عودة الأحياء القصديرية وأكواخ تباع بـ 20 مليونا
تحوّلت ظاهرة احتلال البيوت الهشة والقصديرية، بقسنطينة، عقب عمليات الترحيل، إلى إشكالية لم يستطع المسؤولون المحليون التوصل إلى حلول بشأنها، رغم آلاف عمليات إعادة الإسكان من تجمعات مزرية إلى أخرى حضرية، و التي شملت أزيد 18 ألف عائلة خلال السبعة أعوام الأخيرة، حيث أن أكواخا يُفترض أن قاطنيها رُحّلوا، لا تزال لليوم مأهولة بالسكان في أحياء كالمنية وساقية سيدي يوسف والقماص وفجّ الريح و غيرها، مع ما يصاحب هذا الأمر من عمليات سمسرة بهذه البيوت الهشة، التي أصبحت بوابة للاستفادة من شقق جديدة، بعد شرائها بمبالغ تصل إلى 20 مليون سنتيم.
روبـورتـاج: فـاتح خـرفــوشي
عادت الحياة لتدبَّ في التجمعات القصديرية بحي «مسكين» وجاب الله، وصولا إلى ضفاف وادي الحد، وهي ذات الحال بالمنية وعوينة الفول وشارع قيطوني، بل وشاع بيع الأكواخ المرحَّل أصحابها منذ العام 2012، إلى يومنا هذا، حيث تباع غرفتان إلى ثلاث غرف قصديرية بين سعر 8 إلى 20 مليون سنتيم، وهو ما يتنافى مع القرار السياسي الاجتماعي وراء تشييد مدن جديدة للقضاء على السكن الهش، وجدوى ترحيل الآلاف، فيما لا تزال هذه التجمُّعات المشوهة للمنظر العام قائمة، لعدم هدمها بعد خروج ساكنيها الأصليين وانتقالهم إلى المدينة الجديدة علي منجلي، وماسينيسا.
متخلّفون عن الترحيلات ينتظرون دورهم بحي مسكين
النصر تنقلت إلى حي «مسكين»، وكانت كلُّ مؤشرات الحياة واضحة للعيان، حيث وجدنا مجموعة من الأطفال يلعبون بأحد الأروقة التي بدت شبه مهجورة، ظاهريا، وسط بيوت «الصفيح» المنتشرة على مدِّ البصر، غير أنَّ إمدادات الماء الشروب والكهرباء، وحتى الهوائيات المقعَّرة دلَّت وبشكل واضح على أنَّ البيوت مأهولة، كما حوَّل البعض الآخر مساحات فارغة إلى اسطبلات لتربية المواشي والأبقار.
التقينا جلال بمدخل هذا التجمُّع، وهو ربُّ إحدى العائلات الـ 76 القاطنة بحي «مسكين» و المتخلفة عن عملية الترحيل، إضافة إلى 300 أسرة التحقت مؤخرا بالمنطقة، حيث كان يراقب منزله ويحلم بغدٍ أفضل بعيدا عن فوضى العمران، وخطر الزواحف، وضيق أفق الجدران المتهالكة والمتلاصقة. و يرى جلال أنَّ الخطأ يعود بالأساس إلى الترحيلات المبتورة، حسبه، منذ العام 2011، بعدما استثني العدد الأول المذكور من عمليّة شملت حوالي 80 عائلة، وتواصل ذات القرار في العمليات الأخرى المتتالية، بين سنتي 2013 و2018، بدل القضاء على الإشكال نهائيا وبرمجة إعادة إسكان الأسر المتبقية، وهو ما سمح بعودة شُغل المنازل المهجورة، وغير المهدّمة، خاصَّة من طرف «غرباء» عن هذا الحي.
أكواخ من فئة «5 نجوم» بالمنية!
وأضاف ذات المتحدّث أنَّه عندما تمّ ترحيل العائلات المتخلفة عن العملية الضخمة التي مست الأحياء القصديرية، والسكن الهشّ، لم تقُم السلطات المعنية بتهديم البيوت الشاغرة، وبالتالي أعيد شغلها مباشرة، سواء باقتحامها، أو دفع مبالغ بين 2 و5 مليون سنتيم لملاّكها الأصليين، مقابل منحهم المفاتيح، وهي قيمٌ تصل إلى أضعاف مضاعفة في حال كانت المنازل أكثر اتساعا، ومهيأة.
كما وقفنا في استطلاع على مستوى حي المنية، على وضعية مختلفة، حيث تُعدُّ البنايات المتخلِّفة عن الهدم، والتي أعاد ملاَّكها الأصليون بيعها، بمثابة بيوت ذات «5 نجوم»، إلى درجة أن بعضها ذات طابقين، حتى ولو كانت مبنية على مساحة صغيرة، و قد وصل ثمن بيع أحد السكنات إلى سعر 20 مليون سنتيم، لأنها مهيأة و ذات فناء بل أنها تضم أيضا حدائق صغيرة بها أشجار مثمرة، فيما تمَّت عمليات تهيئة شاملة لأكواخ أخرى متضرِّرة بفعل الزمن، أو الهدم الجزئي لها من طرف السلطات الوصية على عمليات الترحيل، حيث تحّولت إلى «شقق» تليق للعيش.
