وقف أمس، جمهور مسرح قسنطينة، مطولا و صفق كثيرا وبحرارة لنجوم عرض « الخطوة الأخيرة»، من أبناء المسرح الصحراوي المقاوم الذين حطوا الرحال بمدينة الجسور، في إطار جولة وطنية للعمل المنتج من طرف المسرح الوطني الجزائري والمسرح الجهوي بلعباس، بالتعاون مع المسرح الوطني المحترف للجمهورية العربية الصحراوية.
تميز العرض الذي شارك فيه 22 ممثلا، بخليط من المشاعر امتزج فيه الفخر بالأسى، واستحقت صور الكفاح و مشاهد الظلم ثناء من حضروه. قدمته ثلة من مسرحيين شباب أنجبتهم المدرسة الفنية الجزائرية، على غرار مالة محمد العبيد، نجمة المسرحية التي أدت دور «الذهبة»، مناضلة صحرواية حملت على عاتقها مهمة النضال في سبيل التحرر فصارت الشوكة التي تدمي حلق المستعمر الغاصب، و النزيف الذي لا يتوقف في جسده الممزق بفعل جراح يسببها غيرها من أبناء الشعب الصحراوي المقاوم.
ولدت الذهبة في مدينة العيون، وهناك بدأت قصتها فقد تشبعت بحب الوطن منذ الصغر، وكغيرها من نساء الصحراء قررت أن تتبنى قضية الوطن إلى غاية النصر أو الشهادة، فصارت الأسطورة لبنات أرضها والبعبع الذي يهابه الغاصبون الكاذبون، و على دربها سارت الحرائر و تحت لوائها حمل رجال السلاح و اختاروا الموت والأسر والتعذيب على الاستسلام و خيانة الأرض وبيع العرض.
« الصحرا حرة»، كانت كلمة السر التي جمعت المناضلين في العمل المسرحي لمخرجه عيسى جكاطي، كلمة ترددت كثيرا واخترق رجع صداها جدران المسرح و سكن زوايا الركح ، الذي احتفى أيضا بالثقافة الصحراوية، فالعرض البسيط بديكوراته وفواصله الكوريغرافية، جاء غنيا بالرمزية حيث قدم اللباس التقليدي بكل ألوانه ودلالاتها كتعبير عن الهوية الثقافية، و اختار مصمموه الموسيقى الصحراوية لتنقل المشاهد إلى تلك الأرض المقاومة، حيث يعيش الشعب نوفمبر آخر، وترقص الآمال على عزف أوتار أغاني الثورة.
كانت المسرحية التي كتب نصها إدريس قرقرة، وأدارها فنيا عبد القادر جريو، جريئة جدا في بعض المشاهد التي صورت التطبيع و ووصفت واقع الصراع وأطرافه دون تزييف، فسقوط «الذهبة» في الأسر كانت اللحظة التي كشفت ستار الضعف عن المستعمر وفضحت إفلاسه أمام أصحاب الحق، كما مثل قرار إعدامها اعترافا بالخوف من إرادة النساء ومحاولة يائسة لإعدام رحم الثورة.
وسط مشاهد يراقص فيها الفن خيالات السياسة، تضاربت الأفكار وتصارعت التيارات بين من يؤمن بالكفاح المسلح ومن يفضل النضال السياسي سبيلا للتحرر، وفي قلب الأحداث تأجلت كل القصص و الهواجس الأخرى وركن الحب جانبا إلى أن تنتهي الحرب، ثم انجلت سحابة الانتظار في المشهد الأخير حين انصهرت إرادة الجميع في قالب سكب منه سيف الحق الذي قطع حبل أسر الذهبة، وبتحررها تحققت إرادة الشعب بكل أطيافه.
* منى محمد سالم مديرة المسرح الوطني الصحراوي
الفن سلاح آخر نرفعه في وجه الغاصبين
قالت منى محمد سالم، مديرة المسرح الوطني الصحراوي، إن «الخطوة الأخيرة» هي سلاح آخر يرفع في وجه الغاصبين، لأن الفن أيضا وجه من أوجه الكفاح كونه لغة يفهمها الجميع، وقد وجب على أبناء الصحراء أن يرووا قصتهم لكل الناس ليعي العالم أنه شعب صاحب حق.
