- نزهاو ف ... الحرب -.. قصة الوضع العبثي الذي أصبح عليه العالم
امتعت، عشية أمس الأول، جمعية نوميديا الثقافية، جمهور الركح بدار الثقافة محمد بوضياف بولاية برج بوعريريج، في عرض مسرحي تحت عنوان (نزهاوف ... الحرب)، يحاكي التناقضات والعبثية التي أصبح عليها العالم، في جو تتلاشى فيه قيم التعاون والإنسانية، وتسوده الحروب والصراعات، لدوافع يسطرها أصحاب القرار، ويدفع ثمنها بسطاء يقحمون بالقوة ومن دون دراية في معارك وساحة الحرب، فمنهم من يذهب ضحية لخلافات يجهلون سببها الحقيقي، في حين يبقى أمل من بقوا على قيد الحياة معلقا بعودة السلم و وضع حد لآلة الدمار والموت، وسط أجواء يسودها الخوف والرعب وحتمية البحث عن لحظات مهربة للفرح والنزهة وسط ركام الدمار، في جدلية وعبثية تدعو إلى السخرية من عالم تقدم تقنيا وعرف تطورا مذهلا في معدات الحروب، لكنه يشهد نكوصا وتراجعا في القيم الأخلاقية.
وتميز العرض الثاني لهذه المسرحية، بعد العرض الشرفي المقدم في المسرح الوطني، بتوافد جمهور غفير غصت به قاعة دار الثقافة محمد بوضياف، فضلا عن التجاوب المتناسق مع محاور العرض المسرحي الذي تداول عليه ثلة من الممثلين الشباب، إذ انطلق بدخول الممثل فارس بن عبد الرحمان المتقمص لدور الجندي الذي سئم من حالة الملل والتيه، بمركز الحراسة رقم 47 على مستوى معسكر الحرب التابع له، والذي تكسر رتابته رنات الهاتف من قائده وهو يستفسر عن الوضع، قبل أن يقتحم المكان الممثلان عمار دامة و عيسى فراطسة في دور عجوزين أنيقين يبحثان عن فضاء فسيح للنزهة، لتبدأ التناقضات والعبثية بين جندي يحاول اقناعهما بالابتعاد عن ساحة المعركة، لما تشكله من خطر على حياتهما، وبين تمسكهما بالبقاء في المكان مع تفاخر كل منهما بماضيه الثوري وبطولاته، رغم سماعهما لدوي المدافع والصواريخ والاشتباكات المسلحة غير بعيد عن مكانهم .
و بينما يستغرق الجندي والحارس في الحديث مع العجوزين، يتوصل هاذين الأخيرين إلى إقناعه بالسماح لهما بوضع طاولتهما والشمسية بجواره، وسط أرض يبدو من الصخور المترامية بها، واللافتات المثبتة في خلفية الركح أن آلة الحرب والدمار، قد حولت خيراتها واخضرارها إلى أرض قاحلة يسكنها الخوف والحزن، و رغم كل هذا يبدو العجوزان في أبهى حلة من خلال مظهرهما ولباسهما الأنيق، فيما تتلاشى ملامح التيه والحسرة في وجه الجندي، الذي ينخرط في حديث مطول معهما، سرعان ما يتحول الى أجواء من الفرح والرقص.
و تتطور، أحداث المسرحية بقدوم الممثل عقبة بوعافية في دور جندي ثان من معسكر العدو، أتى بحثا عن لحظات للفرح بعد سماعه لصخب الموسيقى، غير أنه يقابل بالتحذير من اقتحام المكان، مع رفض الجندي أن يكون سببا في مقتله، داعيا إياه بالعودة من حيث أتى، في حين يصر (جندي العدو) على مقاسمتهما أجواء الفرح للابتعاد ولو للحظات عن أجواء الحراسة المملة،و وسط كل هذا يسمع دوي المدافع وقصف الطائرات وتبادل لإطلاق النار، ما يدفع بالجميع إلى الهروب والاختباء إلى حين نهاية المعركة، وعودة الاستقرار والطمأنينة، ليتفقوا بعدها الإبقاء على جندي العدو واعتباره سجينا يحظى بحقوق الأسرى في الحرب، و وسط كل هذا يستغل في تمثيلية تعذيبه والقاء القبض عليه، يوثقها الحارس بآلة التصوير، أملا في التباهي بها مع زوجته.
