دعوة لإدراج التربية الفنية ضمن مناهج التربية و التعليم
تعرف الأنشطة المسرحية الموجهة للطفل برمجة مكثفة في السنوات الأخيرة، خصوصا خلال فترات العطل، و بين التهريج و ما يقدمه المسرح من قيم تربوية، يوجد خيط رفيع يؤكد مختصون، بأنه يجب أن يقطع، لأجل أن نخيط به عباءة مسرحية حقيقية، تناسب مقاس الطفل و تحميه من كل التأثيرات النفسية والأخطاء التربوية التي قد تعيق مشروع تنشئته، و تشوه علاقته بالفن و بالثقافة عموما، لأن الركح يعتبر، حسبهم، من بين وسائل التربية و تهذيب الذوق، وهو ما يبرز أهمية إدراج مادة التربية الفنية في المناهج التعليمية، و توسيع دائرة اهتمام الجامعة بالنص الموجه للطفل، بكل ما يتضمنه من قيم و مفاهيم مجتمعية.
هدى طابي
* عبد السلام حداد أكاديمي وكاتب مسرحي
المسرح المدرسي محطة هامة لتهذيب الذوق العام
قال عبد السلام حداد، أستاذ بالمعهد الوطني العالي لإطارات الشباب بولاية قسنطينة، بأن هناك نية حقيقية للتأسيس لمسرح الطفل في الجزائر، والمرحلة الحالية تتطلب، حسبه، تركيز كل الجهود لإرساء ثقافة الركح، داعيا إلى اعتماد المسرح كنشاط قار في المدارس، لسببين، أولهما ملء الفراغ الناجم عن غياب مادة التربية الفنية، و الثاني تهذيب ذوق الطفل و تعليمه مهارات النطق و الإلقاء، فالمسرح، كما أوضح، يعد وسيلة تربوية و تعليمية كذلك.
الكاتب المسرحي، قال، بأنه يتعين، في هذا الإطار، إدراك الفرق بين مسرح الطفل و مسرح الكبار، وفهم الدقة التي يتطلبها إنتاج عمل موجه لفئة الصغار، فهي عملية تستدعي الاستعانة بمختصين في العلوم التربوية و علم النفس كذلك، لأجل تأطير النص و التحكم في الإخراج و في المؤثرات، على اعتبار أن لكل تفصيل من هذه التفاصيل، تأثيرا مباشرا على مكتسبات الطفل، و على نفسيته.أما في ما يخص اللغة و محتوى ما يقدم من نصوص على مسارحنا، فيعتبر المتحدث، بأن المنتج الحالي لم يرق بعد إلى جماليات أبي الفنون، و السبب هو السطحية في التعامل مع مسرح الطفل عموما، وهو من المآخذ التي يجب تصحيحها إلى جانب الوعي بالمسؤولية الملقاة على عاتق الكتاب و المخرجين، لأجل تحسين منتجاتهم المسرحية لتتناسب مع القيم التربوية التي يتعين تقديمها لجمهور الأطفال، فالحديث عن مسرح حقيقة يخدم الغرض منه، يلزمنا بإيجاد حل لإشكالية شح النصوص الجادة، كما عبر، ناهيك عن التحكم في الإخراج و السينوغرافيا، بما يراعي مستوى إدراك الطفل، لكي ينسجم نموه العقلي والانفعالي و الوجداني مع ما يقدم له، بحيث يتمكن من إدراك الرسائل التربوية و الجماليات الفنية، لما يشاهده على الركح، لأن علماء النفس و التربية قسموا تطور نمو الصغار إلى مراحل، تتشكل في كل واحدة منها جزئيات مهمة في شخصية الطفل. بمعنى أنه من الخطأ مثلا، أن نقدم لطفل بعمر الثالثة، عملا يتضمن أبعادا رمزية، تشتت إدراكه للأمور.
حسب الكاتب و الأستاذ الجامعي، فإن جزءا كبيرا من مسؤولية تشكيل الوعي الفني و الإدراكي عند الطفل تقع على المدرسة، وهو تحديدا ما يتطلب إدراج التربية الفنية والمسرح على وجه الخصوص في المنهاج التعليمي، لأن المنظومة التعليمية والتربوية هي مؤسسة للتنشئة الاجتماعية و لتكوين الفرد داخل مجتمع، و المنظومة التي لا تعير الاهتمام الكافي أو اللازم للقيم الجمالية، سوف تنشئ فردا فاقدا لهذه القيمة، وهو خطأ كبير وقعت فيه المدرسة الجزائرية، ما أفرز بالمقابل، نوعا من القطيعة بين الفرد الجزائري و بين المسرح و الفن عموما. كما شوه الفهم الخاطئ للمسرح من صورته في نظر الكثيرين و ربطه في أذهانهم بالاسكاتشات و التهريج، لهذا فإن المسرحيين يعانون من غياب الجمهور و من العزلة الفنية، كما قال الباحث، مضيفا بأن برمجة التربية الفنية مادة تعليمية في مناهجنا من شأنه، إعادة ضبط بوصلة الفن و توجيهها بالشكل الصحيح، الذي يخدم اتجاهات فنية عديدة، بداية بالمسرح، و مرورا بالفن التشكيلي و الموسيقى، وكلها مكاسب سوف تصب في فائدة المجتمع و تساعد على ترقية الذوق العام و تهذيب الفرد.
