أغفل «الخبراء» لغة أخرى تفيد في التعلّم لأنها أسبق و أعمق من لغة الأم، لغة اهتدى إليها الكائن في عمائه الأول، قبل أن يتعلّم الأسماء كلّها، وهي قبل ذلك معفاة من الرسوم الايديولوجية ومن النوايا السياسية السيئة وبالتالي تبدو مفيدة في مجتمع “متوجّس” كالمجتمع الجزائري.
هذه اللغة قد تحمي ساسة المستقبل والمطربين ولاعبي كرة القدم من التلعثم أمام الميكروفونات والكاميرات وتجنبهم تلك التصريحات البغيضة التي يسمعها الناس ولا يعرفون ماذا تعني، تلك التصريحات التي تثير السخرية من الإنسان الجزائري الذي لا يقول شيئا حين يتكلم أو يقول شيئا وهو يعني غيره.
ومن شأن تعليم هذه اللغة لشعب المستقبل تجنيبه الاضطراب اللغوي الذي عرفه الأسلاف والذي يحيل إلى اضطرابات أخرى عميقة ليست اللغة سوى إحدى مظاهرها. لأن اللغة المقترحة هنا تستبدل منظومة النطق برمتها وتعفي مواطن المستقبل من إصدار الصوت وكل ما يسبق العملية من مجهود عصبي.
نعم، ثمة معركة قديمة تتجدد في الجزائر حول اللغة تكشف عن عدم حسم في الهوية . المعركة تثيرها في كل مرة نخب مؤثرة لا تتقن سوى لغة وحيدة تنظر بها إلى العالم هي اللغة الفرنسية، تعتقد هذه النخب أن العربية هي لغة التخلف والدين وأن الإرهاب والتطرف خرجا من رحمها وفي الجهة المقابلة تنتفض قوى محافظة لا تنظر إلى العربية كلغة بل كإرث رباني وجبت حمايته من العدوان. وخلف غبار هذه المعركة يضيع الإنسان الجزائري بين عباءات كثيرة قد لا تكون بينها عباءته الحقيقية.
الطرف الأول يسيطر على مقاليد الإدارة وفيه من المتعصبين والأصوليين الذين لا يقبلون لغة أخرى إلى جانب “لغتهم الأم” بما في ذلك الانجليزية التي هي لغة العالم ويمارس نوعا من المكارتية على الكوادر “المعربة” حتى ولو كانت تتقن خمسين لغة أخرى والمحمود في الرجال هنا هو من يتقن الفرنسية ولا يعرف العربية. والطرف الثاني يعتقد أنه مستهدف في وجوده من طرف لغة يحاول المستعمر الاستمرار من خلالها في الجزائر. والمعركة في الأساس معركة سياسية ومعركة مصالح ومواقع ولا علاقة لها بالنقاش حول مستقبل الإنسان الجزائري الذي خرّبه أصحاب قرار تعوزهم العلوم والمعارف.
ملاحظة
أغفل «الخبراء» لغة الإشارة التي قد تكون الأنسب للجزائريين، لأنها لا شرقية ولا غربية أي بدون خلفيات وبدون ايديولوجيات.
سليم بوفنداسة