الجمعة 18 أفريل 2025 الموافق لـ 19 شوال 1446
Accueil Top Pub

ستنام في شرشال

اختارت آسيا جبّار أن تنام في شرشال، عكس محمد ديب الذي فضّل برد الشمال ومحمد أركون الذي رقد بجوار الجزائر.
فضّلت أن تنام قرب والدها لتطفئ غضبه القديم  من الرياح التي داعبت ساقيها في رحلتها الكونية، ومن الدرّاجة التي أخذتها إلى حيث أحبّت وارتضت.
وباختفاء آسيا جبّار تطوى صفحة من تاريخ الجزائر الثقافي، صفحة  الجيل المؤسّس للرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية، أو ذلك الجيل الممزّق بين هويته الجزائرية ولغة اكتسبها وتحوّلت إلى أداته الرئيسية في التعبير. والمأساوي في وضع هذا الجيل أنه اصطدم بالسلطة الكولونيالية ولم يجد “مكانته” في الدولة الوطنية التي قامت بعد الاستقلال. فاختار محمد ديب المنفى، وواصل كاتب ياسين المقاومة والتمرّد، وتخلى مالك حداد عن الكتابة وانتهى موظفا تعيسا في وزارة الثقافة حتى مات بالصمت والسرطان.
لم تستطع الجزائر المستقلة استيعاب كافة أبنائها، لا سيما النخبة المثقفة، ولم تكن السلطة التي قامت وقتها مستعدة لسماع طيور تغرد خارج السرب، لم تكن مهيأة  لتقبل الاختلاف والتعدد. كما لم يكن المناخ ملائما لبروز كتاب في حجم ديب  أو مفكرين كمحمد أركون. و تحول الساسة و رجال العسكر إلى رموز المجتمع وقادته الذين لا يحتاجون من “المثقف” سوى أن يكون مساندا ومؤيدا و مبشرا برجاحة التوجه. وكان على الكاتب والمثقف أن يختار مجراه، فاختارت آسيا جبار الذهاب إلى العالم مدرّسة مرموقة في فرنسا وأمريكا وروائية انتهت في مجمّع الخالدين في فرنسا، انتساب سيثير الجدل هنا، خصوصا حين تجاهر بأن الفرنسية تحولت إلى لغة روحها وأنها فشلت في تعلم العربية، وربما نسي الغاضبون أن جبّار كانت تتحدث داخل الأكاديمية الفرنسية التي احتضنتها. وربما تأخذ بعض المثقفين الحماسة إلى انتقاد كتاب جزائريين كتبوا بالفرنسية، لتصريح أو لموقف، وينسون أن الفرنسية هي  اللغة النافذة في جزائر اليوم، وأن الذين يكتبون أو يتحدثون بالعربية لا زالوا يثيرون السخرية في الجزائر وليس في فرنسا!
اختارت آسيا جبار أن تنام في شرشال. ستأتي مغمضة العينين، تمسك يد أبيها وتهمس: لم تصبني رياح العالم بمكروه، ها أنا أعود إليك كاملة مكتملة.

سليم بوفنداسة

 

المزيد من الأعمدة

ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com