هرب كتّاب إلى المستقبل ليمنحوا أنفسهم حرية رؤية العالم، أي لتخيّل النهايات غير السعيدة التي يبشّر بها واقع عصيّ على التفكيك. هروب قد يكون له ما يبرّره حسب وضع الكاتب: كاتب في حاجة إلى أن يكتب ما هو منتظر منه، كاتب في حاجة إلى أن يكتب. كاتب ليس لديه ما يكتب!
والذنب ليس ذنب جورج أورويل وحده فقد صار المستقبل موضة. حتى خارج النصوص الأدبية، بإمكان الكاتب كتابة المستقبل على أعمدة الصحافة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. وقد تشمل توقعات منجّمي الكتابة الحياة السياسية وفق سيناريوهات يجود بها الكاتب الذي لا يعتمد على خياله الكريم فقط، بل قد يستفيد من تسخير الجنّ الذي يطلعه أولا بأول في مدينته البعيدة على ما يحدث في أعالي العاصمة وما يخطّط له في دهاليز الدولة. إيه، نعم إنه كاتب والكاتب لا يكتفي بما حدث في الماضي بل يعرف بالتفصيل الممّل ما يحدث في المستقبل، فهو ليس كائنا مهملا كما يتخيّل الذين لا ينزلون الناس منازلها، لأنه وإن كان يبدو أنه يعيش خارج الحياة نفسها، على تواصل بمن علا شأنهم و أوكلت لهم مهمة رسم المستقبل في نسخته المخيفة التي لا يتعب من التحذير من عواقبها. إنه كاتب. لم يكتف بالكتابة الأدبية، لأن الوضع التاريخي الذي تمرّ به البلاد دفعه إلى التفكير في كل شيء، من تشخيص الأزمة إلى وضع الحلول، وهذا ليس بالأمر الهيّن، فقد شغله تعدّد المهام عن تعلّم قواعد الكتابة التي يكتب بها وقواعد الفنون التي يستهدفها بكتاباته، فالبلاد تعاني من شحّ في التراكم المعرفي وعليه أن يسدّ النقائص بالكتابة في كلّ المجالات. إنه كاتب، والناس لا يعرفون أنه لا ينام من فرط التفكير والكتابة، وفوق ذلك ونظرا لقصور الكتابة في الوفاء السريع بالغرض بات يعدّ نفسه للعب أدوار سياسية، كأن يدخل البرلمان أو يتولى مهمات تنفيذية تسمح له بتجسيد أفكاره وحماية الناس من شرور يخفيها المستقبل تحت معطفه الأسود ولم تخطئها عيناه. إنه كاتب. يرى ما خفيّ وغاب، حتى وإن كان الذين لا ينزلون الناس منازلها يعتقدون أنه يعيش خارج العصر و الأوان وخارج الحياة نفسها.
ملاحظة
يناهض كتّابٌ الأنبياءَ لكنهم لا يكفّون عن تقمّصهم.
سليم بوفنداسة