تطرق أمس، بكلية الفنون بجامعة قسنطينة3، الباحث التونسي في مجال موسيقى المالوف علي السياري، في محاضرة حول «مدرسة المالوف الكبرى والتراث الموسيقي المشترك بين تونس والجزائر»، إلى النقاط المشتركة بين المدرستين الموسيقيتين الجزائرية و التونسية، موضحا أن القصد من مدرسة المالوف الكبرى، هي مجموعة تقاليد المالوف المنتشرة في المجال الجغرافي الواحد، الذي يضم كلا من تونس وقسنطينة وما جاورها بشرق الجزائر وطرابلس وما جاورها بغرب ليبيا.
وقد نشأ الرصيد الموسيقي المشترك بين الدولتين، وفقا له، بفضل تقارب النسيج المجتمعي المكون من المحليين من سكان شمال إفريقيا، مع وافدين عرب وأندلسيين وغيرهم، استقروا بهذه الأقاليم وأثروها موسيقيا.
ويشترك التراث الموسيقي الجزائري والتونسي، حسبه في الصيغة اللحنية والإيقاعية، والنصوص الغنائية التي تكون مكررة، شبيهة أو كتبت على مقاس نصوص متداولة في أحد القطبين، وأخرى يجمعها الشكل الشعري الفني للموشحات أو الأزجال، بالإضافة إلى الحضور القوي للشعراء التونسيين من الجريد التونسي في الرصيد الغنائي القسنطيني.
مضيفا أيضا، التقاليد الشفوية التي تظهر في الأداء، والحفظ ونقل رصيد المالوف، ومرجعية الشيوخ، والسلطة المعنوية لشيخ المالوف، وتركيبة الجوق الذي يكون مصغرا مع حضور أساسي لآلة العود العربي بتسويته التقليدية المتوارثة «ذيل، حسين، ماية رمل»، والتطابق الكبير في أسماء الطبوع وضبط درجات ارتكازها ونسب أبعاد درجاتها ودائرتها النغمية.
والموسيقى بناء تراكمي يتشكل عبر الزمن، يقول السياري، وقد أثرت عدة روافد في التراث الموسيقي الجزائري بداية بالرافد الأندلسي، وكذا الرافد العثماني، إذ كان من عادة الدايات والبايات دعوة جوقتين تركية وتونسية للغناء بالتناوب في البلاط، وقد بلغ هذا الاختلاط الثقافي الموسيقي ذروته في العهد الحسيني بفضل محمد الرشيد باي، ويظهر التأثير الموسيقي العثماني جليا في استعمال تراكمات لفظية ذات أصل عثماني وإيقاعات عثمانية المنشأ في أشغال مالوف تونس، مثل النوخت والسماعي، والفاخت، والأقصاق، وإيقاعات، و الانقلابات الجزائرية وجلها تغنى خارج إطار النوبة.
كما يظهر كذلك في بعض الطبوع التونسية المستحدثة والمتعلقة أساسا بتقاليد أشغال المالوف، والرافد الصوفي والطرقي، حيث برزت ممارسات إنشادية ذات مضامين تصوفية وطرقية، كما أشار إليه الباحث على غرار الطريقة العيساوية، والعزوزية، والقادرية بتونس، وحنصالة، والرحمانية، والقادرية، والعيساوة بقسنطينة وشرق الجزائر، موضحا أن الأخيرة كانت بمثابة الحاضنة الشعبية لفن المالوف في طابعه الديني التصوفي والطرقي.
منوها، بدور شيخ عمل الطريقة العيساوية بقسنطينة، أحمد الموصلي «الذي نقل 8 نوبات مالوف من الزاوية العيساوية بتونس في أواخر القرن 19 م، وبثها بين المريدين والإخوان بقسنطينة وشرق الجزائر» كما قال.
كما تطرق الأستاذ علي السياري، إلى نماذج من الموسيقى التونسية المتداولة في الجزائر، ذكر منها «مجموعة رصد الذيل «جاء زمن الانشراح»، «مكابد الحب»، «سلي همومك»، نوبات مالوف عيساوية في طبوع رصد الذيل، والحسين والعراق، والصبكة، ورمل الماية، والمزموم وغيرها، وأغاني مالوفية ذات نصوص من الملحون أو العروبي، على غرار من فراق غزالي، يدوم هناكم المركبة على صنعة «يا مقواني الريح قبلي والعجاج عماني».
إيناس كبير