كشفت فعاليات الطبعة 27 لصالون الجزائر الدولي للكتاب، التي اختتمت أمس، أن الرواية تلقى اهتماما متزايدا ، بعد أن زاد الطلب عليها بشكل كبير، وأصبحت تحقق أرقاما غير مسبوقة في المبيعات ومن حيث حجم الإقبال عليها خاصة من طرف القراء الشباب، فالرواية أصبحت الداعم الأول لمختلف دور النشر المعروفة والناشئة أيضا.
تتقاطع مع مسارات الواقع
ويفسر أصحاب دور النشر وروائيون التقت بهم "النصر"، على هامش معرض الكتاب الذي احتضنه قصر المعارض بالجزائر العاصمة، أسباب هذا الصعود اللافت للرواية، لكون العمل الروائي يعد المجال الأكثر قربا من الواقع، من خلال رصد تفاصيله، ودمج تصوراته ضمن تخيلات سردية ذات سمة فنية متميزة، يمتزج فيها الواقع والخيال.
واللافت أن دور نشر عربية كثيرة من بينها تلك المشاركة في طبعة هذه السنة من "السيلا"، أصبحت تتسابق على طبع ونشر الأعمال البارزة للروائيين الجزائريين المعروفين، وتلك التي فاز أصحابها بجوائز " البوكر " و "كتارا " وغيرها، وتخصص لهم جلسات يومية لتوقيع أعمالهم في أجنحتها، نظرا للرواج الذي تلقاه هذه الأعمال.
وفي هذا الصدد، أكد رفيق طيبي، مدير منشورات " خيال " التي تعتبر من دور النشر الشابة التي تمكنت في ظرف وجيز من مُراكمة تجربة في مجال صناعة الكتاب، " أن جناح خيال استقطب أعدادا كبيرة من قراء الرواية، مبرزا بأن رواية " حيزية " لواسيني الأعرج، ما تزال تتربع على عرش المبيعات شأنها في ذلك شأن رواية " مولد الشمس" للروائي المعروف حبيب السايح، إلى جانب رواية "خولة" للروائية الكويتية بثينة العيسى، ورواية "أحذر دائما من الكلاب" لسمير قسمي.
وبعد أن أشار صاحب دار النشر التي تجمع بين جيلين من الكُتّاب المكرَّسين والشباب، إلى أن عدد النسخ التي تم تسويقها خلال هذا الصالون على مستوى جناح " خيال " معتبر، قال إن ذلك يؤكد توجه قطاع واسع من القراء سيما الشباب نحو الرواية أكثر من غيرها من الأجناس الأدبية، مسجلا بأن عددا كبيرا من قراء الرواية الشباب» موجود خارج دائرة التوجيه لوقوعه تحت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي استُغلّت بشكل سيء للترويج لنوع معين من الرواية".من جهته، أكد صاحب دار النشر " الألمعية " نبيل دادوة، أن ثمة غزارة في إنتاج الرواية في الجزائر، وقال :" نقوم على سبيل المثال بنشر ما لا يقل عن 20 عملا من هذا الجنس الأدبي الذي يلقى رواجا كبيرا بين القراء سنويا ".
لكنه أعاب على الناشرين عدم استغلال ما تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي للترويج إلكترونيا للأعمال "القيمة " التي ينشرونها وتوصيلها للقارئ المتعطش لمطالعتها. وشاركت دار " الألمعية "، في طبعة هذه السنة من معرض الكتاب بعدد من العناوين للروائي الأستاذ الدكتور رشيد بو الشعير، إلى جانب روايات أخرى مثل "قبل الموت" لليندة كامل، إلى جانب المشاركة بروايات باللغة الفرنسية وأخرى باللغة الإنجليزية لبعض الكتاب الجزائريين من الجيل الجديد.
الرواية أصبحت بمثابة «ديوان العصر الحاضر»
يرى الكاتب الروائي الدكتور فيصل الأحمر، أن الرواية أصبحت بمثابة «ديوان العصر الحاضر» فصارت تلقى رواجا كبيرا لأن القارئ الجزائري بأصنافه أصبح أكثر إقبالا عليها بتعدد أصنافها، وهو توجه قرائي يقبل عليه القراء بنهم عبر العالم ".
مشيرا، إلى أنه استطاع على مر السنوات الأخيرة، أن يكون واحدا من الروائيين الذين أصبحت لديهم قاعدة محترمة من القراء، باعتبار أن الرواية أكثر تلبية لرغبات القارئ، وذلك لقدرتها على أن تزج به إلى عوالم مختلفة يُهام مع أحداثها وتأرجحها بين أزمنة وأمكنة مختلفة، حيث تلعب الرواية على إضفاء جانب الخيال والمتعة وتوحد القارئ مع الأحداث التي يعيش معها، بسبب حجم الراوية التي تستمر معه لأيام طويلة.
