مسرح قسنطينة يستعيد بريقه بحثا عن تصنيف عالمي
سمحت أشغال تهيئة شهدها مسرح قسنطينة الجهوي مؤخرا، بإعادة البريق للقاعة الرئيسية التي تزينها الثريا النحاسية الشهيرة ، التي ظلت معطلة لسنوات، قبل أن يتم إصلاح نظام تحريكها بما يسمح بفتح و إغلاق القبة الحامية لها، ناهيك عن تجديد نظام الإضاءة الثانوي الممتد بشكل لولبي، على ارتفاع الطوابق الثلاثة للركح.
حسب مدير المؤسسة المسرحية أحمد ميرش، فإن عملية التهيئة، جاءت في إطار مبادرة لإعادة الاعتبار للركح الجهوي الذي يعد أحد أبهى المسارح على الإطلاق، و هي خطوة تهدف بالأساس إلى افتكاك تصنيف عالمي، ضمن قائمة أجمل مسارح العالم، خصوصا وأن البناية لا تقل قيمة عن المتاحف، بما تحتوي عليه من تحف جميلة و نادرة يزيد عمر بعضها عن قرنين كاملين من الزمن.
المسؤول قال بأن، مشروع التهيئة، تم بالاعتماد على مقاولات متخصصة، عملت على إصلاح نظام الإضاءة اللولبي و تكييفه مع خصوصية قاعة العرض، إذ اختيرت إضاءة صفراء مدروسة لحماية اللوحات و الرسوم التي تزين الفضاء، وهي عبارة عن جدارية زيتية تضفي سحرا و فخامة على قبة الركح، يقال بأنها أنجزت بريشة الرسام الفرنسي جورج لوفر، و تعد جزءا من ديكور فني متكامل، يضم بالإضافة إلى الرسومات منحوتات تزين الشرفات الخمس الأمامية الخاصة بالجمهور، و هي أعمال أبدع في نحتها الفنان الفرنسي غوستاف جيرمان، بالإضافة إلى النحاتين بيار كورني و غولوك.
أشغال التهيئة، مست كذلك قبة الثريا النحاسية الفخمة التي تزين سقف قاعة العرض، إذ تم إصلاح نظام تحريكها، بما يسمح بفتحها و إغلاقها، و رفع الثريا لتنظيفها و إصلاح أي عطب قد يمسها، و تعد الثريا الفخمة، إرثا هاما بقيمة تاريخية و فنية كبيرة، باعتبارها قطعة أصلية جد نادرة، تتشكل من النحاس و أحجار، يرجح أن تكون من الكريستال، كما يذهب إليه الأستاذ غرناوط، الباحث في تاريخ المسرح، و تكمن خصوصية الثريا، في أنها كانت تشتغل عن طريق الغاز، قبل أن يتم تزويدها بنظام كهربائي حديث، خلال آخر عملية صيانة مستها، إذ تطلب العمل عليها قرابة 60 ساعة، بعد أن توقفت لخمس سنوات كاملة.
يذكر أن بناية المسرح الجهوي لقسنطينة، دشنت رسميا سنة1883 ، بعد 22 سنة كاملة من الأشغال، حيث تمتد على مساحة 1568مترا مربعا ، و تكمن خصوصية هذا الصرح، في أنه نموذج عن دور الأوبرا الأوروبية، وقد بني مكان ثكنة للجيش الانكشاري العثماني، و أنجز وفق النمط الكلاسيكي الإيطالي.
حسب المهندس ميلود بن زردة، فإن الفضاء الداخلي لمسرح قسنطينة ، هيئ لاستيعاب 450 شخصا، هو عبارة عن نسخة مصغرة عن الأوبرا الوطنية بباريس.
يتميز ركح محمد الطاهر الفرقاني ذلك بما يحتوي عليه من تحف، على غرار ستار «ستار أرلوكان»، وهي قطعة فنية نادرة و فريدة في الجزائر، ثبت خلال العشرينيات من القرن الماضي، و لا يسدل إلا في المناسبات، نظرا لقدمه، و هو عبارة عن لوحة زيتية تصور ستارا مخمليا فاخرا، وسطه ثقب صغير، يمكن الفنان من مشاهدة الحضور داخل القاعة، قبل انطلاق العرض، كما جرت العادة في المسارح الكبرى، و قد أهمل الستار لقرابة 30 سنة، و تضرر بشكل ملحوظ، قبل أن يرمم سنة 2018 .
مدير المسرح، قال بأن مشروع التهيئة موسع و مستمر، بالاستعانة بمتخصصين في مجال الترميم و الصيانة، وسيكون فرصة لاستخراج كنوز البناية و عرضها أمام الجمهور الواسع، بما في ذلك لوحة الإضاءة القديمة الخاصة بمصابيح الركح، وهي واحدة من القطع القديمة و النادرة في العالم، حيث يعود استخدامها إلى بدايات عشرينيات القرن الماضي، و هي عبارة عن جهاز بحجم بوابة، مجهز بلوحة مفاتيح تعمل وفق نظام يدوي، يتحكم في مجموعة من المصابيح المثبتة على لوحة أخرى، تعلق عادة فوق منصة العرض.
هدى طابي