الأربعاء 18 سبتمبر 2024 الموافق لـ 14 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

أساتذة يشرحون آليات التنشئة اللغوية: الابتعاد عن النصوص الاصطناعية ضرورة لمعالجة الفقر اللغوي

يشرح أساتذة مختصون في اللغة والأدب العربي، إشكالية الفقر اللغوي الذي يعصف بشريحة من المتعلمين، ويفصلون في الأسباب كما يقترحون حلولا يبدأ تطبيقها على مستوى النواة الأولى في المجتمع والحضانة ثم المدرسة، من خلال تكوين المربين في رياض الأطفال تكوينا لغويا سليما، ووضع قواميس وظيفية، كقاموس لغة الطفل، وتحيين الكتاب المدرسي الذي يعد أحد ركائز التهيئة اللغوية.

أسماء بوقرن

وتحدثوا للنصر، عن أهمية وضع محتوى يعمل على توفير الإشباع اللغوي ويضمن حَمولة فكرية، وشددوا على ضرورة الابتعاد عن النصوص الاصطناعية التي تعتمدها المدرسة الحديثة و تؤثر على الأداء اللغوي، مع إيلاء اهتمام أكبر للمطالعة الموجهة.
تُطرح إشكالية الفقر اللغوي عند قطاع من المتعلمين وحاملي الشهادات، ويتجلى ذلك في حمل قواميسهم اللغوية لعدد محدود من المصطلحات، ما يوحي بضعف التكوين وهشاشة التنشئة اللغوية، التي تعود حسب مختصين، إلى محدودية تدخل الأسرة و هي المحيط الذي تنمو فيه المهارات اللغوية، فضلا عن ضعف أداء رياض الأطفال و تراجع التركيز في المدرسة، داعين إلى تخصيص شق للمطالعة الموجهة لإثراء الرصيد اللغوي وتوسيع مفردات المتمدرس، كونها من الآليات المفيدة لتنمية مهارات الفرد اللغوية.

