رجال إطفاء وأعوان غابات يحاربون حرائق مهولة منذ خمسة أيام
تتصاعد أعمدة الدخان من قلب غابة شطابة والجبال المحيطة بها ببلدية عين سمارة بقسنطينة، وتظهر جليا من عدة مناطق، منذ أمسية الجمعة الماضي، فالنيران المشتعلة، مضت عليها 5 أيام دون أن تنطفئ، رغم الجهود الجبارة التي تبذلها مصالح الحماية المدنية و محافظة الغابات، و ما تم تجنيده من إمكانيات بشرية و مادية لإخماد ألسنة اللهب التي أتت على الأخضر و اليابس، ملتهمة عشرات الهكتارات من الأشجار، على مستوى هذا الغطاء النباتي الكثيف ذي التضاريس الوعرة.
النصر توجهت، صبيحة أمس، إلى غابة شطابة، أين اقتربت كثيرا، من خط النيران المشتعلة، و وقفت على صعوبة إخمادها من قبل رجال الحماية المدنية وأعوان محافظة الغابات، كما عاينت مخلفات الحريق، الذي حول مساحات شاسعة من أشجار الصنوبر والبلوط والدردار، وغيرها من الأنواع إلى رماد، فيما اضطرت بعض العائلات إلى مغادرة مساكنها، خوفا من وصول النيران إليها.
الغابة تكتسي السواد ومساحات شاسعة يغطيها الرماد
على الطريق الرابط بين قسنطينة وعين سمارة، كانت أعمدة الدخان تتصاعد من بعيد، من عدة أماكن بالغابة التي كنا نتوجه نحوها، قبل أن نسلك الطريق الضيق المؤدي إليها. في البداية لم تكن آثار الحرائق ظاهرة، فالمكان الذي دخلنا منه، لم تصله النيران على ما يبدو، غير أننا سرعان ما وصلنا إلى الأراضي التي مرت منها، مخلفة ثوبا أسود من الرماد اكتسته الغابة، بدل اللون الأخضر الذي كان يغطيها، و قد بدا المشهد محزنا، فالمئات، بل الآلاف من الأشجار، تحول لونها إلى الأسود، واختفت أوراقها المخضرة، تماما فيما كان الدخان لا يزال يتصاعد منها، و بدت الأرض ملتهبة من حولنا، فالحرارة كانت لا تحتمل، حيث تجاوزت الأربعين بدرجات.
رجال في الميدان منذ خمسة أيام
واصلنا تقدمنا لنصادف فوجا من رجال الحماية المدنية يستريحون من عناء ليلة قاسية في أحراش شطابة، حيث كانوا يوقفون شاحناتهم في مكان ظليل ويفترشون الأرض تحت الأشجار، و قد بدوا منهكين جدا، والعرق يتصبب منهم، ووجوههم وبزاتهم تكتسي السواد، وكل واحد منهم يحمل قارورة ماء، يحاول أن يطفئ بها ظمأه، اقتربنا منهم لنستفسر حول التطورات الحاصلة في المكان، فأخبرونا بأنهم متواجدون في الغابة لإطفاء النيران، منذ ليلة يوم الجمعة الماضي، وبأنهم لم يخلدوا للراحة منذ ذلك الحين، حيث يستريحون لوقت وجيز، قبل أن يعودوا لمحاربة ألسنة النار.
احتراق 120 هكتارا من الأشجار و إنقاذ طفل من موت محقق
واصلنا المسير لنلتقي بفوج آخر من رجال الحماية المدنية، ومعهم أعوان من محافظة الغابات، قبل أن يصل مدير الحماية المدنية و مدير محافظة الغابات لولاية قسنطينة، اللذين كانا يقفان على عملية الإطفاء، و يتجولان بين النقاط المختلفة، لمعاينة الصعوبات، وكذا ما تم القيام به في الميدان. وقد تحدثنا إلى المكلف بالإعلام بمحافظة الغابات لولاية قسنطينة زقرور علي، و الذي أكد لنا بأن حريق غابة شطابة الذي نشب ليلة الجمعة 2 أوت، قد تمت محاصرته و إخماده بصورة شبه نهائية، أما النيران التي لا تزال مشتعلة، فهي بقايا ألسنة لهب فقط، مشيرا إلى أن الخسائر التي تم إحصاؤها، كشفت عن احتراق 120 هكتارا من المساحات الغابية، فيما لم تسجل حسبه خسائر بشرية، حيث تم إجلاء 3 أسر، من عائلة «مرمي» بعد احتراق أكواخها، و إنقاذ أحد الأطفال بأعجوبة، بعد أن عاد على أعقابه لجلب أحد العجول الضائعة، كما تم إنقاذ عدة رؤوس أبقار تملكها ذات العائلة، غير أنه سجل احتراق حوالي 2000 دجاجة، كانت داخل بيتين بلاستيكيين، ومئات الربطات من الكلأ.
