تبتسم الحشود للمصورين، وبين المستهدفين بضوء العدسات من يرفعون أصابع النصر لأنهم صاروا، بعد أن عبروا ظلمات البحار، ألمانا.
يبتسم السوريُّ الذي صار ألمانيّا. وكذلك يفعل الأفغانيّ. يبتسم لأنه بدأ يحلم. يبتسم الخارج من وطن لم يعد وطنا إلى بلاد تستقبله بالورد ويقول وزير العمل فيها للشعب: هذا اللاجئ سيصير جارك وزميلك! وتدعو زعيمة البلد غير المفداة الشعب ذاته لصناعة تاريخ جديد.
يحسدُ اللاجئون في أوطانهم اللاجئين إلى بلاد الآخرين لأنهم يركبون قطارات سريعة تنطلق في وقتها و لأنهم لم يعودوا أرقاما كاذبة في أفواه وزراء العمل، ولأنهم سيعيشون دون خوف.
يحسدُ اللاجئ في الوطن الذي لم يعد وطنا اللاجئ الذي بلغ وطنا يجدّد بنيانه، ويفكر في وطن قبل أن يأتي الشتاء وتهيج البحار.
نعم، ثمة تاريخ جديد يكتب يعبّر عنه صنّاع القرار بلغة لمّاحة وقد يلتقطه كتّاب الافتتاحيات كذاك الألماني الذي كتب البارحة: «شئنا أم أبينا، نحن أمريكان أوروبا». ثمة اقتصاديات شرهة تحتاج إلى دماء ولا بأس من دماء لاجئة تلوّن الحاجة الاقتصادية بلون إنسانيّ، أما المستعبد في الوطن السابق فلا يحتاج سوى إلى قليل من المال ومزيد من الاحترام في الوطن البديل، والماكينة الألمانية قادرة على رسكلة القادمين وإدخالهم في دورتها في ثلاثة أشهر، حيث يجري إيواء الكائن وإطعامه وتدريبه على الحياة الجديدة. ولا بأس أن تغار فرنسا الهولندية من الجار المتأمرك وهي التي لم تنجح في عمليات الرسكلة.
لكي تُبنى أوطان تُدمر أوطان. نحن ندمر وطنك ونبنيك. نهديك القنابل هناك والورد هنا.. شعارات غير مرئية للاستعمار الذكي الذي جعل مثقفين عرب يهتفون بحياة المستشارة الألمانية التي أثبتت أنها أكثر إنسانية من أمراء ممالكهم وجمهورياتهم.
من حق ألمانيا أن تبني نفسها وتمسح الصفحات القاتمة من تاريخها ومن حق أوروبا أن تقدم نفسها بوجه إنساني، لكن علينا الانتباه إلى أن أوروبا ذاتها هي التي تبيع الأوطان للصوص، وهي التي تأخذ “الجزية” من الأنظمة الفاسدة في جنوب لم يعد صالحا للإقامة.
نعم، الاستعمار الجديد صار يختلق الحروب و يهدد العصاة بالثورات و ينصب وكلاء معتمدين، وبلغ من الذكاء إلى حد أنه قد يجعلك تتبنى خطاباته دون أن تدري!
سليم بوفنداسة