الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

فنانون و مخرجون يتحدثون عن التجربة

أنسنة الشخصية التاريخية مهمة لنجاح أي عمل

يرى ممثلون سينمائيون و مسرحيون، لبسوا ثوب الشخصية التاريخية في التليفزيون والسينما والمسرح، أن تقمص هذه الأدوار تكليف كبير و مسؤولية تستدعي بالدرجة الأولى جهدا فرديا و بحثا معمقا، فهذا النوع من الأدوار لا يعتمد فقط على السيناريو، بل يتطلب من الممثل التماهي في الشخصية إلى أقصى الحدود  ومحاولة تقليدها بشكل كبير.وتستوجب هذه مهمة حسبهم، البحث في جوانب متعددة من حياة البطل، و محاولة فهم تركيبته النفسية و الاجتماعية وطريقة تفكيره، لأجل تقمص الدور و تحقيق شرط الإقناع خصوصا وأن قيمة هذا النوع من الأعمال، تمكن كما قالوا في التوثيق فنيا لحياة شخصيات قدمت الكثير للوطن وللإنسان عموما، كما تميط اللثام عن جوانب خفية من التاريخ و تقدمه للغير و تلقنه للأجيال الصاعدة.

أسماء بوقرن

* الممثل محمد الطاهر زاوي
المثالية تقتل الشخصية التاريخية وتعزلها عن الجمهور
يرى الفنان محمد الطاهر زاري، صاحب دور أحمد باي في الفيلم السينمائي «أحمد باي»، الذي صور سنة 2018، أن للإنتاج السينمائي التاريخي دور في عملية التأريخ، لكن شريطة أن يستوفي شروطا معينة ترتبط بهذا النوع من الأعمال، على غرار طبيعة السيناريو و انتقاء الممثلين المناسبين، فضلا عن اللمسة الإخراجية.
 وقال، إن أداء مثل هكذا أدوار، يعد إضافة حقيقية لمسيرة أي فنان، خصوصا إن هو نجح في تقمص الشخصية وهو أمر يرتبط بالخبرة و الموهبة معا، حيث تم اختياره لأداء دور أحمد باي، بناء على خبرته و ليس انطلاقا من التشابه الفيزيولوجي كما يعتقد كثيرون، وهو تفصيل يرى بأنه ليس بذات أهمية الأداء في حد ذاته، خاصة فيما يتعلق بتمثيل الشخصيات التي لا يملك المشاهد صورة معروفة لها.
مع ذلك يبقى فريق الإنتاج مقيدا حسبه، ببعض الشروط المتعلقة بالمظهر كلون البشرة و طول القامة، وهي تفاصيل يمكن التحكم فيها بفضل المكياج الفني و المكياج التاريخي الذي يسهل استنساخ ملامح الشخصية، موضحا بأنه في فيلم أحمد باي مثلا، تم الاعتماد فيه على فريق إيراني محترف في هذا المجال، لمقاربة شكل الشخصية من صور الباي المتوفرة. و أضاف، بأن التحضير لهذا الدور يختلف تماما عن بقية الأدوار، إذ يبدأ العمل على الشخصية بعد استلام السيناريو حيث ينطلق الممثل في جمع المراجع و إجراء بحث معمق بالاعتماد على وثائق تتحدث عنها وتصفها وتصف سلوكها وقراراتها، وغالبا ما يصطدم الممثلون وحتى المنتجون هنا بشح المصادر، التي تقدم توصيفا جسديا  للشخصية و تقدم تصورا عن طريقة الكلام و نبرة الصوت،  بعيدا عن الإنجازات. أشار الفنان، إلى أن هذا البحث هو مقدمة تتطلبها ضرورة الإحاطة بكل الجوانب المتعلقة بالشخصية قبل الانتقال إلى مرحلة الالتزام بمحتوى السيناريو الذي يتناول بالعموم المسار النضالي للبطل، بمعنى أن الجهد الذي يبذله الفنان قبل بداية التصوير، مهم جدا لمنح الشخصية حقها وإعطائها ثقلا، وفي فيلم أحمد باي، أوضح زاوي، بأن هناك مشاهد خصت الجانب الإنساني للحاكم، خاصة  مشهد وفاة والدته أين حاول جاهدا، أن يعيش نفس المشاعر و يترجمها من خلال الأداء الذي قدم الباي ضعيفا أمام مصابه، رغم كونه شخصية قيادية عسكرية، نادرا ما تظهر العاطفة.
محدثنا قال بأن الممثل لما يسند له دور شخصية تاريخية لا تتوفر حولها مراجع، يجد أريحية و هامش من الحرية في الأداء، كما باستطاعته تقديم إضافات بما يتوافق و طبيعة الشخصية، لكن في حال توفر معلومات كثيرة فالجهد يكون مضاعفا و المسؤولية تكون أثقل، اذ يجد الممثل نفسه مقيدا حتى في تقليد تعابير الوجه و طريقة الكلام، و أضاف في ذات السياق بأنه تبقى مسؤولية أداء دور الشخصية التاريخية مشتركة بين كاتب السيناريو الذي يتحمل جزءا أكبر و كذا الجهة المنتجة و يأتي بعد ذلك الممثل الذي يحمل الصورة المكتوبة للواقع.
وبهذا الخصوص، قال الممثل، بأنه من غير المقبول فنيا أن نعري الشخصية التاريخية من جانبها الإنساني ونقدمها فقط  كشخصية مثالية كاريزمية لا تعرف الخطأ، بل يفترض حسبه، أن نجسد أي دور بكل ما يحمله صاحبه من صفات و بما في ذلك جوانب الضعف، كي لا نؤثر على واقعية العمل ونمنحه بعدا جماليا يقرب الشخصية من الجمهور، مشيرا إلى إظهار الضعف مثلا، لا يعني تقديم صورة سلبية عن الشخصية أو الانتقاص من قيمتها، وإنما هو ضروري لأنسنتها  بوصفه المعني فردا قد يخطئ أو يصيب في حق غيره و في اتخاذ القرارات أيضا، هو عامل مهم يضاعف تعلق المشاهد به، ما يساعد على إنجاح العمل.
 وأوضح، أن العاطفة هي ما يقرب الشخصية للمشاهد، وهو أمر لا نراه كثيرا في الأعمال الجزائرية من هذا النوع، والتي غالبا ما تجنح إلى تقديم الشخصية التاريخية بطريقة مثالية ومركزية تقزم أدور المحيطين بها و هو ما يتعارض حسبه، مع المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الممثل و فريق العمل.
و فيما يتعلق بأهمية الإنتاج التليفزيوني و السينمائي و حتى المسرحي من هذا النوع، قال الفنان، بأن للأمر علاقة بالتوثيق بالصوت و الصورة لحقب تاريخية بأكملها، وما لذلك من فائدة في تلقين التاريخ للأجيال، لأن الأداء على الشاشة أو الركح يرسخ في الذهن أكثر من المحتوى المكتوب، و فيلم «الرسالة» خير دليل، لذلك تسعى الدول إلى تسجل تاريخها عن طريق السينما، نظرا للتأثير الكبير للصورة على المشاهد، مضيفا، بأن تاريخ الجزائر ثري و كبير، و يمكن استغلاله في إنتاج أعمال ضخمة، و الارتقاء بمستوى السيناريو و الأداء تكريما للذاكرة و لتقديم صورة حقيقية للعالم عن تاريخنا المجيد، وذلك يعتبر إنتاج فيلم واحد في ظرف خمس سنوات كافيا، إذ تم وفق معايير فنية مدروسة.