وعن جديد إصداراته أكد الدكتور لحمر، أنه دخل " سيلا 27 " برواية له بعنوان " العشاء الأخير لكارل ماركس"، وهي صادرة عن دار "العين" المصرية، و رواية "مدينة القديس أغوستين" التي تنتمي لنوع الرواية الفلسفية من نوع الخيال العلمي، وإلى جانب ذلك فهو بصدد كتابة روايته التاسعة. وأمام ما تشهده الرواية من انتشار ورواج بين الشباب دعا الكاتب جمال فوغالي، النقاد إلى مرافقة الجيل الجديد من الكُتاب:" والتقديم لأعمالهم حتى يتمكن الجميع من قراءة هذه الأعمال قراءة عارفة"، مبرزا بأن الرواية أصبحت " ابنة العصر".
وسجل بالمناسبة، بأن الأسعار المطبقة على الروايات بصفة عامة: "تفوق القدرة الشرائية للقراء، وإلا لكان حجم قراءة هذا النوع الأدبي أكثر مما هو عليه الآن".
أما الروائي أمين الزاوي، الذي يكتب باللغتين العربية والفرنسية، فأكد بأن الرواية أصبحت تستقطب يوما بعد يوم شريحة جديدة من القراء، مسجلا بأن الرواية المكتوبة باللغة العربية تحظى بتزايد القراءة على حساب الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية، خلافا لما كان سائدا قبل عدة عشريات.
وقال:"أعتقد أن قُراء الرواية يتأسسون كمجموعة ثقافية، أكثر من قراء القصة القصيرة والشعر"، مشيرا إلى أن هذا الحضور القوي لهذا الجنس الأدبي يدل على أن المجتمع أصبح مديني، باعتبار أن الرواية في نهاية الأمر جنس "مديني" وأن القراء صاروا يستأنسون بفضاء المدينة الذي تجيب عنه الرواية في مجموعة من إشكالاتها على مستوى العلاقات الإنسانية المليئة بالعنف والتشوهات.
كما سجل الزاوي، تزايد عدد الكتاب الشباب الذين توجهوا لفن الرواية، وهم بالأساس كما ذكر، مجموعة من القراء السابقين، منوها إلى أن عدد الكتاب الذين يشاركون في طبعات صالون الجزائر الدولي للكتاب بعنوان أو أكثر، يقدر بحوالي مائة كاتب، سنويا وهو ما يتطلب حسبه :" مرافقة النقاد لهذا الصعود في وجود الرواية في المجتمع الثقافي و في الفضاء الثقافي، لمساعدة أربعة و خمسة كتاب من هؤلاء للمواصلة إلى النهاية، حتى لا يبقى جيل الرواية المسيطر على الساحة متوقفا على الجيل الأول والثاني».
كما أكد على ضرورة اهتمام الجامعات بالأسماء الجديدة من كتاب الروايات وعدم الاكتفاء بتناول أعمال الجيلين السابقين.
كما أكدت مديرة دار النشر " ومضة " الدكتورة سميرة قنونة، بأن أغلب الروايات التي ازدان بها جناحها سواء الجزائرية منها أو العربية، قد لقيت رواجا كبيرا مشيرة، إلى أن الإقبال كان أكثر على روايات " الرعب " والفنتازيا " من بينها "رواية الأمير التائه" لحمزة قرام، و رواية "هاديغرتا" لمخلوف صدام بن النوي، التي تتحدث عن عالم الأرواح والأشباح، وكذا الإقبال على رواية "الجنوبي" لعبد المجيد بلخوص التي تتناول ظواهر "العالم الموازي".
كما تم تسجيل إقبال كبير حسب صاحبة دار النشر، على رواية قارئة الفنجان لفريد عبد اللي و"الغرفة 29" لجمال كربوش.
وفسرت الدكتورة قنون، هذا الإقبال على روايات " الفنتازيا "، بنزعة الكثير من الشباب للهروب من الواقع إلى الخيال والظواهر الميتافيزيقية الماورائية وهو اتجاه عالمي كما قالت.
ومن بين الدور الجزائرية حديثة النشأة، التي خطت خطوات جيدة في مجال إصدار الرواية، ونجد دار «ضمة» لصاحبها عبد النور بلعرشاوي، قد حرصت على نشر أعمال مختلفة لبعض الأسماء المعروفة مثل عبد الوهاب عيساوي صاحب " الديوان الإسبرطي"، وروايتي «ما رواه الرئيس" و " تيبحيرين " للحبيب السايح، إلى جانب روايات الكاتب والمترجم محمد فتيلينة وغيرها.
