شكلت ظاهرة العنف في الأدب واللسان موضوع نقاش الملتقى الوطني الأول الذي عاش فعالياته على مدى يومين معهد الآداب واللغات الأجنبية بالمركز الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف بميلة، بحضور مجموعة من الأساتذة والدكاترة المحاضرين وطلبة المركز الذين على غير العادة غصت بهم مدرجات المدرج للاستفادة والمشاركة في النقاش.
المحاضرة الافتتاحية لهذا اللقاء العلمي كانت للدكتورة وردة مسيلي التي تناولت أول أمس بالشرح والتفصيل مظاهر العنف بشكليه اللساني والأدبي، و أسبابه واستشراف طرق علاجه حيث قدمت في البداية مفاهيم العنف في متون الكتب والمعاجم، من بينها تعريف ابن منظور للعنف بقلة الرفق، أما أبو هلال العسكري فعرفه بالغلظة، في حين ربط نيتشه العنف بالحياة ،مشيرا إلى أن الإنسان بطبعه يرفض الخنوع و يحب إبراز الذات عند الكوارث ، و أضافت المتدخلة بأن العنف ضد المرأة له أشكال مختلفة: جسماني جنسي ونفسي. ومن بين أشكاله العنف اللغوي أو اللساني و هو موضوع الملتقى.
و أكدت الدكتورة بأن اللغة تصبح هنا أداة لاستعمال العنف و ليست هي السبب فيه ، مشيرة في ذات السياق إلى عدد ألفاظ اللغة العربية المقدرة بـ 6 مليون و 699 ألف و 400 مائة لفظ ،لا يستعمل منها سوى 5420 لفظا، أما الباقي فمهجور من المستعمل عند تعامله مع الآخر وقد يكون هذا التعامل عنيفا مثلما يكون مسالما.
وقبل أن تتطرق المحاضرة لأشكال العنف أشارت إلى أنه ظاهرة قديمة متجددة ، بدايتها التاريخية تعود لأبناء آدم عليه السلام عندما قتل قابيل شقيقه هابيل، مستعرضة بعد ذلك أشكال العنف و منه العنف المدرسي المرتبط بنظام التعليم، والتحفيز والتقييم والبيئة المدرسية، ثم العنف في الشارع. و هذا الأخير يحدث فيه الكثير من أنواع العنف، لتخلص في الأخير للطرق العلاجية التي اقتصرتها عند المجتمع المسلم على ما جاء في القرآن الكريم والسنة المحمدية.
من محاضرات اليوم الثاني مداخلة الأستاذة غزالة شبور حول الشخصية ما بعد العنف، أي أزمة الذات بعد أن يمارس عليها العنف و كيفية تجاوزه ، و إن كانت تبقى محافظة على استقرارها و اتزانها و هويتها أم أن هذه المقومات ستهتز، علما وأن العنف يترك آثاره لذلك تساءلت الأستاذة هل لهذه الذات القدرة على أن تستنهض مرة أخرى وتنطلق من جديد لتغير واقعها ومعاشها أم لا؟
أما الدكتور لبصير من جامعة الشلف، فمداخلته موسومة “خطورة اللسان على الإنسان بين مدارك الجنان مهالك النيران” ،قدم من خلالها قراءة في دلالة الأحاديث النبوية كون الرسول (ص) هو المربي والمصلح الأول، فقد رسم الطريق لكل إنسان ،لذلك جاءت أحاديثه تحمل دلالات معينة ،علما بأنه لا يوجد عضو أعصى على الإنسان من اللسان.
باقي المحاضرات سارت على نفس المنوال ،حيث قدمت في مجملها الأسس الثقافية والتاريخية للعنف، و المنظور النفسي والقانوني للعنف وتجلياته في القصائد و الأشعار والنصوص والمسرح الشعري وغيرها، ثم الغوص في عنف اللغة ولغة العنف ،مع بحث في الأصول وتصحيح المفاهيم.
إبراهيم شليغم