استطاع الفنان هشام بومعراف ابن منطقة إشمول بالأوراس، أن يبصم بإبداعه الغنائي والموسيقي في كل مرة يطل فيها على جمهوره بعمل جديد، حيث تميز مؤخرا بفيديو كليب «ماسكولا» وهي التسمية القديمة لمنطقة خنشلة، ونجح الفنان والأستاذ الموسيقي في إبراز حبه وتعلقه بمسقط رأسه من خلال أعماله كتابة وتلحينا.
يتغنى بومعراف، في كل مرة بجمال الأوراس وتراثه، وبالمرأة الشاوية، وتاريخ أرضه، ويزاوج هشام الأكاديمي أستاذ الموسيقى والفنان المؤدي للأغنية الشاوية، بين الطابع الشاوي الأصلي واللون العصري، مضفيا لمسته الخاصة التي يتميز بها في ألبومات أغانيه، على غرار «بابا حفودا»، «دايا دايا» و»زازا».
ويتحدث في هذا الحوار لـ»النصر»، عن جديده وأسلوبه الموسيقي الخاص الذي يوظف فيه جانبه الأكاديمي، متحدثا أيضا عن دور الفيديو كليب في الأداء الفني، ومبرزا تفضيله للكتابة والتلحين على المساس بأصالة الأغاني التراثية.
النصر: ماذا تعني لك ماسكولا (خنشلة) التي تغنيت بها في آخر ألبوماتك؟
الفنان هشام بومعراف: أغنيتي ماسكولا هي عبارة عن فسحة جمالية في سماء خنشلة، المنطقة الملهمة بوجهيها التلي والصحرواي، ما يجعل كل من يزورها ينبهر بجمالها، شخصيا أعتبرها عروس الأوراس.
كيف تقيّم الانتشار والتفاعل مع الفيديو كليب الأخير الذي خصصته لها؟
أراه إيجابيا، وهذا واضح من خلال نسبة المشاهدة وكذلك من خلال التعليقات المشجعة، عندما تجتمع الكلمة مع اللحن و الصورة في آن واحد، تتضح لنا لوحة جمالية متناسقة الجوانب اشتاق إليها الجمهور الذواق الشغوف بالموسيقى الملتزمة والمهذبة في وقت طغت فيه الرداءة، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي.
كيف تصف أسلوبك الفني الذي يتميز عن الطابع الشاوي التقليدي؟
يتميز أسلوبي الفني بدمج العناصر التقليدية مع تجديدات معاصرة، وهذا ما أجسده في جميع ألبوماتي، من خلال تأثير الطابع الشاوي العميق في أعمالي، فدراستي الأكاديمية للموسيقى جعلتني أعمل على إضافة لمسات حداثية، تبرز تفاعل الألوان والتقنيات الحديثة مع الأنماط التقليدية التي تركز على التعبير الفردي والجماعي عن الثقافة والتراث، وذلك دون المساس بأصالة الأسلوب، لأنه لا حاضر دون ماض.
ما الذي يضيفه الفيديو كليب لأدائك الغنائي والموسيقي؟
الفيديو كليب يمثل وسيلة قوية للتعبيرعن الفكرة الفنية بطريقة متعددة الأبعاد، فمن خلاله أتمكن من دمج الموسيقى مع الصورة والحركة، مما يسمح لي بتوسيع نطاق الرسالة التي أريد إيصالها، يمنحني فرصة لتقديم رؤية بصرية مكملة للكلمات والألحان، حيث يمكنني استخدام اللغة البصرية للتعبير عن المشاعر والأفكار بطريقة تختلف عن التعبير الصوتي أو الأدبي.
ويتيح لي هذا الوسيط الفني التنسيق بين الألوان، والزوايا، والإضاءة، والرمزية، مما يُنشي تجربة حسية شاملة للمشاهد، وهذا ما يزيد من تأثير الأغنية أو العمل الفني بشكل عام، ويساهم في جذب انتباه الجمهور بطريقة أكثر تأثيراً، لكي يتعمق الاتصال بين الفن والمشاهد.
يمكنني أيضًا من خلال هذا الشكل، تجربة أفكار جديدة في أسلوب الإخراج والتنسيق، مما يتيح لي اكتشاف آفاق فنية جديدة وتوسيع نطاق إبداعي.
هل إبداعك الفني يشمل اختيار مشاهد التصوير في فيديوهاتك؟
زوايا التصوير أمور تقنية يتحكم فيها صديقي حكيم بلعقون أحسن مني، ولدي ثقة تامة في كل ما يقوم به لأنه متمكن من عمله، ولكن هذا لا يمنعنا من تبادل الآراء والمشاركة في كل صغيرة وكبيرة، مع ذلك يظل الرأي الأخير له في إخراج الفيديو كليب.
هل نفهم من كلامك، أنك لا تستطيع الاستغناء عن الفيديو كليب في أدائك الفني؟
على العكس تماما، يمكنني الاستغناء عن الفيديو كليب كجزء من الأداء الفني، لكن هذا لا يعني أن الفيديو كليب ليس له قيمة إضافية، فالأداء الفني في جوهره يتعدى الوسيلة المستخدمة، سواء كان عن طريق الموسيقى أو الفنون البصرية أو الأدائية، ومن الممكن أن أقدم أعمالًا قوية ومؤثرة دون الاعتماد على الفيديو كليب، خاصة إذا كان التركيز على الرسالة الفنية ذاتها.
