أخذت الأحداث التي عاشتها فرنسا مؤخرا حيزا واسعا من الجدل نشطته النخب في وسائل الإعلام والعامة في شبكات التواصل الاجتماعي. وحتى وإن كان النقاش يتناول في الغالب التهديدات التي تمس بمبادئ الحرية و اللائكية في هذا البلد إلا أنه سمح بالتعبير عن المسكوت عنه وبات مثقفون فرنسيون يصرّحون علنا بأن مشكلة فرنسا تأتي من الإسلام والمسلمين، وليس فيليب تيسون وحده من نطق بذلك فقد سبقه إيريك زمور وبرنار هنري ليفي اليهوديان القادمان من الضفة الجنوبية إلى التحذير من خطر الإسلام على هوية فرنسا وكذلك فعل فينكلكروت الذي يقدم نفسه كحارس للنقاء العرقي في بلاد الحرية التي يخشى عليها ويلبيك من رئيس مسلم.
والإيجابي، هنا، أن النخب عبّرت عن المضمر في فرنسا متجاوزة الخطاب السياسي الذي يكتفي بالتلميح ويحجم عن التصريح وربما تكفلت بتدبير مقدمات سياسة جديدة، يخشى المتفائلون أن تكون منتوجا متطورا لمصانع الاستعمار العتيقة.
ما تودّ فرنسا قوله أنّها لا تريد التفريط في هويتها المسيحية اليهودية ولا تريد للمسلمين مهما كثر عددهم أن يشهروا هويتهم إلى جانب الهوية المكرسة منذ قرون. و من حق فرنسا أن تفعل ذلك، فنحن أيضا نفعل ولا بدّ أن نعترف أن أصوات المسيحيين واليهود غير مسموح لها بالارتفاع في العالمين العربي والإسلامي ولا نملك أمثلة معاصرة عن تجارب في التعايش.
لكن فرنسا مدعوة إلى أخذ الواقع الاجتماعي الذي أفرزته سياساتها القديمة بعين الاعتبار، فالقادمون إليها هم نتيجة للاستعمار الذي هجّرهم من بلدانهم ثم ساهم في عرقلة قيام دول حقيقية تغنيهم عن سواها، بعد ذلك.
وبالطبع فإن وضع البلدان العربية والإسلامية ينعكس على جالياتها، فالدول التي لا تستثمر في الدياسبورا ولم تفكر في تحويل مهاجريها إلى سفراء "يفاوضون"على مكانة لها في مسرح أممي تحرّكه القوة ستجد نفسها خارج المسرح في نهاية المطاف.
ملاحظة
من الصعب حقا دراسة مجتمعات تستثار برسم كاريكاتوري وتطمئن في وضع كاريكاتوري منذ مئات السنين.
سليم بوفنداسة