* صالح بلعيد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية
التهيئة اللغوية تنطلق من مرحلة القاعدة
يقول رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، صالح بلعيد، بأن التنشئة اللغوية تدخل في إطار ما يسمى بالتهيئة اللغوية، ولها عوامل مختلفة،فالصبي ينشأ ضمن بيئة معينة ويكتسب اللغة عن طريق المحاكاة دون معرفة قواعد اللغة، لأن هناك حاسة في المهارات الأربع، وهي حاسة السمع، لأنه لا يمكن لأي شخص أن يتعلم اللغة دون أن يسمعها، ولهذا نجد بين أصحاب الهمم من إذا فقد حاسة السمع لا يمكن أن يتعلم اللغة.
تلقن اللغة في بداية التنشئة عن طريق المحاكاة بين الوالدين والصبي، لتأتي المدرسة في مراحل لاحقة، لتطوير لغة المحاكاة، بعدها تأتي مهارة القراءة وهي تطوير وترسيخ للغة، كما تعلب دورا كبيرا في تنمية المصطلح وتزيد في ثقافة الفرد، أما المهارة الثالثة فتكمن في الحوار الذي يكون خارج البيت من خلال تواصل الطفل مع أقرانه وله سياقات مختلفة.
وتأتي الكتابة كمهارة رابعة، وهو الترسيخ ونقل الثقافة واللغة للآخرين وتصحيح الخطأ، مشيرا إلى أننا في حديثنا لا نحترم قواعد اللغة، لكنها تحترم في الكتابة فهي بذلك ترسيخ للمعاني التي تحتاج لتتطور، لهذا تراهن المنظومة التربوية على تنمية هذه المهارات الأربع، والتي تأتي عن طريق المستويات اللغوية. ويعد المستوى الصرفي هو المستوى الأول، فاللغة تترسخ عن طريق الجانب الصرفي ليفهم التلميذ متعلقات الكلمة، كما ذكر الأستاذ صالح بلعيد، الجانب الدلالي وهو دلالة الكلمة، وذلك باعتماد الدليل، ويتعلق الأمر بمعجم وظيفي مقتصر على ألفاظ الحياة العامة أو الإدارة ويكون ضيقا، والقاموس والذي يتناول مصطلحات خاصة بميدان ما كأن نقول القاموس المدرسي، والمعجم أوسع من القاموس و يتناول الألفاظ والجانب الصرفي والدلالي كما يقدم الشواهد، ويتناول المشترك اللفظي والألفاظ المحدثة، وحتى كلمات أجنبية معربة كالكلمات التقنية، المهم أن تخضع لذوق اللغة العربية.
ويأخذ الطفل حسبه، لغة ضيقة روتينية في صباه، وينمي لغته في الروضة ثم المدرسة إلى غاية الجامعة، حيث يتعلم قواعد اللغة و الكتابة، مع ذلك فإن التلميذ يحتاج لكل ماله علاقة بالتهيئة اللغوية والتي تكون بدرجة أولى عن طريق رياض الأطفال والألعاب والأناشيد، كما للمرحلة الابتدائية أهمية بالغة في تنمية لغة التلميذ وإخضاعها للقواعد.
ويحتاج التلميذ في هذه المرحلة للتدرج في قواعد النحو وتهيئته لتقبل التداخل اللغوي، وتعلم ثقافة اللغة لهذا يجب أن تكون التهيئة اللغوية في مرحلة القاعدة ثم الجامعة، لهذا فنحن بحاجة لقواميس وظيفية، كقاموس لغة الطفل، لتكوين رصيد لغوي وظيفي يجعل المتعلم يعيش في الحمام اللغوي الذي يجعل أي متعلم يجيد السياقات المختلفة.
الفقر اللغوي ناتج عن عدم تعليم اللغة الطبيعية
ويؤخذ الرصيد اللغوي حسب المتحدث، من السياق العام ومن اللغة القُدمى، وهي اللغة الأولى التي وضعت عليها القواعد، أي لغة العصر الجاهلي، فلا يمكن أن نتعلم اللغة العربية إذا افتقدنا القرآن الكريم والحديث النبوي والمعلقات والعصور الزمنية التي عرفتها اللغة العربية كالعصر الجاهلي والأموي والعباسي، خاصة هذا الأخير الذي انتهت فيه التهيئة اللغوية، فيما لم نشهد إبداعا في اللغة في عصر الدوليات والعصر الحالي، ولهذا نعيش فقرا لغويا، يتجلى في عدم تمكن التلميذ من بناء جملة صحيحة وعدم التمكن من إدارة الحوار الجيد مع الخلط بين الدارج واللغة الأجنبية، ما يدل على نوع من القطيعة اللغوية. وأشار المتحدث ،إلى أن الرصيد اللغوي هو العمدة في التهيئة اللغوية، وتكمن فعاليته في حسن استعمال اللغة الفصيحة عالية الجودة، لنعتمده لوضع الكتاب المدرسي وهو نوع من التهيئة اللغوية، فالرصيد اللغوي يحتوي على مجالات تسهل على واضع الكتاب المدرسي العودة لمجال معين لبناء نص مع الربط بين الألفاظ الطبيعية والألفاظ المحدثة، ووضع نصوص قيمة كنصوص أدب المهجر لخليل جبران مثلا، ونصوص البشير الإبراهيمي، ونصوص من القرآن والمعلقات، تعمل على الإشباع اللغوي وتضمن حَمولة فكرية وتعالج الفقر اللغوي، متأسفا لاعتماد المدرسة الحديثة على نصوص اصطناعية تؤثر على الأداء اللغوي.
فضائيات تسببت في زيادة التبلد الفكري
وذكر الأستاذ صالح بلعيد، التهيئة النحوية وقال إننا بحاجة لمدارس تربط بين الأصالة والحداثة لبناء لغة جيدة وردم الفجوة، مقابل فض القطيعة مع الحزم في طريقة آداء اللغة بالتهيئة اللغوية الفصيحة والنحوية، مشيرا إلى تأثير الفضائيات التي تسببت في تنمية التبلد الفكري، وجعلت التلميذ غائبا عن استعمال لغة فصيحة نتيجة غياب المعلم القدوة في أدائه الجيد للنصوص وتفاعله معها. وأوضح، بأن ما تقدم به لا يعني الانغلاق على التعددية اللغوية التي تتيح التفتح على اللغات أخرى، لكن ذلك مهم شرط استعمال اللغة الأم، مشيرا إلى وجود صراع لغوي وخريطة لغوية ستكون في سنة 2030، وستضمن بقاء اللغة العربية ضمن اللغات الست.
ويبقى مصير اللغة يتعلق بما نقدمه نحن من محتوى رقمي وذكاء اصطناعي فهناك أيضا خريطة لغوية ستوضع سنة 2036 وأخرى سنة 2046 ، ستقلص اللغات إلى أربع ستسيطر على العالم، لهذا وجب الحفاظ على لغة المركز وهي العريية.

