عائلـــــــــــــــة الكاتـــــــب رفضـــــــــت إعانــــــــة ماليــــــــة من المنظمـــــــة السريـــــــــــــة المسلــــــــــــــحة
كشف، مساء أول أمس، مؤلف السيرة الذاتية لمولود فرعون، بأن شارل ديغول اقترح على الكاتب منصب سفير لفرنسا في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الثورة الجزائرية، كما لم تقبل عائلة الكاتب الشهيد إعانة مالية بأكثر من نصف مليون فرنك من المنظمة السرية المسلحة بعد اغتياله، في حين ذكر ابنه بأن رواية ابن الفقير ستصدر باللغة اليابانية شهر مارس القادم.
وأفاد صاحب كتاب "مولود فرعون الكاتب الملتزم"، الصحفي والمؤلف جوزي لينزيني، خلال اللقاء المنظم من طرف المعهد الفرنسي بقسنطينة حول حياة الكاتب، بأن عائلة مولود فرعون تسلمت إعانة من الجزائر المستقلة سنة 1963 بقيمة مالية معتبرة، في إطار التعويضات المسلمة لعائلات المعلمين الجزائريين المغتالين من طرف الاستعمار الفرنسي خلال ثورة التحرير، كما أرسلت الجريدة الإيطالية "إلجورنو" إعانة مالية للأسرة، تعبيرا عن تضامنها معها بقيمة 6500 فرنك فرنسي. لكن العائلة رفضت إعانة واحدة، حسب ما ذكره لينزيني، حيث جاء بها شخص في بداية سنة 1963، وتوجه إلى قرية تيزي هيبل، مسقط رأس الكاتب، بحثا عن زوجته، لكنهم أخبروه بأنها لم تعد تقطن بالقرية، "فذهب إلى بيت الأسرة وطرق الباب وعندما فتحت له قريبة الكاتب، أخبرها بأنه يحمل إعانة مالية للعائلة بقيمة 650 ألف فرنك موجهة لهم من صندوق التضامن للمنظمة السرية المسلحة "أواس"، فأغلقت الباب في وجهه مباشرة".
وأضاف نفس المتحدث بأن مولود فرعون استُقبل في قصر الإيليزي عندما سافر إلى باريس في سنة 1960، حيث عرض عليه الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول، منصب سفير فرنسا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث علق الكاتب جوزي لينزيني على الأمر "إنه من المعلوم بأنها أهم سفارة بالنسبة لفرنسا، وقد أخبرني ابنه علي فرعون، بأن ديغول أراد من خلال هذه المناورة أن يُظهر للأمريكيين بأن فرنسا تقود حربا ضد الثوار الجزائريين فقط، لكن ما يزال في البلد مثقفون يكنون لها الولاء".
رفض فرعون المقترح، يضيف المتحدث، وعاد إلى الجزائر، أين كتب رواية جزائرية حول قصة حب بين معلم جزائري من القبائل وفرنسية اسمها "فرانسواز" لكن هذا الحب لا يكتمل، في دلالة على فرنسا والجزائر واستحالة انصهارهما معا في بوتقة واحدة، لكنه عندما أرسلها إلى دار "لوسوي" للنشر، تم رفضها واقترح مديرها عليه أن يحول شخصية الفرنسية "فرانسواز" إلى أميرة قبائلية، لذلك قام الكاتب الجزائري بتأليف نسخة ثانية. وقد تلقى مولود فرعون عدة رسائل تهديد خلال الثورة الجزائرية من طرف "منظمة المقاومة للجزائر الفرنسية" بسبب نضاله المساند للثورة الجزائرية، حسب المحاضر.
حُرم من جائزة أدبية استعمارية بسبب اسمه العربي
وأشار الكاتب إلى أن فرعون عُين في سنة 1958 مفتشا على المراكز التعليمية الاجتماعية، وقد آخذ على ألبير كامي عدم اتخاذه موقفا واضحا من الثورة الجزائرية في العديد من الرسائل، وفي 15 مارس من سنة 1962 كان من المرتقب أن يُعقد اجتماع بين مفتشي المراكز التعليمية الاجتماعية، التي كانت ترى فيها "الأواس" تهديدا، حيث دخلت مجموعة تابعة للمنظمة السرية المسلحة إلى قاعة الاجتماع في المركز وتم إخراج المفتشين الستة إلى الخارج وإطلاق النار عليهم وكان بينهم مولود فرعون، فأقيمت بعد ذلك دقيقة صمت ترحما على أرواح مولود فرعون وزملائه في كل من المدارس والثانويات بالجزائر وفرنسا بناء على تعليمة من وزارة التعليم الفرنسية.
