اختارت آسيا جبّار أن تنام في شرشال، عكس محمد ديب الذي فضّل برد الشمال ومحمد أركون الذي رقد بجوار الجزائر.
فضّلت أن تنام قرب والدها لتطفئ غضبه القديم من الرياح التي داعبت ساقيها في رحلتها الكونية، ومن الدرّاجة التي أخذتها إلى حيث أحبّت وارتضت.
وباختفاء آسيا جبّار تطوى صفحة من تاريخ الجزائر الثقافي، صفحة الجيل المؤسّس للرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية، أو ذلك الجيل الممزّق بين هويته الجزائرية ولغة اكتسبها وتحوّلت إلى أداته الرئيسية في التعبير. والمأساوي في وضع هذا الجيل أنه اصطدم بالسلطة الكولونيالية ولم يجد “مكانته” في الدولة الوطنية التي قامت بعد الاستقلال. فاختار محمد ديب المنفى، وواصل كاتب ياسين المقاومة والتمرّد، وتخلى مالك حداد عن الكتابة وانتهى موظفا تعيسا في وزارة الثقافة حتى مات بالصمت والسرطان.
لم تستطع الجزائر المستقلة استيعاب كافة أبنائها، لا سيما النخبة المثقفة، ولم تكن السلطة التي قامت وقتها مستعدة لسماع طيور تغرد خارج السرب، لم تكن مهيأة لتقبل الاختلاف والتعدد. كما لم يكن المناخ ملائما لبروز كتاب في حجم ديب أو مفكرين كمحمد أركون. و تحول الساسة و رجال العسكر إلى رموز المجتمع وقادته الذين لا يحتاجون من “المثقف” سوى أن يكون مساندا ومؤيدا و مبشرا برجاحة التوجه. وكان على الكاتب والمثقف أن يختار مجراه، فاختارت آسيا جبار الذهاب إلى العالم مدرّسة مرموقة في فرنسا وأمريكا وروائية انتهت في مجمّع الخالدين في فرنسا، انتساب سيثير الجدل هنا، خصوصا حين تجاهر بأن الفرنسية تحولت إلى لغة روحها وأنها فشلت في تعلم العربية، وربما نسي الغاضبون أن جبّار كانت تتحدث داخل الأكاديمية الفرنسية التي احتضنتها. وربما تأخذ بعض المثقفين الحماسة إلى انتقاد كتاب جزائريين كتبوا بالفرنسية، لتصريح أو لموقف، وينسون أن الفرنسية هي اللغة النافذة في جزائر اليوم، وأن الذين يكتبون أو يتحدثون بالعربية لا زالوا يثيرون السخرية في الجزائر وليس في فرنسا!
اختارت آسيا جبار أن تنام في شرشال. ستأتي مغمضة العينين، تمسك يد أبيها وتهمس: لم تصبني رياح العالم بمكروه، ها أنا أعود إليك كاملة مكتملة.
سليم بوفنداسة