الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

تفكك

لم يعد «العمل السياسي» يهم الجزائريين في هذه المرحلة من التاريخ، وكفت السياسة عن اجتذاب النخب، لذلك لم تظهر وجوه جديدة في الساحة التي تحتكرها الوجوه القديمة التي تتجلى في مواسم الانتخابات لتكرر طقوس الولاء والمعارضة قبل أن تعود إلى كراسيها في صالة الانتظار الكئيبة.
وحين تختفي المؤسسة السياسية الحاملة للأفكار والمشاريع تظهر النزعات البدائية التي تجود بها المبادرة الحرة للأفراد والجماعات وبتعبير أدق السكان الذين يطالبون “بحقوقهم” بقطع الطرقات  أو بتعطيل الخدمات العامة في سلوك بافلوفي أدامه تكرّر المنفعة بعد الاحتجاج والافتقار إلى آليات مشروعة لإشباع الحاجة.
ويضاف إلى هذا التصحر السياسي عدم قيام  مجتمع مدني حقيقي، ما يعني أن المجتمع الجزائري يفتقد إلى “مؤسسات حديثة” تنظمه وتتوقع احتياجاته و تؤطر مطالبه.
ولم تعد الأحزاب والمنظمات قادرة على الاستقطاب والإقناع بعد الموت المعلن لليسار وتراجع التيار الإسلامي، وأصبحت التشكيلات السياسية مجرد سجل يتم استخدامه في المواعيد الانتخابية من طرف “ممارسين” ظهروا أثناء وبعد الحرب الأهلية من صفاتهم أنهم يتقنون التأييد إلى درجة أنهم يؤيدون الشيء ونقيضه. هذه الفئة استباحت العمل السياسي ليس لأنها حاملة لأفكار، بل لأنها ترى في السياسة طريقا إلى منابع الريع، وهكذا تحوّل مقاولون معدّلون جينيا من تزفيت الطرقات إلى تزفيت المستقبل غير آبهين بصرخات السيدة التروتسكية الحائرة التي تحذر من تلويث السياسة بالمال وتطالب بفطم الأثرياء الجدد الزاحفين إلى مقدمة المشهد.
ولن نكون، في وضع كهذا، في حاجة إلى اجتهاد كبير لتوقع النتائج الخطيرة لغياب الأفكار السياسية  وغياب النخب وما يرافق ذلك من تيه اجتماعي وتخبط. وقد بدأت بعض الأعراض المخيفة كالنزعات الطائفية و الجهوية و الإجرام المعتد بذاته تظهر إلى العلن في تعبير بليغ عن نكوص إلى مرحلة ما قبل الدولة، وللأسف فإن تعبيرات من هذا النوع لا تُلتقط بشكل جيد من قبل أجهزة رصد المخاطر أو يتم تشخيصها وتأويلها على نحو غير صحيح، كأن يُشار إلى مؤامرة أجنبية ويتم غض الطرف عن الفشل الداخلي أو يُجاب بحل “اجتماعي” على مسألة سياسية.
ملاحظة
حين يفتقد مجتمع إلى البوصلة السياسية يتجاسر غير الفالحين في تعبيد الطرقات على بناء جسور نحو المستقبل.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com