* مراد جغري مستشار بديوان مؤسسات الشباب
الرقابة على العروض ضرورية لحماية نفسية الطفل
أوضح مراد جغري، مستشار بديوان مؤسسات الشباب بقسنطينة، بأن مسرح الطفل مرتبط بمجموعة من الشروط و الميكانيزمات، لذلك لا يمكن القول بأننا نملك في الجزائر مسرحا خاصا بالطفل، فما هو موجود لا يعدو جانب التنشيط، على اعتبار أننا لم نبلغ بعد مرحلة العمل على الأهداف التربوية و الفنية والجمالية التي يتطلب تحقيقها شروطا، أبرزها التكوين الأكاديمي للعاملين في هذا الحقل، إلى جانب التركيز فعليا على تنمية الذوق ، لذا هذه الشريحة من المجتمع، باعتبارها صناع المستقبل، فالمسرح الذي نتحدث عنه أداة تنشئة حقيقية، من شأنها أن تنمي القدرات الفكرية و المجال الإدراكي للصغار، وهي مكاسب لا تتحقق إلا بتوفر النص المناسب و فرض رقابة دقيقة على كل مراحل إخراجه.
محدثنا، قال بأن ما يتوفر على مسارحنا من نصوص في الوقت الراهن، هي بالأساس نصوص تنشيطية، هدفها التسلية، و لا نملك بعد نصوصا مدروسة من النواحي التربوية و النفسية والاجتماعية و الجمالية، يمكن أن تقدم لنا عروضا متكاملة، بعد أن يتم إخراجها بصورة جيدة، تخدم الغرض منها و هو التربية و التوجيه بالدرجة الأولى ومن ثم التسلية، كتحصيل حاصل.
وأضاف مستشار الشباب، بأن الإخراج كذلك يلعب دورا كبيرا في العملية ككل، لأن هناك جزئيات تستوجب الدقة بداية بالسينوغرافيا و الموسيقى و الدلالات اللونية و مدى تأثيرها على نفسية الطفل، و هناك على سبيل الحصر بعض العروض التي قد تسبب للطفل الاكتئاب، لذلك من الضروري الانتباه لكل تفصيل مهما كان، بما في ذلك التمثيل، خصوصا تمثيل الكبار للصغار، لأننا هنا نخاطب المجال الإدراكي للمشاهد. ويرى المتحدث، بأن مشكلتنا في الجزائر تكمن في غياب مدارس أو معاهد متخصصة في تكوين صناع مسرح الطفل، و لا نزال نعتمد على التجارب المستقلة، بدل التكوين المتخصص في الجامعات، و حتى المهرجانات الوطنية، حسبه، لا يمكن أن تقدم الكثير للمسرح، في حال لم تكن هناك متابعة و تواصل وتفاعل بين القائمين عليها.
* عبد المنعم بريكي مسرحي و منشط
نقص التكوين و التمويل يعيق ترقية عروض الطفل
حسب عبد المنعم بريكي، مسرحي و عضو فرقة ركح البهجة و مربي بقطاع تنشيط الشباب بولاية تقرت ، فإن كل مساعي ترقية مسرح الطفل في بلادنا، تصطدم بعائقي التكوين و ضعف التمويل، فالاهتمام بالعروض الموجهة للصغار، أقل بكثير مما تتطلبه عملية إنتاج نصوص جيدة، فغالبية الفرق الشبانية لم تتخط بعد مرحلة النشاط الهاوي إلى مستوى الاحتراف، بسبب غياب الإمكانيات المادية التي تجعل التكوين صعبا والانتقال بين المدن و المسارح و توفير الوسائل أصعب، فالمشاركة في الأيام التكوينية، تتطلب ميزانية معينة، تفتقر إليها معظم الجمعيات الشبانية. ورغم الإقبال المتزايد على المسرح من قبل الأطفال، و الاهتمام بفرق التنشيط، إلا أن هذه المؤسسة لا تزال معزولة اجتماعيا، خصوصا في المناطق البعيدة، كولايات الجنوب، و ذلك بسبب ضعف الإمكانيات و مستوى المعيشة، مع ذلك فإن هناك إدراكا متناميا من قبل الأولياء، بدور المسرح في تلقين مهارات التواصل وتطوير الملكة اللغوية عند الطفل، مع تعزيز الثقة بالنفس.