الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

عضو جمعية محبي الفن سليم روابح للنصر: في تراث "المحجوز" قصص أجمل وأهم من «البوغي»


يفتح سليم روابح، الأمين العام السابق لجمعية محبي الفن، درج ذكرياته ويخرج منه ألبومات قديمة تعزف مقاطع من قصة الفن وتعيد نحت بعض وجوهه في قسنطينة، فالرجل الذي شارك في إنجاز أنطولوجيا أشعار الموسيقى الكلاسيكية في المدينة، يخبئ في كل زاوية من ماضيه ذكرى عن اسم أو حدث عرفته المدينة أيام كان مديرا لدار الثقافة محمد العيد آل الخليفة.

يشتغل ضيف النصر، اليوم على فكرة عمل يسلط الضوء على الثورة و تراث المالوف، ويترجم صور النضال في بدايات أبيات الشعر ونهايات القوافي، وتحتفظ جعبته كذلك بكثير من الكلام عن المحجوز، تلك النغمة التي لا يعزفها سوى وتر قسنطينة.
قاموس يستحق التسجيل في اليونيسكو
يقول سليم روابح، إن المالوف موسيقى مشتركة لها عشاق في الجزائر و خارجها أيضا، ما يعكس بعض الاختلافات هنا وهناك كما في تونس وليبيا مثلا، مع ذلك فإن المدرسة الجزائرية لهذا الفن موحدة و لا مجال للحديث عن خصوصية الأداء و العزف في منطقة على خلاف أخرى.
مشيرا، إلى أن محاولات التفريق بين مالوف عنابة ومالوف قسنطينة، لعب على وتر الجهوية له أغراض بعيدة عن الفن، أما الأصل في الأمر فهي موسيقى واحدة ولغة يفهما كل أبناء الصنعة.
ويرى عضو جمعية محبي الفن، وهي واحدة من بين أقدم الجمعيات الموسيقية في الجزائر، أن لقسنطينة خصوصية تميزها عن غيرها من المدن التي تعزف المالوف وتتغنى به، وهو طابع « المحجوز».
وإن كان لابد أن تسجل الجزائر ملفا حول الموسيقى الكلاسيكية في لوائح اليونيسكو كما قال، فإنه من الأجدر أن تعمل على ملف يخص المحجوز، الذي يعد طفرة فنية تنفرد بها مدرسة الجسور المعلقة.
وحسبه، فإن هذا الطابع الذي يتوفر منه رصيد من 200 إلى 500 محجوز، ثري جدا من حيث المقامات و من حيث القصص أيضا، لأن قصائده تروي حكايات عديدة أجمل وأهم بكثير من قصة نجمة وساعد الشهيرة، أو كما تعرف بـ «البوغي»، مشيرا إلى أنه يعكف على مشروع في هذا الصدد، حيث يقوم برصد و تسجيل بعض القصص ليعيد تقديمها للجمهور و المشتغلين في حقلي التراث والموسيقى.
ولا تنتهي قيمة القصيد عند هذا الحد فقط، بل تمتد إلى قيمته في التوثيق لجوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية في قسنطينة، لأن قصائد المحجوز تعتمد كثيرا على الوصف الدقيق للباس و العادات و التقاليد وحتى الأكل، وفيها تدوين لعلاقة الحاضرة بباقي المدن و البلدان، كما أنها تقدم فهرسا ثريا للأسماء القديمة أو التي شاع استخدامها سابقا في المدينة، ما يقدم للباحثين في التراث حقلا معرفيا خصبا جدا.
ويشرح المتحدث ذلك من خلال بيت في قصيدة تروي قصة رجل ينتظر خبر عن محبوبته يامنة :« أمس جاء مرسول يامنة»، ويتصور كيف سيجازي من سيحمل له أثرا منها، فيقول :« نمد ميا من البندقي وكل وحدة تسوى عشرميا»، وهنا حسب روابح، وصف لطبيعة المعاملات بين قسنطينة و فينيسا، و كيف كانت عملة البلد مستخدمة في المدينة ولها سعر صرف معروف.