* رشيد فلكاوي أستاذ اللغة بالمدرسة العليا للأساتذة آسيا جبار
هناك حاجة لمنهجية لغوية سليمة وتكوين المربين في دور الحضانة
دعا الدكتور رشيد فلكاوي، أستاذ بقسم اللغة والأدب العربي بالمدرسة العليا للأساتذة آسيا جبار بقسنطينة 03، إلى توفير جو لغوي سليم للطفل أو التلميذ يعتمد على تعويده على سماع لغة متجانسة في محيط المنشأ الاجتماعي، وفي مرحلة التحضيري، أين لابد أن تتوفر منهجية لغوية وإستراتيجية مدروسة.
ونبه، إلى ضرورة تعويد الطفل على سماع لغة سليمة ومتجانسة هي اللغة الأم، وذلك بدءا من مرحلة الملاغاة أو المناداة وحديثه إلى أفراد الأسرة، وأن يمتد ذلك إلى المرحلة الانتقالية إلى العائلة الكبيرة المتمثلة في الأقارب وأبناء الجيران.
يقطع الطفل بعدها خطوة أخرى نحو لغة الروضة، أين لابد أن تتوفر منهجية لغوية سليمة وإستراتيجية مدروسة، لكونها مرحلة مفصلية ومهمة في التنشئة اللغوية السليمة، وهي مرحلة وجب الاشتغلال عليها بشكل كبير في بلادنا لغياب الاهتمام بالجانب اللغوي بفعل عدم امتلاك رؤية لغوية سليمة.
وينصح المربيين، بالامتناع عن مخاطبة الطفل الصغير بلغة عامية، والعمل على ضمان الاحتكاك بين الأطفال داخل الروضة، لأنه عامل مساعد على التنشئة اللغوية، إلى جانب دور الأولياء في هذه المرحلة، والذي يتجلى في الاهتمام بتنمية المهارات اللغوية للطفل عند عودته من الروضة، بتوظيف كلمات تثري قاموسه اللغوي بما يناسب سنه.
ويقول، إن ضبط إستراتيجية لغوية في الروضة ضرورة لتجاوز مشكلة فقر القاموس اللغوي، الذي يحتاج حسب محدثنا، إلى تحيين الواقع وإلى دراسات، فضلا عن تكوين المربيات تكوينا لغويا لمخاطبة الطفل بكلمات سليمة، مع الحرص على تسمية الأسماء بمسمياتها.
ومن بين الأشياء الواجبة تكوين المربيات في الخطاب اللغوي السليم، مع العمل على تفادي القطيعة بين لغة الطفل في الروضة وفي المدارس أو مرحلة الابتدائي، ما يضمن لغة وسيطة بعيدة عن اللغة المزيج بين اللغات كالفرنسية والعامية، وهي بمثابة حلقة وصل بين لغة المنشأ العامية والعربية الفصيحة التي سينتقل إليها الطفل في مرحلة الابتدائي.
الاستثمار في المطالعة الموجهة من آليات المعالجة
وعن المطالعة ودورها وكيفية استغلالها في الاكتساب اللغوي، قال بأنها ضرورية جدا في حال تم الاستثمار فيها واعتمادها بنوعيها، لأنه ومع التطور التكنولوجي الحديث هناك ما يطلق عليه بالمطالعة السمعية البصرية، لأن المناهج التربوية الحديثة تركز في جانب من جوانب المطالعة على مشاهدة التلميذ للقصص المسموعة المرئية، التي تساعد على ربط الأحداث بين ما يراه بعينيه وما يسمعه بأذنيه وما يتخيله في ذهنه.
لهذا يجب حسبه، تكثيف الجهود والعمل بالتدريج التصاعدي على تعليم الحروف والكلمات والجمل، فيما يتم التركيز على المطالعة ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي، أين تتكون الملكة اللغوية للطفل ويصبح قادرا على قراءة الجمل والربط بين المعاني، لهذا من المهم الموازنة في المنهاج بين المطالعة والأنشطة اللغوية الأخرى.
فائدة إشراك الطفل في الاحتفال بالمناسبات الوطنية
وهناك من أضاف، مهارات أخرى تساعد في تشكيل القاموس اللغوي للطفل، كإشراك المتمدرسين في إحياء المناسبات الدينية والوطنية، من خلال آداء أدوار في المسرحيات و كذا الأنشطة خارج المدرسة في البيت أو النوادي العلمية والفكرية والثقافية، لصقل الآداء اللغوي.
مشيرا، إلى أن المطالعة وحدها غير كافية، وتستدعي الممارسة اللغوية من خلال الحديث بها في النوادي والمحادثة بين الطفل والمعلم وأقرانه عند آداء الأنشطة، ومردفا بأن السن المناسبة للانخراط تختلف باختلاف المؤهلات والقدرات الفكرية، لهذا على الأولياء استغلال الفرصة متى وجدوا بأن الطفل مستعد لذلك.
أ ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com