وفي سنة 1939، شرع فرعون في كتابة السيرة الروائية ابن الفقير، حسب ما ذكره صاحب السيرة الذاتية، وتقدم بها إلى مسابقة الجائزة الكبرى للأدب في الجزائر، وقد كانت أكبر مسابقة أدبية في الجزائر وتمنح من طرف الاستعماريين في الجزائر، حيث أُعجبت بها لجنة التحكيم لكنها رفضت منح صاحبها اللقب بسبب اسمه العربي "مولود"، وقدمت له منحة تعويضية بقيمة خمسة آلاف فرنك فرنسي لم يستلمها أبدا.
إيمانويل روبليس كتب نسخة مطابقة عن رواية لفرعون
وذكر علي، ابن مولود فرعون في اللقاء بأن الكاتب الفرنسي إيمانويل روبليس، قام بـ"سرقة" رواية والده التي تروي قصة الحب بين جزائري وفرنسية وطُلب منه تغييرها، حيث أخبر روبليس فرعون عندما أرسلها إليه لنشرها، بأنها مجرد قصة قصيرة وليست رواية، ويجب أن يُدرج عليها بعض التعديلات، وعندما نشر أربعة فصول من هذه الرواية المعنونة ب "مدينة الزهور"، قام بعد سنوات بكتابة رواية بعنوان "فيزوف" تضم قصة مطابقة لرواية مولود فرعون، التي اعتبرها المُتحدث من أهم الكتب التي ألفها والده ولا يمكن دراسة أعماله دون المرور بها.
وواصل نفس المصدر حديثه بالقول إن "إيمانويل روبليس قام بحذف كل الفصول التي تتحدث عن المدرسة العليا للأساتذة والحرب والخاتمة من السيرة الروائية لوالده ابن الفقير في النسخة الأولى الصادرة عن دار "لوسوي"، وترك فقط الأجزاء التي تتحدث عن الحياة الصعبة في قرى القبائل آنذاك، والتي يخرج منها البطل بفضل التحاقه بالمدرسة العليا للمعلمين، موضحا بأن النسخة التي ظلت متداولة طيلة خمسين سنة ليست كاملة ولا تعبر عما كتبه مولود فرعون فعلا، لذلك ظل يُنظر إليها على أنها امتداح للمدرسة الفرنسية، بينما في النسخة الكاملة التي أعيد نشرها في سنة 2003، كان يعبر الكاتب عن الأمل في ثورة تحريرية تخلص بطل الرواية من المعاناة التي يعيشها، وأوضح لنا بعد اللقاء بأن النسخة الكاملة منشورة عن دار القصبة باللغة الفرنسية.
وأكد المتحدث بأن والده لم يكن يوما صديقا لألبير كامي، لأن فرعون كان دائما يرى بأن الجزائر يجب أن تتوجه إلى الاستقلال على عكس صاحب رواية الغريب، كما لم يكن صديقا لإيمانويل روبليس أيضا، لكنه شدد على أن والده لم يساند الثورة متأخرا كما لم يكن من دعاة الإدماج أبدا، بل كان مع الثورة الجزائرية ومساندا لاستقلال الجزائر إلى آخر يوم في حياته، "على عكس ما يروج له و ما جاء في بعض الدراسات الجامعية غير الشاملة"، على حد قوله، مستدلا على كلامه بالمقالات التي كتبها مولود فرعون. وكشف أيضا بأن شهر مارس القادم سيشهد صدور ترجمة لرواية "ابن الفقير" إلى اللغة اليابانية قامت بها جزائرية تشغل منصب عميدة كلية الأدب المقارن بجامعة طوكيو.
للإشارة فقد نُظم بيع بالإهداء للسيرة الذاتية لمولود فرعون بعد انتهاء اللقاء.
يُذكر بأن جوزي لينزيني، كاتب وصحفي فرنسي عمل في العديد من الصحف، على غرار لوموند، وهو من مواليد الجزائر إبان الحقبة الاستعمارية وألف عدة كتب حولها، بالإضافة إلى كتابات أخرى حول ألبير
كامي.
سامي حباطي