التشكيلية حفيزة بشيري تعيد بث النبض لذاكرة قسنطينة العتيقة
حاولت الفنانة التشكيلية المخضرمة حفيزة بشيري سرد ملامح الذاكرة القسنطينية العتيقة كطريقة لتدوين حقبات تاريخية مهمة من خلال إعادة تصوير روح و خصوصية العمارة العريقة، بنظرة فنية تنم عن غيرة و هوس بالتراث تحمل بعدا ثقافيا وثائقيا أكثر منه تشكيليا مجرّدا، و هو ما بينته لوحات معرضها الموسوم «ملامح مدينة» المتضمن 47 عملا طغت على معظمها الألوان المائية و الحبر الصيني.
حفيزة العنابي حرم بشيري، متخرجة من مدرسة الفنون الجميلة و درست في مجال الفن لمدة 30 سنة و بعد إحالتها على التقاعد تفرغت أكثر لهوايتها الأولى الرسم، التي أسرتها منذ نعومة أظافرها.
المعارض الفنية المحلية اعتادت على بصمتها التي اختلفت من الطبيعة الميتة و بشكل خاص المناظر الطبيعية و الأزهار على وجه الخصوص، إلى كل ما له علاقة بالأحياء القديمة التي أسرت الفنانة و قالت في حديثها للنصر، بأنها تمنت منذ طفولتها العيش في حي شعبي و في بيت قديم مع الجيران، لما تشعر به و تراه و هي تتجوّل بين الأزقة بقلب المدينة من حميمية و أصالة و عادات و طقوس، فما كان أمامها سوى تحقيق ذلك من خلال ريشتها التي طوعتها لنقل تفاصيل العمارة التقليدية، التي و إن اختفى الكثير منها، بفعل الانهيارات المتتالية، أعادت بعث أهم الملامح الراسخة في ذهنها من خلال منهجية التخيّل الفني، بالاعتماد على الصور الفوتوغرافية القديمة التي قالت أنها لا تتقيّد بكل التفاصيل الموجودة فيها، بل تفضل ترك العنان لمخيّلتها لوضع خطوط و أشكال و ألوان رسوماتها.
التشكيلية حفيزة بشيري، قالت أنها لا تمر مرور الكرام أمام البيوت القديمة، بل تتأمل كل زاوية و جزء منها و تحاول في ما بعد التعبير عليها باللون، رغبة في ترسيخ هوية المكان في ذاكرة كل من يشاهد و يتابع أعمالها التي تغلب عليها تقنية و أساليب «الأكواريل» أو الرسم المائي التي وجدت فيها ما يحقق ذوقها و النتائج التي ترغب فيها عادة و هي الألوان و الإضاءة المتميّزة.
من الجسور المعلقة إلى الصخر العتيق و أزقة قسنطينة الضيقة «رحبة الصوف» و «السويقة» و «مقعد الحوت» ، تشرق أعمال حفيزة بشيري من النبع الداخلي، الواعي واللاواعي، من خلال تطويع اللون و الحجر لأحلامها المسكونة بالتراث والتاريخ.
الفنانة المولودة عام 1950بقسنطينة ،اعترفت بأنها لا تحترم القواعد و التقنيات المعهودة ، بل تفضل الذهاب إلى أبعد حد تنقلها إليه أحاسيسها و مزاجها لحظة تجسيدها أي عمل تقوم به، مؤكدة بأنها لا تتقيّد بالتصاميم و لا الخطوط العريضة التي تضعها في البداية، و إنما تستسلم لريشتها التي تعوّدت على استنباط الأشكال من عالم النحت و العمارة، و إن كانت تميل أكثر إلى الألوان الباهتة و الحزينة عادة، تعبيرا و تحسرا على تحف ضاعت و أخرى يتهددها خطر السقوط و الاندثار بين الفينة و الأخرى، و التي حاولت إعادة بث النبض فيها في لوحات أخرى من خلال اختيار ألوان منعشة و بشكل خاص الأخضر الذي تعتبره مصدر دفء ينسيها قسوة الشتاء و يبعث فيها الأمل باقتراب الربيع و هو أيضا اللون الذي تعوّدت على رؤيته في البيوت القديمة و لم تترّدد في تبني كل تدرجاته. و تتذكر الفنانة أن أستاذتها بمدرسة الفنون الجميلة «قارة علي» الفرنسية الأصل المتزوجة من جزائري، كانت تنصحها باستمرار بإدخال الألوان الزاهية على لوحاتها لفرط استعمالها الألوان الداكنة و بشكل خاص الأسود رغم خفة روحها و حبها للحياة، مثلما قالت.
و بخصوص أحجامها المفضلة، قالت محدثتنا أنها تحب الأحجام الصغيرة، لأنها تتحكم بسهولة في مساحتها، فضلا عن كونها عملية لاسيّما عندما يتعلّق الأمر بنقلها من معرض إلى آخر، لكنها أكدت انتقالها في الآونة الأخيرة إلى الأحجام المتوسطة (50 *65 سم).
و سبق للفنانة المشاركة في العديد من الصالونات التشكيلية في مختلف التظاهرات الثقافية المحلية و الوطنية، حيث جابت عديد الولايات، كما احتكت بكبار التشكيليين من داخل و خارج الوطن، و قد خصتها مديرية الثقافة بولاية قسنطينة هذا الأسبوع بمعرض خاص بمناسبة ذكرى يوم الشهيد.
مريم/ب