* الممثل و المخرج كريم بودشيش  
السيناريو وحده لا يكفي
يؤكد الممثل و المخرج المسرحي كريم بودشيش، بأن الأدوار العادية تختلف تماما عن الأدوار التاريخية، التي تعتبر تكليفا للممثل لا تشريفا له، لكونه مطالبا بعدم الاكتفاء بالسيناريو، لأن النص يضعه فقط على السكة، ولكن مسار الشخصية مرتبط بمدى قدرته على تجسيدها ومقاربة الخيال مع الواقع، عن طريق ما يقوم به من بحث دقيق و مفصل في مختلف جوانب حياتها، للغوص فيها أكثر و تقمصها لأن أداءه مقيد بها.
و قال الفنان الذي سبق له وأن قدم شخصية ماسينيسا على الركح، بأنه بحث كثيرا في حياة الشخصية و البيئة الاجتماعية ومحيطه الأسري
، إلى جانب اهتمامه بفهم تأثير الوضعية الاقتصادية و الثقافية و السياسية على مواقف ماسينيسا و توجهاته، كما أولى أهمية بالغة لجانبه النفسي.و لهذا وجب حسبه، جمع ما توفر من المصادر عن الشخصية لإثراء القاموس المعرفي حولها بما يساعد على فهم الدور، وذلك فقد قام كما كشف عنه، بزيارة متحف سيرتا لمعرفة نوعية اللباس ونمط الحياة في تلك الحقبة و أخذ فكرة موسعة عن كل تفاصيلها بما في ذلك الأسلحة المستعملة حينها، كما زار مواقع أثرية كمدينة تيديس ليتشبع بالبيئة القديمة، وهي خطوات ساعدته على الإلمام بكل الجوانب المتعلقة بالشخصية و هيئته نفسيا لتقمصها.و أشار إلى أن البحث يعد مرحلة صعبة و مهمة تتطلب الحذر لتجنب فخ المغالطات التاريخية التي قد تؤثر على سمعة العمل، لهذا من الضروري عدم التقيد بمرجع واحد و البحث في صحة المعلومات و المقارنة بين كل ما هو متاح، مضيفا بخصوص اللغة، بأنها مهمة جدا ويعتمد التمرين عليها على مدقق لغوي لتصحيح الأخطاء، مشيرا إلى أن عدم تمكن الممثل من قواعد النحو و مخارج الحروف سيؤثر حتما على الأداء، و هو ما لاحظه في العديد من العروض كما قال.  
و أضاف، بأن مسؤولية الدور لا يتحملها الممثل وحده، بل تقع على عاتق خلية الإنتاج ككل، بداية بكاتب السيناريو ومرورا بالمخرج وصولا إلى الممثلين، مع هذا يبقى الممثل في الواجهة وهو ما يلزمه بمضاعفة الجهد.
أما بخصوص توزيع الأدوار خاصة ما تعلق بالشخصيات التاريخية الكبيرة، فأكد بأنها يجب أن تقدم لممثلين محترفين، متحكمين في أدوات التمثيل، حتى وإن كان معيار  الكفاءة كثيرا ما يغفل في بلادنا حسبه، وقد ينتقي المخرج اسما معينا وفقا لمعيار الشبه، دون التركيز على مدى توفر أدوات التمثيل. 