لا فرق بين النساء و الرجال على جبهة النيران
ما قاله مسؤول محافظة الغابات نفاه الواقع، بعد أن واصلنا تقدمنا لمئات الأمتار فقط، حيث وجدنا النيران مشتعلة بشكل مخيف، و هي تلتهم الأشجار بسرعة فائقة، ونحن على تلك الطريق الترابية نراقب مشاهد النيران المتصاعدة داخل الغابة، وفي أماكن يستحيل الوصول إليها بالسيارة ويصعب الذهاب إليها على الأقدام، مرت من أمامنا شاحنات مسرعة للحماية المدنية كان على متنها بعض الأعوان، الذين ارتدوا أقنعة واقية من النيران، وقد بدوا قادمين من جبهة قتال، و ما هي إلا لحظات حتى مرت عدة شاحنات أخرى، في الاتجاه المعاكس، بعضها تابعة لمحافظة الغابات على متنها أعوان، عدد منهم نساء، حيث كانوا يتبادلون الأدوار في مكافحة النيران، وقد حاولنا التقدم أكثر، غير أن الأمر بدا مستحيلا، فالنيران اقتربت بشكل كبير من الطريق، فيما أصبحت الرؤية شبه معدومة، لأن الدخان صار كثيفا جدا، حيث احمرت أعيننا، وبتنا غير قادرين على النظر بوضوح، أو التنفس بشكل جيد، فقررنا عودة أدراجنا خوفا على سلامتنا، تاركين أعوان الحماية المدنية يقاتلون خلفنا، على عدة جبهات.
إمكانيات محدودة و مخاطرة بالحياة أمام هول الكارثة
و نحن نشاهد رجال الحماية المدنية و كذا أعوان محافظة الغابات و هم يحاربون لإطفاء النار، وقفنا على محدودية الإمكانيات التي يستعملونها، مقارنة بحجم الكارثة، فخراطيم المياه الصغيرة، التي كان الأعوان يضطرون لحملها على أكتافهم وصعود المرتفعات بها، أو اقتحام التضاريس الصعبة من منخفضات وصخور ، وصولا إلى حافة النيران في محاولة إخمادها، بدت لنا وسائل جد بسيطة، في غياب عتاد متطور، كالحوامات التي قيل لنا بأنها ساهمت في عملية الإطفاء، لكننا لم نرها في المكان يوم أمس، ولذلك كانت ألسنة اللهب تتفوق على هذه الوسائل في غالب الأحيان، لتلتهم ما تجده في طريقها من أشجار معمرة، قبل أن تتوقف بسبب انتهاء الأشجار أو وصولها لحواجز طبيعية كالصخور أو مساحات من التراب، فيما كانت بعض الجرافات المتوفرة في المكان، تعمل على صنع خنادق من أجل عزل الحرائق، ومنعها من التقدم أكثر، و قد تم نقل بعض أعوان الحماية المدنية إلى المستشفى بشكل مستعجل، جراء استنشاقهم لكميات كبيرة من الدخان، سببت لهم اختناقا وصعوبة في التنفس، حيث أن البعض تعرض للإغماء، فيما لم يتحمل آخرون درجات الحرارة المرتفعة.
وللإشارة فإن عملية إخماد النيران المشتعلة بغابة شطابة منذ الجمعة الماضي، كان قد جند لإخمادها عشرات الأعوان من الحماية المدنية، و كذا الآليات و الشاحنات، و حوامتان، فضلا عن 45 عون غابات، و رتلان متنقلان من ولايتي أم البواقي و سطيف، حيث تم التحكم إلى حد بعيد في الحريق، الذي اندلع مجددا أمسية الاثنين، فتم تسخير 17 شاحنة تدخل، و سيارتي إسعاف، و 3 سيارات اتصال، فضلا عن شاحنة إنارة، و الرتل المتحرك بقسنطينة، كما تم تجنيد 80 عون حماية مدنية، و شاحنتين ذات صهريج تابعة للبلدية، و كذا 5 شاحنات تابعة لمصالح الغابات.
عبد الرزاق.م