و تتوالى المشاهد،بسماع رنين الهاتف من حين إلى آخر من القيادة لإعطاء الأوامر للجنديين والاستفسار عن الأوضاع وعدم التسامح، إلى أن يتفق الطرفان على العيش في سلام، وسط تساؤلات حول سبب الصراعات والحروب، إذ يكتشف الجنديان من المعسكرين أنهما أقحما في مواجهات مسلحة من دون سبب واضح ومقنع، وكليهما جندا من دون قناعة،لدرجة أنهما يجهلان سبب اندلاع الحرب بين المعسكرين، وما إن يتوصلا إلى اتفاق حتى تدخل الممثلة هادية بلبكري في دور طفلة تجر عربة تملك شراهة للحروب ورائحة الموت والدمار، مهمتها البحث عن جثث الموتى والجرحى في ساحة الحروب، ويتبين بعد انخراطها وسط المجموعة أنها ضحية حرب فقدت والديها في معارك وبقيت مشردة، لا مهنة لها ولا معيل سوى عملها الذي يحتم عليها العودة إلى قادتها بالموتى والجرحى لتحظى بالرضا . وأضفت، هذه الممثلة التي تعد اكتشاف العرض المسرحي، كونها من الوجوه الشابة والجديدة، لوحات جمالية بانخراطها في عروض راقصة وكوريغرافية جذبت تفاعل الجمهور، الذي استمتع على مدار حوالي ساعة من الزمن مع مختلف العروض.
* العمري كعوان
تفاعل الجمهور دليل على نجاح العرض
أثنى الممثل العمري كعوان على الممثلين الشباب، و أبدى إعجابه بالجمهور الذي قال أنه لم يشك ولو للحظة في تذوقه لهذا الفن، بالنظر إلى تجاربه السابقة مع الجمهور البرايجي، مضيفا أنه كان متناسقا مع مراحل العرض المسرحي، إذ كان يكتفي بالمتابعة والمشاهدة في الأوقات التي تتطلب الانصات والتمعن، والتفاعل بالتصفيق خلال الفترات الماتعة، وبعد نهاية العرض، وقبلها بعد الوصول إلى الرسالة الجامعة والمغزى من العرض في المشهد الأخير الذي يلتقي فيه الجنديان ليتفقا على الاتحاد لرفع راية السلم والأمان والابتعاد عن الحروب والصراعات... يرن الهاتف في المشهد الأخير من أصحاب الأوامر ودعاة (الموت والحروب) لكن لا أحد يجيب !
* حليم زدام مخرج العرض المسرحي
قمنا بتعديلات على النص الأصلي «نزهة في الريف»
بدا، المخرج حليم زدام منتشيا بنجاح العرض الثاني للمسرحية، إذ فسح المجال بعد نهاية العرض للنقاش المفتوح مع الجمهور، أين أكد على أن دوره زيادة على الاخراج، كان منصبا منذ أشهر في التحضير مع الممثلين الشباب، زيادة على إعادة كتابة نص المسرحية المستوحاة من نص ( نزهة في الريف) للكاتب الاسباني فيرناندو أرابال، سنة 1952 بعد الحرب العالمية الثانية، وكان يحكي عن شيخ وعجوز يزورانابنهما الجندي بساحة الحرب،و يصران على البقاء معه،وسط حيرة الابن ومخاوفه من أن يصيبها مكروه لأن المكان غير مناسب للم شمل العائلة المشتت.
ويضيف، مخرج العرض المسرحي، وكاتب النص، أنه لم يحتفظ بجميع التفاصيل من النص الأصلي بل أجرى عليها تعديلات تطاوع النظرة الإبداعية والجمالية والإبداعية، إذ لا فائدة من إعادة تجسيد النص الأصلي حرفيا.
وبرزت التعديلات في تغيير الوالدين في النص الأصلي، بعجوزين أنيقين يريدان التجول والفسحة بساحة المعركة،ويجسدان بلباسهما ولامبالاتهما العبثية في المكان، كونه غير مناسب تماما للبحث عن الفرح،بالإضافة إلى التغاضي عن دور الممرضتين، و إقحام شخصية أخرى تمثلت في دورالطفلة التي تجرعت مرارة اليتم، بعدما توفي والديها في الحرب، فأصبحت ضحية لآلة الموت بيتمها وتشردها الذي حولها إلى طفلة من دون أحاسيس ومشاعر، أقحمت هي الأخرى في دور البحث عن الجثث والجرحى في ساحات المعارك والحروب.
وقال حليم زدام،إن الرسالة الأبرز هي الدعوة إلى التآخي والسلام والابتعاد عن الصراع والحروب، ورسائل أخرى تمنح للمتلقي من خلال المشاهدة،قراءات مفتوحة على الخيال ودرجة تفكيك تلك الرسائل من قبل الجمهور كل حسب رؤيته، مشيرا إلى أن فريق العمل بحث عن عناصر القوة، وجمالية النص والموسيقى وحتى في السينوغرافيا والكوريغرافيا، ليكون العرض متكاملا يمتع ويستقطب اهتمام المتلقي بالتركيز على أكثر من حاسة السمع والبصر والتفاعل والمتعة .
ع/ بوعبدالله