عاش سكان حي المريج بقسنطينة، ليلة بيضاء أول أمس، بعد احتراق جزء من غابة ذراع الناقة، حيث استغرقت مصالح الحماية المدنية وعناصر محافظة الغابات ساعات لإخمادها، كما سخرت كل الإمكانيات المادية والبشرية لإيقاف توغلها باتجاه السكنات التي تبعد ببضعة كيلومترات عن مكان الحريق.
روبورتاج: حاتم بن كحول
وأكدت مصالح الحماية المدنية بقسنطينة، في بيان لها، أنها تدخلت لإخماد حريق بالغابة المذكورة وقامت بعملية الحراسة، حيث سخرت للعملية 10 آليات تدخل وحافلة و3 سيارات اتصال وسيارة إسعاف و55 عونا من مختلف الرتب. وقد أخمدت النيران حوالي الرابعة من صباح أمس، ثم اشتعلت نهارا في نقاط أخرى، قبل أن يتم إخمادها كليا حسب المصالح ذاتها.
و أكد المفتش الرئيسي ورئيس مصلحة حماية النباتات والثروة الحيوانية والمكلف بالإعلام على مستوى محافظة الغابات بولاية قسنطينة، زغرور علي، أن الحريق نشب حوالي الساعة الرابعة من مساء الأحد، وتم إخماده في حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لتتواصل العملية إخماد ألسنة نيران متفرقة بغابة ذراع الناقة إلى غاية صبيحة أمس.
وأضاف المتحدث أن حوالي 35 مواطنا يقطنون في حي المريج المقابل للغابة، تطوعوا من أجل إخماد الحريق الذي أتى على مساحة 40 هكتارا منها 35 هكتارا عبارة عن أحراش و5 هكتارات تتمثل في إعادة تشجير، وأوضح السيد زغرور أن عدم تهاطل الأمطار في الأيام الماضية جعل نبات الديس أكثر قساوة وبالتالي ساهم في انتشار ألسنة اللهب.
"حرق نبات الديس لاستغلاله كعلف للماشية سبب الحريق"
وقال المكلف بالإعلام على مستوى محافظة الغابات بقسنطينة، أن مصالحه سخرت لهذه العملية كل الفرق، مع استمرار مراقبة الوضع في اليوم الموالي، كاشفا أن الحريق يعود إلى إضرام النار من طرف أصحاب المراعي والمواشي في نباتات الديس من أجل إعادة استغلاله كأعلاف للماشية، وأضاف أن نفس السيناريو يتكرر في شهر سبتمبر ولمدة 15 سنة متتالية.
كما أكد المفتش الرئيسي أن المسالك الوعرة تصعب من مهمة إخماد النيران، وعليه تم منح مشروع تهيئة مسلك بطول 7.5 كيلومتر، ولكن المقاول تخلى عن المشروع المبرمج سنة 2018، مؤكدا أنه سيتم فسخ عقد المقاول ومنح العملية لمؤسسة أخرى.
وتنقلت النصر صبيحة أمس إلى غابة ذراع الناقة المقابلة لحي المريج، حيث تمكننا من الوصول إلى مكان الحريق بعد عناء كبير بسبب المسالك الوعرة المؤدية إلى هناك، وفي طريقنا صادفنا بعض مربي النحل القاطنين في حي المريج والذين ساهموا في إخماد الحريق.
وسرد لنا المتحدثون أنهم عاشوا ليلة بيضاء خاصة وأن عناصر الحماية المدنية ومحافظة الغابات، استغرقت ساعات من أجل إخماد ألسنة النار التي كادت تلتهم كل الغابة لولا مساهمة السكان في العملية، وأضافوا أن الحريق نشب في بداية الأمر أسفل جبال كاف لكحل وانتقل إلى منطقة "القراشة" بغابة ذراع الناقة.
انعدام مسالك مهيأة يصعّب من إخماد الحرائق
وأضاف المتحدثون أنهم لا يعلمون سبب نشوب الحريق، مؤكدين أنهم أرادوا المساعدة في إخماده خشية احتراق الغابة، خاصة بعد زحف الإسمنت على المناطق الغابية في قسنطينة، كما ذكروا أنهم يتخوفون أيضا من وصول ألسنة اللهب إلى سكناتهم المقابلة للغابة.
وقال أحد المواطنين، إن انعدام المسالك المهيأة صعب كثيرا من مهمة رجال الحماية المدنية ومحافظة الغابات في إخماد الحرائق، موضحا أن حادثة أول أمس كشفت الصعوبة الكبيرة التي يعاني منها المتدخلون من أجل الوصول إلى مكان الحريق الذي كان يمكن إخماده في ظرف 15 دقيقة عوض ساعات حسبه.
وأكد آخر، أن غابة ذراع الناقة لا تلقى الاهتمام اللازم من المصالح المعنية، حيث تنفق عشرات العصافير يوميا من العطش، بسبب انعدام منابع مائية، كما طالب بتهيئة بحيرات تجعل من المنطقة سياحية بامتياز خاصة وأنها تتوفر على كافة المزايا لتكون مكسبا طبيعيا للولاية.
مربو النحل يسارعون لإنقاذ مربعاتهم
واصلنا بعدها طريقنا ناحية مكان الحريق، ولاحظنا أثناء ذلك أن عشرات المربعات الخاصة بتربية النحل موضوعة بطرق عشوائية، ليخطرنا أحد المربين أنه وبقية زملائه في هذا النشاط، سارعوا لنقل تلك المربعات التي كادت تحترق و وضعوها أسفل الغابة لحمايتها.
بعدها بأمتار نزلنا من المركبة، وسرنا على الأقدام لنلاحظ تواجد عشرات الأرانب، وأكد لنا أحد السكان أن هذه الحيوانات تعيش في العادة بأعالي الغابة ولكن مع احتراق الجزء العلوي فرت إلى الأسفل.
بعد قطعنا لحوالي 5 كيلومترات على مسلك مهترئ تماما، وصلنا إلى مفترق طرقات وكانت كلها مهيأة بمادة "التوفنة"، وهنا تيسر للسائق زيادة السرعة والتوجه مباشرة إلى مكان الحريق، حيث توغلنا بين الجبال عبر طريق ضيق لا يكفي إلا لمرور مركبة واحدة، لنصادف مركبات خاصة بالدرك الوطني، وأحيانا أخرى تابعة لمحافظة الغابات، حيث تقوم عناصر بمراقبة الجبال.
السواد يكسو جزءا من الغابة
ولاحظنا عند اقترابنا من مكان الحريق دخانا يتصاعد من أمكنة مختلفة، وهو ما أثار مخاوف من إمكانية نشوب النيران مرة أخرى في حالة هبوب رياح. واصلنا السير لنجد عناصر محافظة الغابات يقومون بمراقبة الغابة وتحديدا في مكان الحريق، حيث تحول لون مساحة معتبرة من الأعشاب والأشجار من الأخضر إلى الأسود، كما لفتنا أشجار حديثة الغرس أتلفت كليا.
وقال أحد السكان الذي تواجد في المنطقة من أجل المساعدة في إخماد الحريق، إن النيران التهمت جزءا مهما من الأشجار الحديثة، إضافة إلى أشجار "كاليتوس" و"صنوبر" و"فزدق" وهي خسارة كبيرة للثروة الغابية.