تؤرق سليم روابح فكرة مشروع ثان، و يتعلق الأمر بتفكيك شيفرة تراث المالوف الذي يعنى بالثورة، فهناك كما قال العديد من القصائد التي كانت تحمل رمزية ثورية و تشحذ الهمم.
قال، إنه يعود في هذا العمل إلى سنوات عديدة ماضية حينما كان مديرا لدار الثقافة محمد العيد آل خليفة، و أشرف سنة 1994،على أول طبعة كبرى لمهرجان المالوف ارتبطت بذكرى نوفمبر المجيدة، مؤكدا أن تلك المناسبة أخذت بعدا جهويا كبيرا و عرفت إصدار ألبومات مهمة لمشايخ المالوف حينها.
كما جرى إلى جانب ذلك، عمل كبير في الكواليس حسبه، لوأد كل فتنة كانت قد أثيرت في تلك الأيام بين فناني قسنطينة عنابة، طمعا في زرع الشقاق.
وينفي المتحدث، أن يكون المجاهدون وقادة الثورة قد منعوا الغناء في ذلك الزمن، ويؤكد مستندا إلى شهادات بعض المشايخ الذين جمعتهم به صداقة، أن قصة منع الحاج محمد الطاهر الفرقاني من الغناء بحجة الحداد على أرواح الجزائريين ضحايا الحرب، ضرب من التخريف على حد وصفه، موضحا أن قادة المقاومة تواصلوا مع الفرقاني فعلا، لكن ليس لمنعه من الغناء بل أسدوا له نصيحة تخص جانبا شخصيا.
ويقول روابح، إنه على العكس من ذلك فقد كانت القصائد تتضمن دائما إشارة إلى الثورة ورجالها، كما في البيت الشهير« العز ينتشى من تحت سيوف الرجال» الذي كان يتغنى به في أفراح أهل المدينة، و ينظم عندما يدخل أحد المناضلين إلى الغرفة أو القاعة، فيبدأ الرجال في « الرشق» أو وضع المال على طاولة المغني، وكانت تلك العادة حيلة لجمع الاشتراكات للثورة كما أوضح.
توجد كذلك عديد القصائد الأخرى التي يتغنى بها فنانو المالوف، وترتبط بحرب التحرير و الرغبة في الاستقلال، مثل ما جاء في البيت الشهير « ياحليلي أه قولو روح خلي لبلاد لماليها»، وهنا دعوة لمغادرة الاستعمار و تحرير الأرض من المعمرين، كما تتغنى « المنفرجة» بنضال الشعب وصبره في أبياتها «اشتدي أزمة تنفرجي قد أذن ليلك بالبلج».
من جهة ثانية، قال المتحدث، إن قصة صعود ونجاح محمد الطاهر الفرقاني لا تخلو من التحدي، فبعض شيوخ المالوف أرادوا له أن يكون صوت المدينة وحامل لواء الفن، في وقت كان اللوبي اليهودي يحاول تضخيم صورة « ريمون» لتبني المالوف و الاستيلاء على هويته وأصله الحقيقي على حد قوله.
وقد اشتغل الشيخ قارة بغلي، أو بابا عبيد رحمه الله، في ذلك الوقت، على صناعة الفرقاني ودعمه بشكل كبير كما أضاف روابح، مشيرا إلى أن الرجل هو من أطلق عبارة « فرقاني لاقبلو ولابعدو»، وذلك لعلمه بأن يهود قسنطينة يصنعون من ريمون زعيما للمالوف، وقد قال قولته الشهيرة ليؤكد على أصلية المالوف و منشئه وهوية أصحابه، ولولا الفرقاني لكان المالوف قد رحل من قسنطينة كما علق المتحدث، متأسفا لرحيل الفنان قبل تدوينه لمذكراته خصوصا وأنها كانت ستكشف الكثير، و كانت أيضا لتنصف رجلا مهما في مسار الفرقاني وهو الشيخ خلوفي الدوادي، رئيس جمعية محبي الفن الذي يعد العقل المدبر للفنان بداية من 1969.
