ذاع صيت شارع البوراك، الكائن أسفل السوق المغطى، بعنابة، خلال هذه الأيام الرمضانية داخل و حتى خارج الوطن، لتميزه بتحضير البوراك العملاق، الذي يتجاوز سعره مليون سنتيم، ما خلف جدلا وتعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تم انتقاد غلاء سعره، وكذا حشوه المبالغ فيه بمزيج من غلال البحر واللحم والدجاج في نفس الوقت، فيما اعتبرت فئة أخرى تحضير مثل هذا البوراك حدثا جميلا يجب أن يُدون في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، باعتباره أكبر بوراكة في العالم.
روبورتاج: حسين دريدح
النصر توجهت إلى شارع البوراك، لتلتقي بالشيف مامو الذي حضر البوراكة العملاقة ، كانت الساعة تشير إلى الثالثة زوالا، و هو الموعد الذي يشرع فيه باعة «البوراك العنابي» في نصب طاولاتهم تحت أقواس السوق المغطى، المعروف باسم «مارشي الحوت»، في حين توضع طاولات أخرى في الجهة المقابلة من الرصيف.
و تنطلق عملية التحضير والبيع بعد الانتهاء من صلاة العصر، فيتحول الشارع إلى مقصد المئات من المواطنين، سواء للفرجة فقط أو لتقديم طلبياتهم و انتظار تجهيزها، حسب ذوق كل زبون.
و تتعالى طلبات الزبائن بين من يريد «الخاصة» و المحشوة بغلال البحر فكل يختار الحشو الذي يريد، و يختلف السعر حسب المكونات التي يحضر بها الحشو، إذا كانت مضاعفة أو تحتوي على فواكه البحر، واللحم المفروم، و يبدأ السعر من 200 دج للبوراكة العادية، ليصل إلى مليون سنتيم، حسب الطلب.
«مامو» الطاهي الأشهر في تحضير البوراك العملاق
ورغم كثرة محضري البوراك العنابي في الشارع، إلا أن الشيف « مامو» أصبح الأشهر في « مارشي الحوت»، يقصده الزبائن من مختلف ولايات الوطن في رمضان، ليحضر لهم « بوراك سبيسيال». و زادت شهرته بعد نشر روبورتاجات حول تحضيره للبوراك العملاق.
النصر التقت بـ» مامو» أمام طاولته التي يبلغ طولها أربعة أمتار، و التي يعرض فوقها مختلف المكونات التي تدخل في صناعة البوراك، قال بأنه بدأ تحضير البوراك سنة 1980 مع عمه، الذي كان يملك محلا قبالة محطة القطار بعنابة، حيث كان يذهب لمساعدته، و تعلم منه أسرار المهنة.
و عندما بلغ 18 عاما، قرر أن ينصب طاولة بالشارع الذي يقطن فيه مقابل السوق المغطى، لبيع البوراك في شهر رمضان، و بمرور الوقت تحول الشارع إلى مقصد العنابيين مساء لشراء البوراك، و بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار الفيديوهات، استقطب زبائن من مختلف ولايات الوطن، خاصة من ولاية سطيف، لاقتناء البوراك العنابي.
عن سر تميز البوراك الذي يحضره، قال إنه يتمثل في أنواع الحشو التي يقوم بتحضيرها في البيت بلمسته الخاصة، لإضفاء مذاق مختلف عن بقية الباعة المنتشرين بذات الشارع، و أيضا طريقة وضع الحشو على ورق الخطفة أو الديول، حيث يضيف قطعة صغيرة وسط كل ورقة، لتحافظ حبة البوراك على تماسكها ولا يتجمد الحشو داخلها، مشيرا إلى أنه يركز على إضافة غلال البحر للحشو، كالجمبري و الحبار وغيرهما ليكون المذاق مميزا.
60 ورقة «ديول» و حشو لم يسبق استخدامه
تحدث « مامو» الذي حضر البوراك العملاق عن قصته معه قائلا «بدأت ذلك صدفة في رمضان 2021، فقد التقيت بأصدقاء، و هم تجار ألبسة و قماش ومجوهرات و كذا بائعي عملة، و قررنا تحضير بوراكة كبيرة الحجم، بكلفة 6000 دج، مع اختيار المكونات، و تتمثل في حوالي 1ِكلغ لحم مفروم، 200 غرام جمبري، و 1 كلغ دجاج مفروم و مكونات أخرى متنوعة.
تطلب تحضير البوراكة نحو 40 ورقة خطفة، و تم تصوير فيديو عملية طهيها و نقلها مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، و في اليوم الموالي قصد عدد كبير من الأشخاص شارع البوراك، للسؤال عن إمكانية برمجة عملية تحضير أخرى للبوراك العملاق».
