الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

لغة بيضاء

أغفل «الخبراء» لغة  أخرى تفيد في التعلّم لأنها أسبق و أعمق من لغة الأم، لغة اهتدى إليها الكائن في عمائه  الأول، قبل أن يتعلّم الأسماء كلّها، وهي قبل ذلك معفاة من الرسوم الايديولوجية ومن النوايا السياسية السيئة وبالتالي تبدو مفيدة في مجتمع “متوجّس” كالمجتمع الجزائري.
هذه اللغة قد تحمي ساسة المستقبل والمطربين ولاعبي كرة القدم من التلعثم  أمام الميكروفونات والكاميرات وتجنبهم تلك التصريحات البغيضة التي يسمعها الناس ولا يعرفون ماذا تعني، تلك التصريحات التي تثير السخرية من الإنسان الجزائري الذي لا يقول شيئا حين يتكلم أو يقول شيئا  وهو يعني غيره.
ومن شأن تعليم هذه  اللغة لشعب المستقبل تجنيبه الاضطراب اللغوي الذي عرفه الأسلاف والذي يحيل إلى اضطرابات أخرى عميقة ليست اللغة سوى إحدى مظاهرها. لأن اللغة المقترحة هنا تستبدل منظومة النطق برمتها وتعفي مواطن المستقبل من إصدار الصوت وكل ما يسبق العملية من مجهود عصبي.
نعم، ثمة معركة قديمة تتجدد في الجزائر حول اللغة تكشف عن عدم حسم في الهوية . المعركة تثيرها في كل مرة  نخب مؤثرة  لا تتقن سوى لغة وحيدة تنظر بها إلى العالم  هي اللغة الفرنسية، تعتقد هذه النخب أن العربية هي لغة التخلف والدين وأن الإرهاب والتطرف خرجا من رحمها وفي الجهة المقابلة تنتفض قوى محافظة لا تنظر إلى العربية كلغة بل كإرث رباني وجبت حمايته من العدوان. وخلف غبار هذه المعركة يضيع الإنسان الجزائري بين عباءات كثيرة  قد لا تكون بينها عباءته الحقيقية.
الطرف الأول يسيطر على مقاليد الإدارة  وفيه من المتعصبين والأصوليين الذين لا يقبلون لغة أخرى إلى جانب “لغتهم الأم” بما في ذلك الانجليزية التي هي لغة العالم ويمارس نوعا من المكارتية على الكوادر “المعربة” حتى ولو كانت تتقن خمسين لغة أخرى والمحمود في الرجال هنا هو من يتقن الفرنسية ولا يعرف العربية. والطرف الثاني يعتقد أنه مستهدف في وجوده من طرف لغة يحاول  المستعمر الاستمرار من خلالها في الجزائر. والمعركة في الأساس معركة سياسية ومعركة مصالح ومواقع ولا علاقة لها بالنقاش حول مستقبل الإنسان الجزائري  الذي خرّبه أصحاب قرار تعوزهم العلوم والمعارف.
ملاحظة
أغفل «الخبراء» لغة الإشارة التي قد تكون الأنسب للجزائريين، لأنها لا شرقية ولا غربية  أي بدون خلفيات وبدون ايديولوجيات.

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com