وعلى النقيض من ذلك، لم نجد أثرا لبيوت الصفيح بحي بومرزوق، بعدما كان هو الآخر يضمُّ تجمعا هائلا على حافَّة الوادي المجاور لهذه المنطقة، فيما لا يزال بناء الأكواخ وشغل الأخرى الموجودة أصلا، ظاهرة تنتشر كالفطريات، وهذا على مستوى حي جاب الله وصولا إلى وادي الحد، و ذلك بعيدًا عن أعين البلدية وكذا مصالح الدائرة والولاية.
وسبق لمسؤولي الجهاز التنفيذي ودائرة قسنطينة، أن أصدروا قرارا بهدم السكنات المرحَّل أصحابها مباشرة بعد إخراج الأثاث واللوازم، وهو أمرٌ اتَّخذه الوالي عبدالسميع سعيدون، والقاضي بإنشاء لجنة مختلطة تتكون من مصالح الدائرة والبلدية، وكذا التعمير، إلى جانب ديوان الترقية والتسيير العقاري و الأمن، و تتمثل المهمَّة الأساسية لهذه اللجنة في غلق وتهديم كافة السكنات المرُحِّل أصحابها، بل وإجراء خرجات ميدانية فجائية للإطلاع على وضع الأحياء المذكورة، ومعرفة إن تمَّ احتلالها مجدَّدا، مع التشديد على الشروع في متابعات قضائية ضدَّ المخالفين المقتحمين والشاغلين للبيوت الشاغرة، مع إمكانية الشطب من الاستفادة من كلّ الصيغ السكنية.
آلاف البيوت الهشّة هدمت وأخرى تنتظر
وتبعا للتقارير والإحصائيات الرسمية، فمنذ سنة 2012، أعيد إسكان أكثر من 16 ألف عائلة سكنت أحياء هشَّة بقسنطينة، و ارتفع العدد بما يزيد عن ألفي حالة إضافية، إذ بدأ برنامج القضاء على أكبر هذه التجمعات المشوِّهة للمدينة انطلاقا من «فج الريح» المشيد خلال الحقبة الاستعمارية، بحي الأمير عبد القادر، وترحيل حوالي 1300 عائلة كانت تقطنه إلى شقق لائقة بالمدينة الجديدة علي منجلي، ليشمل أيضا حي القماص ثم الإخوة عباس «وادي الحد»، وحيي جاب الله 1 و2، وهدم ما لا يقلُّ عن 1793 مسكنا هشٍّا.
وفي بداية الألفية الجديدة، تمَّ القضاء على حي «نيويورك» الذي كان يفصل بين حيي دقسي عبد السلام والقماص الشعبي، بفضل عملية ترحيل استهدفت 2000 عائلة، إلى جانب 500 أخرى أسفل حي الإخوة عباس، بـ»القاهرة» تحديدا، وعديد الأحياء القصديرية الأخرى بالفوبور وبومرزوق والمنية.
ويترقَّب قاطنو الأحياء القصديرية بأحياء «مسكين» وبن جاب الله والمنية وسميحة، وأخرى، تجسيد تصريحات رئيس دائرة قسنطينة، عزالدين عنتري، في وقت سابق، و الذي أكد دراسة ملفاتهم بشكلٍ خاص واستثنائي، في إطار القضاء على السكن الهشّ، ولكن بقبعة السكن العمومي الإيجاري، بالنسبة للحالات التي تخلفت عن برنامج القضاء على السكن الهش بعديد النقاط، حيث ستتخذ في حقهم تدابير خاصة خلال عملية الدراسة.
المصادقة على مخطط شغل الأراضي قد تسرِّع الهدم
و طرح أعضاء بالمجلس الشعبي الولائي، خلال إبداء رأي بالموافقة للمصادقة على مخطط شغل الأراضي، ومخطط التهيئة والتعمير، بقسنطينة، بداية العام الجاري، قضية الجيوب العقارية الشاغرة بعد عمليات ترحيل ساكني الأكواخ القصديرية، على غرار المساحة الموجودة بحي الأمير عبد القادر «الفوبور»، والجيوب الأخرى التي من الممكن أن تدرَّ أموالا طائلة على خزينة البلديات والولاية، بعد استرجاعها ضمن مخطط شغل الأراضي، حيت تقدّر بعشرات الهكتارات، إلا أنَّها ظلت غير مستغلة أو مشغولة ببنايات شبه مهدَّمة.
و سبق للوالي عبد السميع سعيدون، أن وعد بتسريع العمليّة بمساعدة المجلس الشعبي الولائي ومختلف الأجهزة التنفيذية، بهدف استغلال الجيوب العقارية الشاغرة في مشاريع عمومية.
ف/ خ