و أضاف المتحدث أن أبناء الحي طلبوا منه بعد يومين، تحضير بوراكة أخرى أكبر من الأولى، و صورت عملية التحضير قناة تليفزيونية متخصصة في الطبخ، وتم استخدام 60 ورقة ديول و حشو لم يسبق استخدامه، قيمته تجاوزت 1.3 مليون سنتيم، و قال إنه لم يفصح آنذاك عن التكلفة، تفاديا للتعليقات السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، و تم توزيعها قبيل الإفطار مجانا على الحضور بعد تزيينها بألوان العلم الوطني، و أحدث بث أجواء و مراحل التحضير ضجة كبيرة كما وقع خلال رمضان الجاري، خاصة بعد الكشف عن سعر البوراكة.
وأوضح « مامو» بأن عملية تحضير البوراكة العملاقة، تتطلب دقة و فنيات من حيث وضع الورق، حتى لا تُفتح عند حملها إلى المقلاة، بالإضافة إلى خطوة مهمة جدا، تتعلق بكيفية وضع الحشو، حتى يطهى جيدا من الداخل، نظرا لسمك الطبقة، وتبقى الخطوة الحرجة الأخيرة، حسبه، هي كيفية قلبها إلى الوجه الثاني، نتيجة صعوبة حملها مع درجة حرارة الزيت المرتفعة، التي قد تعرض الشخص للحرق، فيطلب مساعدة شخص آخر.
إمكانية تحضير الزبون لبوراكته
و من أهم ما يميز عملية شراء البوراك بعنابة، إمكانية تحضير الزبون النوعية التي يريد بنفسه، حسب ذوقه، حيث شاهدنا في ذات الشارع عدة زبائن يقفون أمام الطاولات و يمسكون أدوات الطهي و يقومون بحشو الديول، كل حسب رغبته، اقتربنا من أحدهم، فقال لنا» أنا أجد في تحضير بوراكتي متعة كبيرة حسب ذوقي، أقصد هذا المكان يوميا في رمضان، لتكون البوركات التي أحضرها أجمل، لتزين مائدة الإفطار مع عائلتي». و سألنا بعض الزبائن حول الفرق بين البوراك الذي يصنع في البيت، والمحضر في الشارع، فكانت الإجابة موحدة و هي أن بوراك الشارع أفضل من حيث نوعية الحشو و المذاق الشهي.
و لاحظنا أن بعض الأشخاص يشترون البوراك محشوا دون طهي، ليقوموا بقليه في بيوتهم ، قبيل آذان المغرب، لتناوله ساخنا.
أتناء تواجد النصر بشارع البوراك، التقينا بأشخاص قدموا من سكيكدة، قسنطينة، سطيف، قالمة، و قال لنا زبون قادم من سكيكدة «نحن زبائن أوفياء ل»مامو» فهو يحضر البوراك ببراعة، المسافة لا تهم ونحن نجد متعة عندما نشتريه من عنده في رمضان».
عاصمة البوراك
أصبحت مدينة عنابة متخصصة في صناعة البوراك، فأخذ اسمها « البوراك العنابي»، كما أصبح يطلق عليها عاصمة البوراك، و حطمت مؤخرا الرقم القياسي بتحضير أكبر « بوراكة».
و قد اختلفت المصادر في تحديد الانطلاقة الحقيقية لصناعة البوراك العنابي و تطوره، لكن كانت أولى المؤشرات بفتح مطاعم متخصصة في تحضيره، بحشوات مختلفة، و قال لنا عدد من الباعة بأنهم ورثوا الحرفة أبا عن جد، و تطورت، حسبهم، في بداية السبعينيات، و كانت بداية الحكاية من حي ديدوش مراد المعروف « بلاري روز» و جبانة اليهود.
خصائص صنعت شهرته
جاءت شهرة هذا النوع من المقبلات العنابية، من كبر حجمه و مكوناته المميزة، بالاعتماد على مختلف الأذواق، اللحم، فواكه البحر، الجبن، و غيرها ، و هناك من استخدم كيلوغرامين من اللحم المفروم و 30 بيضة لتحضير بوراكة واحدة. و يميز حبة البوراك العنابي العادية عن باقي أنواع البوراك التي تُحضر بمختلف ولايات الوطن، استخدام المكونات منفصلة، و وضع حبة بيض كاملة وسط البوراكة، وهناك من لا يترك حبة البيض تنضج و تقدم سائلة، و تعرف محليا بتسمية «المروبة».
ح.د