* الفنان محمد الشريف بوعاكر
اختيار بطل العمل يحدد مدى نجاحه
يؤكد من جهته، الفنان محمد الشريف بوعاكر، الذي أدى  شخصيات تاريخية مختلفة، على غرار عبد الحميد بن باديس  في التليفزيون، و محمد بوضياف في الفيلم السينمائي كريم بلقاسم، أن هذا النوع من الأدوار هو الأصعب على الإطلاق، خاصة عندما تكون الشخصية مشهورة أو جدلية، أين يجد الممثل نفسه أمام مسؤولية فنية و تاريخية كبيرة،وهي تجربة مر بها خلال مشاركته في مسلسل «بن باديس» للمخرج عمار محسن.
الفنان، قال بأن أداء الشخصية يرتبط بمعايير محددة، وقد سبق للمخرج أحمد راشدي، أن اختاره لدور مصطفى بن بولعيد في فيلم كريم بلقاسم، قبل أن يرى بأنه أفضل لأداء شخصية محمد بوضياف، نظرا للتشابه الكبير بينهما جسمانيا، مؤكدا، أن هذا العامل لم يعد محوريا  كما كان سابقا، بفضل تطور تقنيات المكياج الفني، عكس معيار الاحترافية في الأداء.و عن تحضيره للدور قال بوعاكر، بأن مرحلة الدراسة مهمة جدا قبل التدرب على الدور، و تتطلب متسعا من الوقت، لفهم الشخصية و التحكم أكثر فيها و الدخول ضمن القالب التمثيلي، و هو ما أكدته تجربته في السينما والتليفزيون.  و أشار المتحدث، إلى أن عدم الاهتمام بالبحث و التعامل بسطحية مع هذا الشرط، سينعكس مستوى على العمل، و يؤدي لوقوع أخطاء تاريخية فادحة، و هو ما لاحظه كما قال في بعض الأعمال، حيث قد يتحول تصرف غير مدروس للممثل بعيد عن تقاليد و أعراف تلك الحقبة إلى سقطة قد تشوه العمل و تقلل من مصداقيته.
و أوضح،  بأن مشاركته في العديد من العروض المسرحية و تقديمه لعدة أدوار و التدرب  الطويل عليها، فضلا عن تجربته في الكتابة و الإخراج المسرحيين، مهد طريقه لأداء الأدوار التاريخية، حيث وجد سهولة في البحث حول الشخصيات، حيث أنه كلما تعمق في البحث كلما أتقن الأداء على غرار ما قام به في مسلسل بن باديس، الذي عكس من خلاله أخلاق الرجل و  تواضعه و حدة لهجته مع الفرنسيين معتبرا نجاحه في الدور و نجاح المسلسل ككل، إنجازا يضاف إلى مسيرته، و حافزا أيضا.                 

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com