الكاتب حسن دواس يرصد جوانب من تاريخ الجزائر الثقافي في القرن 19
صدر مؤخرا عن منشورات دار «الوطن اليوم»، كِتاب «ديابوراما رحلية للجزائر الثقافية في القرن التاسع عشر» للكاتب والباحث حسن دواس. الكِتاب الذي جاء في 94 صفحة، كان رحلة ماسحة شملت الحياة الثقافية في الجزائر خلال القرن التاسع عشر، رصد فيه الكاتب جوانب من تاريخ الجزائر الثقافي في هذه الفترة، وهذا من خلال الكِتابات الرحلية الفرنسية، و قد تطرق فيه إلى شتى أنواع وصنوف الثقافة والفنون التي سادت في تِلك الحِقبة. مثل الرقص و خاصة بعض أنواع الرقصات الصحراوية، والموسيقى، فن الترسل، الشِعر، الحكاية الشعبية، تحديدا ذات الأصول التاريخية، وذات الطابع الغرائبي، وكذا الحكايات ذات الطابع التربوي التعليمي.
كما أفرد الباحث فصلا للخرافة أو القصة على لسان الحيوان، كما لم يغفل اللباس الذي يعتبر كمظهر من المظاهر الثقافية التي كثيرا ما يعتمد عليها علماء الأنثروبولوجيا للحكم على الخلفيات الفكرية والعقائدية للمجتمعات.
ويسرد المؤلف في كتابه بنوع من التحليل بعض المظاهر الثقافية التي أفرزتها القدرات الفكرية والذهنية لدى المجتمع الجزائري، فيذكر الموسيقى، التي يقول بشأنها بأن العديد من الرحالة أشاروا إلى الموسيقى الجزائرية، فلا تكاد تخلو كتاباتهم من الوقوف عند هذه الظاهرة السوسيو ثقافية و لو بالإشارة إليها. وقد أجمعوا كلهم على أنّ الموسيقى الجزائرية عموما والصحراوية خصوصا، لا تخلو من جمال وعذوبة برغم بساطتها.
وقد أورد المؤلف ما قاله الرحالة الفرنسي شانوني، في كتابه «ذكريات رحلة إلى الجزائر والعودة عن طريق إسبانيا»، إذ أشاد وأثنى على الموسيقى الجزائرية وطبوعها قائلا «موسيقاهم متعددة وجميلة، فلا يمكن القول بأن العرب أجلاف أو بلداء، أو أنّهم لا يتذوقون الإيقاعات الجميلة والأصوات الشجية، وإني أرى هنا عكس ذلك تماما، وعلى حد تعبيرهم فإنك ترتوي من أذنيك».
المؤلف وفي تناوله لهذه الرحلة الديابورامية، أكد أنّ الدراسات الإثنوغرافية التي خصها الفرنسيون لدراسة المجتمع الجزائري و وصف عاداته وثقافته في القرن التاسع عشر، لم تخلُ من الاهتمام بفنون المجتمع الجزائري، كالموسيقى، الرقص، الرسم والأدب.
فقد أشار مثلا هودا في كتابه «إثنوغرافيا الجزائر» إلى أن الجزائريين لهم إمكانات ضخمة في مجال الإبداع و الفن وبأنّ هذه الفنون ستعرف تطورا مذهلا في المستقبل، إذ يقول «الجزائريون بخيالهم المتقد، وذكائهم المتفتح لهم استعدادات هائلة للفنون، خاصة منها الموسيقى والرسم، وستعرف الجزائر في وقت قصير تطورا مذهلا في هذه الفنون التي لا تحتاج إلى كثير من التفكير والدراسات التطبيقية كما هو الحال بالنسبة للنحت والعمران. وهذا النزوع في رؤية الأشياء من خلال الخيال يظهر في كلّ أعمال الجزائريين، وحدود الخيال لديهم لامتناهية، حتى أنّه يصعب على الشخص الهادئ و المتزن فهم الأفكار الأصيلة المبتكرة التي تنبع من أذهان الجزائريين». المؤلف أكد في أكثر من موضع أن المجتمع الجزائري يتمتع بكلّ ما جاء في الكُتب الرحلية الفرنسية، وهذا ما أشار إليه في مقدمة كتابه «المجتمع الجزائري لم تكن تنقصه هذه القدرات، وهذا ما جعل الحياة الاجتماعية حافلة بالعديد من المظاهر الثقافية والفكرية المميزة للمجتمع الجزائري؛ سواء منها المظاهر الفنية أو الأدبية أو العلمية، ولعل هذا التميز هو ما جعل النصوص الرحلية الفرنسية في القرن التاسع عشر زاخرة بهذه المظاهر؛ من نصوص شعرية وحكايات شعبية وأمثال وحكم وغيرها. كما يؤكد الكثير من الرحالة أن الجزائريين يتمتعون بملكات ذهنية وفكرية تؤهلهم لاستيعاب جميع الآداب والفنون والعلوم». وفي الأخير، يؤكد الكاتب والباحث حسن دواس، أن هذه الديابوراما الثقافية للمجتمع الجزائري من خلال كتابات الرحالة الفرنسيين ما هي إلا محاولة للكشف عن بعض مظاهر المجتمع الجزائري، الثقافية والحضارية، والتي من خلالها نستطيع أن ندرك أن المجتمع الجزائري له خلفياته الثقافية وتاريخه وتراثه الحضاري، والمتصفح لهذه الصور يمكنه أن يستنتج أن المجتمع الجزائري في تلك الحقبة كانت له من الإمكانات الذاتية الروحية والعقلية ما يؤهله للنهوض والتطور في جميع مجالات الحياة وهذا باعتراف الكثير من الرحالة الفرنسيين أنفسهم. كما نوّه إلى أن الكثير من كُتب الرحالة الفرنسيين وغير الفرنسيين تزخر بشذرات رائعة من الأدب الجزائري شعرا وحكاية وقصة، وعلى الدارسين التنقيب على هذه النصوص التي تعبر عن حقبة مهمة من تاريخنا الثقافي.
نـــوّارة لحـرش