بن باديس و الدرسوني وبعض من ذاكرة الشيخ التومي
حسب سليم روابح، فإن مشايخ المالوف في قسنطينة، كان لهم دور هام وكبير جدا في استمرارية هذا التراث إلى يومنا، خصوصا من اشتغلوا منهم في جمعية محبي الفن التي أنشأت سنة 1932، حينما عاد الشيخ العربي بن ساري و مجموعة من الفنانين من مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة، حاملين مسؤولية المحافظة على التراث العربي الأندلسي، فأسسوا الجمعية لجمع الموسيقى القسنطينية والمحافظة عليها.
ومن بين أقدم من انضموا إليها واشتغلوا فيها سي إبراهيم بلعموشي، الذي شرفه الشيخ عبد الحميد بن باديس وخصه بتلحين قصيدة « شعب الجزائر مسلم»، رغم علم بن باديس أن بلعموشي، كان عضوا في الحزب الشيوعي الجزائري، لكن وعيه بقيمة الموسيقى جعله يختار الأجدر لتلحين النص، وهي صورة من صور انصهار الحركة الوطنية بكل أطيافها في الفكر التحرري.
وأوضح المتحدث، أن الجمعية كانت ذات توجه كشفي حيث إن غالبية أعضائها كانت من فوج الفتح الكشفي وهو ما يعكس الروح الوطنية العالية والالتزام الوطني لمنتسبيها، ولذلك فقد منعت من النشاط سنة1938.
و قال عضو الجمعية وأمينها العام الأسبق، إن رصيد الجمعية من التسجيلات ودورها في التكوين الموسيقي لا ينفي أبدا قيمة ما قام به أول جيلين من مشايخ الفن بقسنطينة، على غرار سيدي حمد بسطانجي الذي يعود له الفضل الأول في إدخال الآلة على المديح في قسنطينة ومد الرابط بين أهل الآلة وأهل الزاوية وتوحيد الجبهة، إلى جانب الشيخ الطاهربن كرطوسة، الذي كان معلما لأجيال لاحقة من الفنانين ومكونا للكثير من الأجواق وحافظا للعديد من النصوص.
وذكر المتحدث كذلك، عبد الكريم بسطانجي الذي وصفه بأحسن عازف للعود في قسنطينة، مؤكدا أنه فنان تمتع بصيت وكان من المؤمنين بقيمة الفن ودوره في الحفاظ على الهوية الثقافية، حيث يشاع أنه قال يوما لبن باديس الذي كان صديقا له :« أنت أخذت الآية واحنا أخذنا الماية»، في إشارة إلى النوبة، بمعنى أن لكل جبهته النضالية في المعركة.
وقد أوضح محدثنا، أنه سعى إلى تدوين العديد من التفاصيل المذكورة وغيرها خلال مشاركته سنة 2016، في إعداد أنطولوجيا عن الموسيقى الكلاسيكية جمعت بمناسبة ستينية الثورة، و تضمنت ستة مجلدات، أشار في واحد منها إلى دور رجلين مهمين من الجيل الثاني هما الشيخ الدرسوني والشيخ التومي اللذان تتلمذا كذلك على يد بن باديس.وحسب روابح، فإنهما كانا يترددان على حصص العلامة في الجامع الأخضر، وقد علم الإمام دائما بميلهما للفن والموسيقى و لم يقف يوما في طريق ذلك الشغف، حيث سمع محدثنا على لسان الشيخ التومي قصصا كثيرة في هذا الصدد، وذلك حينما كان يتواصل معه خلال عمله على مشروع الأنطولوجيا.
مؤكدا، أن مكتبته تتوفر على مفكرة مفصلة تضم الكثير من التفاصيل التي تخللت الحوارات بينهما، معلقا بأن قيمتها كبيرة جدا وغير قابلة للتفاوض، تماما كتلك الملاحظات و القصص التي جمعها في مفكرة أخرى سجلها عندما رافق الشيخ الدرسوني و ساعده على تدوين مذكراته الشخصية.
هدى طابي

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com