الفيديو كليب هو وسيلة مبتكرة تدعم العرض الفني، لأن قوة الفن تكمن في التعبير العميق والرسالة التي يحملها، فقد أختار أساليب أخرى كالعروض الحية أو المشاريع التفاعلية التي تتيح للجمهور ملامسة الفن بشكل مباشر، مما يعزز الاتصال بين الفنان والجمهور، والخلاصة من كل هذا هي أن الأداة لا تهم بقدر ما يهم المحتوى والمشاعر.
ما الذي أضافته دراستك بالمعهد الموسيقي بباتنة لمسارك الفني؟ حدثنا أيضا عن تجربتك في فرقة تافرت؟
تجربتي في المعهد الموسيقي كانت حافلة بالتحديات والإلهام في آن واحد، ففي البداية كانت بيئة المعهد بمثابة مساحة لاكتشاف الذات فنيًا وتطوير مهاراتي في الموسيقى، وتعلمت خلالها تقنيات العزف على الآلات وتطوير الصوت، وكذلك الاستماع بعمق لمختلف أنواع الموسيقى، لكن ما جعل التجربة أكثر تأثيرًا هو التفاعل مع أساتذة وزملاء لديهم شغف كبير بالفن، مما دفعني للبحث والتجربة والابتكار.
وعلى الرغم من مواجهتي لصعوبة في التأقلم أحيانًا مع بعض القوالب الأكاديمية الصارمة، لكني سرعان ما أدركت أن هذه القيود كانت بمثابة تحديات تنمّي إبداعي وتمنحني أدوات قوية للتعبير، وكان المعهد يتيح لي الفرصة لتطوير مهاراتي التقنية، بينما كنت أبحث عن طرق لدمجها مع أفكاري الخاصة وإضافة طابع شخصي يعكس رؤيتي الفنية.
وفي 2006 أسست فرقة «تافرت» فكانت سنوات عمل جادة، تحولت إلى محطات انطلاق حاسمة في مسيرتي الفنية داخل وخارج الوطن، حيث ساعدني كل هذا في اكتساب الثقة وتحقيق توازن بين التقاليد الموسيقية والابتكار الشخصي، والتعريف بالموروث اللامادي لمنطقة الأوراس.
من هو مثالك الذي تحتذي به أو ربما له تأثير في شخصيتك الفنية؟
في الحقيقة أنا إنسان ملم بالفن ولا أقتدي بفنان بعينه. استمع لكل فنان يجمع بين الأصالة والمعاصرة بحيث يستطيع أن يبرز في عمله توازنًا بين التراث والتجديد ويكون بمثابة وسيلة لإنشاء حوار بين الماضي والحاضر، وهذا النوع من الفنانين هو من يلهمني ويجعلني أستفيد من التراث الغني، فأدمجه مع أساليب موسيقية وآلات جديدة تعزز التعبير الشخصي وتجعل الفن أكثر تفاعلية وحيوية.
لماذا لا يعيد هشام أغاني تراثية بلمسته وبصمته الخاصة؟
يعكس السؤال جانبًا مهمًا من العلاقة بين الفنان والتراث، ومن الممكن أن يكون سبب عدم استمرارية بعض الأغاني التراثية بلمسة الفنان الحديثة، هو أن هذه الأغاني تتطلب من الفنان أن يجد توازنًا بين احترام الأصل والابتكار.
وفي بعض الأحيان، قد يكون إعادة إحياء الأغاني التراثية من خلال لمسة شخصية أمرا صعبا، لأن التراث نفسه يحمل قيمًا وأسلوبًا فنيًا خاصًا يصعب التلاعب به بشكل مفرط دون أن يؤثر على جوهره، لكن في الوقت نفسه، يمكن للفنان أن يضفي بصمته الخاصة على الأغاني التراثية، عبر إضافة عناصر جديدة مثل التوزيع الموسيقي المعاصر أو تقنيات الأداء التي تعكس تطور الفن.
بعض الفنانين قد يفضلون عدم المساس بالتراث كثيرًا لأنه يُعتبر جزءًا من الهوية الجماعية والثقافية التي يجب الحفاظ عليها في صورتها الأصلية، وهذا ما يجعلني أكون حذرا في التعامل مع الأغاني التراثية وأحرص في مجمل أعمالي على تأليف أغاني خاصة بي أتركها للأجيال القادمة.
كيف تستمد إلهامك الفني من بيئتك الأوراس التي تتغنى بها في كل مرة؟
الأوراس بالنسبة لي مصدر إلهام عميق يتجاوز كونه مجرد منطقة جغرافية أو طبيعية. فهو جزء من هويتي الثقافية والفنية، حيث يشكل الرابط الحيوي بين الماضي والحاضر، وتعتبر بيئة الأوراس مهدًا للتراث الشاوي الغني، بكل تفاصيله من العادات والتقاليد والموسيقى مما يمنحني زخماً من الإلهام في أعمالي.
ففي كل زاوية من هذه الجبال الشامخة، تجد أنغام الطبيعة التي تتناغم مع نغمة الحنين والذكريات، وعندما أستحضر الأوراس في فني، أرى فيه تعبيرًا عن القوة والصلابة وعن التجذر ومن خلاله، أستمد الكثير من القصص التي يمكن أن تتحول إلى أعمال موسيقية تمزج بين الواقعية والرمزية، إذ يعكس الأوراس الارتباط العميق بالأرض والإنسان في كل تفاصيله.
يمنحني هذا المكان أو ذاك من الأوراس شعورًا بالاستمرار والتواصل مع أجيال تعاقبت على هذه الأمكنة، فالأوراس علمني احترام الطبيعة والتاريخ في كل مرحلة من مراحل عملي الفني، والأوراس ليس مجرد مصدر للإلهام، بل هو روح حية أحتفظ بها في فني وأتفاعل معها باستمرار.
حاوره: يـاسين عـبوبو