عرض المخرج إلياس بوخموشة فيلمه الطويل «عيد ميلاد تعيس» بقاعة متحف السينما بوهران، وهذا بعد حوالي 7 سنوات من العمل على هذا الفيلم الذي خرج عن المألوف وكسر قواعد السينما المعتادة وكانت نهايته مفتوحة فسرها الجمهور كل حسب ما استوعبه على مدار تقريبا ساعة من المتابعة.
حمل فيلم “عيد ميلاد تعيس” للمخرج إلياس بوخموشة الذي كان عرضه مساء السبت المنصرم بقاعة سينيماتيك بوهران، كمًا من التناقضات عبر القصص المسرودة والألوان الباهتة وغيرها من المؤثرات التي حركت مشاعر الجمهور بطرق مختلفة ولعل هذا كان هدف المخرج الذي وصف عمله ب “اللقاء الشاعري”، الذي من جهة أخرى يسرد شعرا بفنيات سينمائية في عمل صنف بالتجريبي والمكسر لقواعد السينما في بلادنا، هو العمل الذي تأرجحت فيه أحلام الباحثين عن وطن يأوي أفكارهم وتسكنه أرواحهم وتتحقق فيه أحلامهم.
على مدار ساعة من الزمن، انتقل الجمهور والذي كان أغلبه من طلبة الفنون وأساتذة ومهتمين بالسينما، من قصة شاب كان قد جرب الهجرة غير الشرعية “الحرقة” وصل إلى إسبانيا بعد مغامرة بحرية أودت بحياة عدد من الذين كانوا معه و نجا هو بأعجوبة، ولكن ارتسم في مخيلته منظر فتاة صغيرة غرقت أمام أعينه، حاول تجاوز الحادثة وانتقل عبر عدة دول أوروبية ثم كندا وصولا لأمريكا، ولكن رغم هذه الجولة بين القارات لم يحقق حلمه ولم يجد ضالته وعاد للوطن، عكس الفرنسي “داميان” الرجل المعروف في سيدي بلعباس الذي أحب الجزائر وعاش فيها وغير اسمه وأصبح أحمد وتزوج جزائرية ومات ودفن في الجزائر لأنه وجد فيها حب الناس واللمة العائلية والتقارب الأسري وكل ما كان يحلم به في أوروبا ولم يجده فيها، لينتهي الفيلم بتبخر حلم زوجة في الإنجاب رغم أنها تمكنت من الحمل و لم تتمكن من وضعه حيا، وبين البداية والنهاية خابت آمال وطموحات عدة شخصيات وحضرت قصصهم من الفنان الذي لم يتمكن من إنجاز فيلمه في إطار سينما الجنوب أي «العمل السينمائي دون إمكانيات كبيرة» وظلت الأفكار تختلج في ذهنه على مدار عقود وأنشأ جمعية على أساس يتعاون مع أعضائها لإنجاز فيلمه ولكن لم يساعده أحد، ورغم هذا لم يفقد الأمل بأن يحقق ولو جزء منها ذات يوم، إلى الممثل الذي سافر ذات يوم إلى أوروبا لتحقيق حلمه في إنجاز أعمال فنية في المسرح والسينما، ولكن يعود لأرض الوطن خائبا ويحاول البداية مرة أخرى بأن يكون يوما ما فنانا مشهورا، هو المثقف الذي لا تفارقه الكتب التي حرص المخرج على إبراز عناوينها خاصة كتاب “نجمة” لكاتب ياسين، هو المفكر الذي لم يستطع تجسيد أفكاره والزوج الذي لاحقه العقم حتى في الإنجاب، والفنان الذي حاول منع زوجته من خوض تجربة الفن خارج الوطن أو مع أشخاص آخرين.
في كل هذا حاول المخرج إبراز رموز من المجتمع تعيش صراع الهوية في كل تمظهراتها وتطرح تساؤلات وجودية مجردة ولكن تحاكي الواقع، وتجسد هذا من خلال السيناريو والتركيب الذي ينتقل فيه المخرج من مشهد لآخر تاركا الجمهور يفكر ويتدبر في كيفية ربط الأحداث التي لم ترتبط طيلة العرض إلا في كونها لوحات تعكس حالات من المجتمع قد لا تعرف بعضها البعض ولكن تتقاطع في الأحلام التي لم تتحقق والأفكار التي عجزت عن التجسيد والكينونة البشرية التي لم تجد تفسيرا وتأرجحت بين الدين وفلسفة الواقع، هي التناقضات التي دفعت بالبطل لصعود الكثبان الرملية يوم العاصفة والتخلي عن كل ما يملك من وسائل تكنولوجية حديثة وتجرد من لباسه ليعود إلى نقطة الصفر لعله يبدأ حياته من جديد كما يراها ويريدها هو.
وفي رده على أسئلة الجمهور، أوضح المخرج بوخموشة أن الفيلم ليس تجاريا بل هو عمل إبداعي يترك قراءات في ذهن المشاهد كل واحد يفسرها وفق ما فهمها، وأنه أنجز هذا الفيلم بإمكانياته الخاصة من مرتبه الشهري كأستاذ جامعي وبتضامن من أصدقاء وفنانين، وبدأ التصوير سنة 2016 وتمكن في 2023 من عرض منجزه الفني.
بن ودان خيرة