22 سنة من التجربة المهنية و الإنسانية في هوامش الصفحة 25
تقول الصحفية فتيحة زماموش في مقدمة كتابها « دفاتر صحفية هوامش الصفحة 25»، الصادر مؤخرا عن دار نشر سارة، « لكل صحفي دفتر ولكل دفتر هوامش، لكل صحيفة 24 صفحة، أما الصفحة25 ، هي الصفحة التي لا تكتب ولا تطبع، هي هامش وكواليس الأحداث و خبايا التغطيات، تلك يتعذر على الصحافي كتابتها في مقالاته الصحفية، يتركها في الذاكرة، فقد يعود إليها يوما ما ليؤثث بها كتابات أخرى»، وهو تحديدا ما حاولت الإعلامية تقديمه، من خلال الإصدار الذي يعتبر ثمرة 22 سنة من الخبرة المهنية و التجربة الإنسانية.
يتكون الكتاب من مئة صفحة مبوبة بشكل متسلسل حاولت الكاتبة أن تختزل في كل فصل منه، جوانب من علاقتها بالمهنة وأن تقدم أوجه التأثير والتأثر، فقد « شدت في مؤلفها خيط كواليس العمل الصحافي وراحت تغزل منه يوميات الصحافي المتمرن و التحديات التي تواجهه، والاختيارات التي يستند فيها الى ضميره و إنسانيته و قربه من معاش المواطن البسيط»، كما قدمها في الصفحة التاسعة من الكتاب الأستاذ عبد العزيز بوباكير، مضيفا بأن المطلع على العمل يشهد على تجربة أنثوية في هذا الميدان الذي قل ما تخوض فيه المرأة و تستطيع أن تستمر مؤمنة بما تفعل».
تستهل الكاتبة كل فصل من الإصدار بمقولة تختزل نوعا ما الفكرة التي تفصل فيها، حيث اختارت في البداية الحديث عن قيمة العمل الميداني وكيف أنه يشكل نواة الصحافة، فتطرقت باختصار لتجربتها في العمل مع عدد من اليوميات الوطنية، مشيرة إلى أن كل التجارب في مجال الإعلام
إيجابية بكل ما تحمله من متاعب و نكسات و أخطاء و هفوات، و حتى التعب الذي أنهك الجسد، لا يساوي شيئا أمام قيمة المهنة، على حد تعبيرها، و التعلم يحتم على كل شخص أن يذوق من كؤوس التعب لسنوات.
فتيحة زماموش لم تكتف بطرح منظورها الشخصي للمهنة، بل حاولت من خلال كتابها أن تنقل المتلقي إلى عالمها الخاص، لتجعله يعيش التجربة الصحفية بكل تفاصيلها و محطاتها، منذ ولادة فكرة الروبروتاج أو التحقيق، إلى غاية إنجازه، مستذكرة في كل مرة خلفيات العمل من أماكن و أحداث و أسماء، و ذلك في محاولة منها لتقديم دروس للجيل الجديد من الصحفيين، لأن الكتاب، كما قالت، يعد جزءا يسيرا من رصيد التجربة اليومية، التي تسعى أن تضعها أمامهم بحلاوتها و مرارتها.
تنطلق رحلة الكاتبة عبر صفحات العمل، من تحقيق بدأ و انتهى في مقهى اسمه «الجزيرة»، يوجد على مستوى إحدى محطات النقل، و هو تحقيق أجرته لصالح جريدة الخبر بإيعاز من رئيس التحرير آنذاك أحميدة العياشي، ثم تنتقل بذاكرتها لتحدثنا عن قيمة «الصفر»، منجم الذهب في الصحافة، ألا وهو الأرشيف.
و لا يخلو الكتاب أيضا من محطات تؤرخ للذاكرة الإنسانية، كقصة «حقيبة الظهر»، و قصة « حوار الطفلة سيدة الأعمال»، و تنقل لنا الكاتبة كذلك جزءا من الخبرات و التراكمات المعرفية التي يحظى الصحفي بامتياز اكتسابها من خلال احتكاكه بمختلف شرائح المجتمع، بداية بالمواطن البسيط و انتهاء عند « طبيبة حكيمة أو وزير، لا يتحدث سوى لغة الأرقام».
الكتاب أرادته صاحبته أن يكون مرآة عاكسة لخبايا قاعات التحرير، أين يفرض الوقت منطقه و يدمن الصحفيون الخبر و الحدث و يصارعون ليتجنبوا الأخطاء و يقدموا عناوين رنانة و أفكارا جديدة في كل يوم، بينما يترنح رؤساء التحرير تحت وطأة ثقل المسؤولية، لإخراج معزوفة تتجدد على رأس كل ساعة أو كل يوم، وفي كل المجالات الإعلامية بما في ذلك الرياضة، و تطرقت زماموش لأسباب انسحاب العديد من الأقلام الصحفية من الساحة الإعلامية، كما قدمت وصفا للعلاقات الإنسانية و المهنية في مجال الإعلام.
و تتضمن هوامش الصفحة 25، إشارة إلى التأثير الذي تتركه الصحافة في نفسية ممارسيها، وكيف أنها تصقل شخصيتهم، و تستوطن قلوبهم وذاكرتهم، سواء ما تعلق بالأحداث التي عايشوها و شهدوها، أو من خلال تجارب تحفر عميقا في داخلهم، وعلى هذا الأساس ارتأت كاتبة العمل أن تبعث في نهايته، رسائل مبطنة تتضمن توصيات هي عصارة سنوات من الخبرة.
هدى طابي