سارت فرنسا وسار معها العالم احتجاجا على الهجوم المسلح على صحيفة «شارلي ايبدو»، والمسيرة هنا قد تكون إدانة جماعية لفعل قتل يستدعي الإدانة مهما كانت دوافع القاتل ومقاصده. وهاجت وسائل الإعلام في تضامنها مع الصحيفة ولم تجد حرجا في ردّ من قدّمتهم “الرواية الأمنيّة الفرنسيّة” كقتلة إلى أصلهم ودينهم، وتزامنت الواقعة مع نقاش حاد في الساحتين الإعلامية والثقافية الفرنسية حول الوجود الإسلامي في البلد بعد نشر رواية “خنوع” لميشال والبيك وكتاب “الانتحار الفرنسي” لايريك زمور وما صاحب صدورهما من تهويل إعلامي وتخويف من وجود العرب والمسلمين في فرنسا وأثر ذلك على مستقبل الجمهورية كما تريدها النخب اليهودية المهيمنة في بلاد الحرية، مستقبل قد يحمل رئيسا اسمه عباس إلى قصر الاليزي، ولأن فرنسا ليست أمريكا التي يصبح فيها ابن راعي ماعز كيني رئيسا لأنه استحق ذلك، كان لا بدّ من قتل الحلم في أوله بإعادة المسلمين إلى جنوبهم مثلما يقترح ايريك زمور القادم من الجنوب والذي تجيز له ديانته اليهودية ما لا تجيز لغيره.
وحتى وإن طبع الحذر والاعتدال التصريحات الرسمية، إلا أن التوجه العام بات واضحا وصريحا يشير بأصبع السّوء إلى العرب والمسلمين.
وبالمختصر غير المفيد، لقد أصبح عرب ومسلمو فرنسا مشكلة، ولنترك الخطاب المجامل و الديماغوجي جانبا، لأن اللغة الرسمية المهذبة لا تنجح دائما في إخفاء ضيق الصدور. ولا نحتاج هنا إلى التأكيد على أن “الجزائريين” معنيون أكثر من غيرهم بالمشكلة.
والسؤال المطروح: ماذا تريد فرنسا ؟ ولماذا تهجو، الآن، أطفالا هي من استقدمت آباءهم لخوض حربين والعمل في المصانع والمناجم وبناء الطرقات؟ أو دفعتهم إلى الهروب إليها بعد أن حاربتهم في بلادهم لأزيد من مئة وثلاثين سنة وهجرتهم من أراضيهم ؟
الاستعمار هو أصل المشكلة ومن العنف الاستعماري تنحدر جينات العنف الذي يميز الجزائريين في الجزائر وفي فرنسا وأخوتهم القادمين من المستعمرات السابقة واللاحقة. وتضاف إلى ذلك محاولات الهيمنة على الدول الوطنية بعد الاستقلال واحتقار الجاليات ما أججّ الأحقاد الكامنة تحت رماد الوقت.
نعم، المشكلة فرنسية أولا و أخيرا وقد تعني، أيضا، القوى الاستعمارية التي تسعى في أيام الله هذه إلى تبني نمط جديد من الاستعمار، سواء بالغزو المباشر أو بالإخضاع كما هو حاصل مع دول تريد الإبقاء على استقلالها الشكلي.
ملاحظة
قد تنجح القوى الاستعمارية في بسط نفوذها مجددا على فرائسها الدائمة، قد تنجح في نهب الثروات لإشباع جوعها وجشعها، لكنها لن تهنأ أبدا بذلك، لأنها ببساطة تصنع بسلوكها ذلك «الإرهابي» الذي يضرب في مناطق موجعة في وقت غير معلوم.
سليم بوفنداسة