دور عربية تتنافس على نشر الروايات الجزائرية والعالمية
اتضح جليا من خلال الاستطلاع الذي أجريناه في مختلف الأجنحة العربية التي شاركت في صالون الجزائر الدولي للكتاب، أن ثمة " تنافسا كبيرا " من قبل عديد الناشرين العرب للظفر بنشر الأعمال الروائية الجزائرية، سيما الأعمال المتوجة بمختلف الجوائز العربية على وجه الخصوص. وفي هذا الصدد، أكدت الدكتورة فاطمة البودي، صاحبة ومديرة دار "العين" المصرية، للنشر أن الدار تحرص كل سنة منذ بداية مشاركتها في صالون الجزائر للكتاب سنة 2009، على استقطاب الروائيين الجزائريين، وتنظيم جلسات بيع بالتوقيع لأعمالهم، مشيرة أن من بين الكُتاب الذين يشاركون بأعمالهم في جناح دار " العين "، نجد الروائية الدكتورة هاجر قويدري بروايتها "خط الرمل"، والكاتب الدكتور أمين زاوي بروايته الجديدة "منام القيلولة"، والكاتب والمترجم الدكتور محمد ساري، بروايته الجديدة "كعبة الشمال"، و " سيرة الأفعى " لعز الدين ميهوبي، وذلك حرصا على حضور الروايات الجزائرية الجيدة في المشهد الثقافي العربي.
وإلى جانب هذه الأعمال تشارك الدار حسب الدكتورة البودي، بمجموعة من الروايات لكتاب مصريين، إلى جانب روايات عربية أخرى لكتاب من السودان وسوريا، فضلا عن روايات مترجمة من الأدب الروسي والأدب الإسباني القديم وروايات " الفانتازيا " والسوسبانس.
وأكدت صاحبة دار العين، بأن إقبال الجمهور الجزائري على اقتناء الروايات الجزائرية والعربية والمترجمة " مبهر"، مشيرة في هذا الصدد إلى أن من بين الروايات التي تلقى إقبالا أكثر، تلك التي تم تجسيدها في أعمال سينمائية وتليفزيونية.
وهو نفس الانطباع الذي أكده للنصر، ممثل دار "أقلام عربية" للنشر المصري محمد عبد الهادي، الذي أكد وجود إقبال كبير للشباب الجزائري على شراء الروايات العربية والمترجمة سيما روايات فرانس كافكا، رائد الكتابة "الكابوسية’’، الذي يُعدّ أحد أفضل الأدباء الألمان في فن الرواية والقصة القصيرة، و تُصنّف أعماله بكونها واقعيّة عجائبية، فضلا عن ألبير كامي، وروايات من الأدب الروسي.
من جهته، حظي الكاتب الجزائري أحمد طيباوي، بحضور لافت في دار الشروق المصرية بروايته «الحب عربة مهترئة».
وأكد مسؤول مبيعات في هذه الدار، أن الجمهور الجزائري متعطش لقراءة الروايات حيث كان إقباله كبيرا على شراء روايات الدكتورة رضوة عاشور، التي تصدرت المبيعات، ورواية "عزازيل’’ و’’فردقان’’ ليوسف زيدان، إلى جانب روايات الدكتور محمد منسي، و روايات نجيب محفوظ وبعض الأعمال المترجمة مثل " أحدب نوتردام " لفيكتور هوغو.
كما شهدت دار «المدى» العراقية، حسب مسؤول مبيعاتها اهتماما بالروايات المترجمة من الروسية، وأيضا من الأدب الإفريقي والأدب اللاتيني، وقال إن جمهور الدار " خاص من المثقفين والدارسين’’.
وحسب القائمين على هذه الدار، فإن إقبال القراء على الرواية العالمية المترجمة طبيعي جدا، وينم عن وعي بفن الرواية شكلا ومضمونا، ويكشف لنا بأن هذا القارئ متفتح.
رواية «الشوك والقرنفل» للشهيد «يحيى السنوار» تنفد من أجنحة الصالون
كما شهدت رواية «الشوك والقرنفل» التي خطها عام 2004، الشهيد يحيى السنوار الرئيس السابق لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، إقبالا كبيرا مع انطلاق معرض الجزائر الدولي للكتاب، ونفدت من رفوف أجنحة كل دور النشر التي أحضرتها.
وحسب مدير قسم الإعلام لدار النشر
" الوعي " الجزائرية، عبد العزيز عبد السلام فقد نفدت كل الكمية التي تم عرضها
" تماما" نظرا لرغبة الجمهور في التعرف على نص الرواية التي تعد من أدب السجون، وكذا لحبهم لمهندس " طوفان الأقصى’’.
كما أكدت سميرة قنون، صاحبة دار النشر " ومضة "، بأن الرواية الشعرية التي كتبها الشاعر الجزائري بلقاسم خرشي بعنوان " طوفان الأقصى" (يوم حدث وقصيدة)، نفدت هي الأخرى من الرفوف سريعا.
تجدر الإشارة، إلى أن البرنامج الثقافي لـ " سيلا 27" قد شهد تنظيم عدة جلسات ولقاءات حول واقع الرواية الجزائرية والإفريقية و توجهاتها وإشكالاتها، من بينها لقاء نشطته الروائية الكاميرونية جايلي أمادو آمال، والروائية الجزائرية مايسة باي، صاحبة العديد من الجوائز والكثير من الأعمال.
قصر المعارض: عبد الحكيم أسابع