسيا، ونُصِب محليا كعضو لجنة تحكيم لعدد من الصالونات والمسابقات الوطنية بولايات مختلفة.
قال، إنه دائم الثقة في عدسته و كثيرا ما يتوقع الفوز، مع ذلك يدرك أن حظوظه تقل في المسابقات العالمية التي يُشارك فيها نخبة من أقوى المصورين في العالم، قائلا « إن المصور الهاوي يدخل المسابقات فقط من أجل التجربة وجس النبض، أما المصور المتخصص فيشارك لأجل المنافسة و افتكاك مراتب متقدمة، و هي بالنسبة إليه مسؤولية كبيرة، كونه تعب لأجل مكانته و اسمه».
سنة 2018 نظم المصور الدولي مسابقة « الفوتو ووك» في الجزائر بالشراكة مع شركة « كانون» العالمية، وكانت أول تجربة من هذا النوع، تلتها نسخة ثانية سنة 2019، أين اختار أن تكون مدينة الجسور المعلقة قسنطينة حاضنة للحدث، الذي تنافس فيه 50 مصورا من مختلف ولايات الجزائر، على التقاط صور تحكي عن تفاصيل الحياة في الشوارع وأزقة المدينة العتيقة، حيث يستعد محدثنا كما قال، لتقديم النسخة الثالثة قريبا.
رميساء جبيل