وأوضحت مساعدة المخرج، أن المسرحية تعتبر ثمرة لتكوين شباب مبدعين من الصحراء، في المعهد العالي لفنون السمعي البصري في الجزائر، حيث أشرف على تأطيرهم أساتذة يشتغلون اليوم على القاعدة الأولى التي سينبني عليها المسرح الصحرواي مستقلا، خصوصا وأنه لا يزال فتيا وقد مضى على تأسيسه أقل من سنة.
وحسب المتحدثة، فإن العرض تعبير عن معاناة الشعب الصحراوي وتجسيد لصمود المرأة الصحراوية في المناطق المختلفة من الأرض المحتلة، وفي مخيمات العزة والكرامة تحديدا، وقد مثله شباب صحراويون و أشرف عليه تقنيون صحراويون كذلك، وهو حاليا من أهم الإنتاجات المسرحية للبلد، رغم وجود بعض المحاولات السابقة التي قامت بها فرق وجمعيات أجهضت نجاحها الظروف القاسية في المخيمات.
واعتبرت مديرة المسرح الوطني الصحراوي، بأن الاتفاقية التي أبرمت بين وزارتي الثقافة الجزائرية والصحراوية، تعد بالكثير خصوصا ما تعلق بالتأسيس لمسرح محترف حقيقي يلقن روح الفن و معاني التحرر والكفاح لأجيال من الأطفال في المخيمات، شاكرة الدولة الجزائرية على الدعم الذي توليه لقضية الصحراء وللشعب الذي يمد كل الجسور الممكنة ليحدث العالم عن مأساته.
وقالت منى محمد سالم، إن فكرة العرض قائمة بالأساس على تكريس عناصر الهوية الثقافية المتمثلة في اللباس و الموسيقى، وذلك لأن الدفاع عن الثقافة جبهة أخرى في معركة التحرر، لا يمكن ولا يجب إغفالها ولذلك فقد ركز المخرج على لباس المرأة و الرجل على حد سواء، وأصر على حضور الموسيقى المحلية بآلاتها حتى يعطي بعدا أعمق للعرض و يوسع دائرة رمزيته.
وعن سر التركيز على العنصر النسوي في المسرحية، أوضحت مساعدة المخرج والممثلة في العمل، بأن النساء في الصحراء يعتبرن عماد الثورة لأنهن يحاربن على كل الجبهات في المخيمات أين تتكرس مظاهر القهر و المعاناة، وفي الخطوط الأمامية إلى جانب الرجال الذين يحملون السلاح و يقودون المسيرات الرافضة للاستعمار.
* نجمة العرض مالة محمد العبيد
لا نمارس المسرح لأجل المتعة بل هو كفاح
عبرت مالة محمد العبيد، نجمة « الخطوة الأخيرة»، عن سعادتها بتفاعل جمهور قسنطينة مع المسرحية، وقالت بأن كل عرض جديد هو بمثابة خطوة في مسار النضال المستمر في وجه المستعمر، لأن المسرح بالنسبة لها ولزملائها ليس هواية أو متعة، بل هو نوع من الكفاح.
واستشهدت الفنانة الشابة في حديثها عن أهمية هذا النوع من النضال، بتجربة الجزائريين إبان الاستعمار، واعتبرت بأن الجزائر لا تمنح الصحراويين الدعم فقط، بل تشكل ثورتها إلهاما لكل صحراوي حر.
مالة محمد العبيد، قالت بأن الذهبة، الشخصية الرئيسية في المسرحية تمثل الأرض، وهي أيضا كل امرأة مقاومة ترفض الاستسلام للخوف والاضطهاد، كما أنها القضية التي يتفق حولها كل أبناء الشعب الصحراوي، مؤكدة أن قصة كفاح آخر مستعمرة في إفريقيا لا تتوقف عند هذا الزمن، بل تمتد إلى مراحل سابقة منذ الاحتلال الإسباني.
وأضافت الفنانة الشابة، بأن هدف فريق العمل هو تقديم العرض في عديد الدول التي تعترف بسيادة الصحراء وغيرها، لأنها رسالة يجب أن تستمع إليها كل الشعوب الحرة عبر العالم بداية بالشعوب العربية.
هدى طابي