الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

من رحم الشاويّة إلى حضن الأعراس السطايفيّة

الســـراوي .. تـــراث شفـاهـي يستوجـب التوثيـــق
يعتبر الطابع الغنائي «السراوي» من الطبوع الشهيرة في الجهة الشرقية للجزائر، وقد كشف البروفيسور سليمان حاشي، مدير مركز البحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان، عن العمل على ملف لتصنيفه ضمن لوائح اليونيسكو للتراث الإنساني اللامادي، لما له من أبعاد اجتماعية و نفسية وتاريخية، حفظت له مكانته في أوساط المجتمع، بخصوصيات فنية وكلمات معبّرة تلخص روايات وحكايات الأحرار، حيث أطلقت أول صيحة سراوية بأعالي جبال الأوراس، ليبلغ صدى تلك الحنجرة النسوية القوية منطقة الهضاب، أين تبلور ليصبح لونا فنيا قائما بذاته.

فن نسوي في ثوب «الأكابيلا»،  اعتمد في بداياته على الصراخ دون استعمال الآلات الموسيقية، مرتكزا على قوة الحنجرة وصدى الصوت في المناطق المرتفعة، قبل إقحام إيقاع الدف لمرافقة أبيات الشعر الملحون التي تحمل معاني كبيرة وتروي قصص واقعية ذات أبعاد مختلفة.
و رغم تعدد الطبوع الغنائية في الجزائر وتطور الإيقاعات، إلا أن هذا اللون المميز ما يزال محافظا على مكانته في المهرجانات الثقافية والاحتفالات الوطنية والأعراس، خصوصا في منطقة سطيف، أين يعد «السراوي» موسيقى الفرح والفخر، وهو طابع يرتبط اسمه بهذه المنطقة رغم ظهوره في البدايات بعاصمة الأوراس، فيما تتحدث بعض الروايات عن ارتباط المنشأ بشجرة «السرو» وبسرايا الأتراك.
السرا هو المكان المرتفع وهذا أصل التسمية

انتهت الأبحاث التي أجراها الكاتب والمؤلف خثير ذويبي، حول طابع «السراوي» إلى الفصل، حسب ما صرح للنصر، بأنه لون ظهر في القرن الماضي بمنطقة الأوراس، إبان الحقبة الاستعمارية، وأصل تسميته يعود إلى ارتباط أدائه بالمكان المرتفع الذي يسمى «السرا»، وهو الأصح – حسبه- من بين الاحتمالات، التي يشير بعضها إلى ربط أصل التسمية بشجرة «السرو» التي كانت النساء يغنين بجوارها، فضلا عن حديث البعض الآخر عن قدوم هذا الطابع من عاصمة الدولة العثمانية واقتران الاسم بالسرايا التركية.
 وأضاف المتحدث، بأن امتداد هذا الطابع إلى منطقة سطيف تحديدا مردّه القرب الجغرافي والترابط الاجتماعي الممتد من الأوراس إلى منطقة عين آزال بجنوب الولاية، لينتشر منها إلى باقي المناطق ويحجز موقعا أساسيا في الأفراح ويمتزج مع الأغنية السطايفية التي اقتبست بعض أغانيها من «الموال»، مع إضافة الإيقاع والآلات الموسيقية، إلى درجة أنه و إلى وقت قريب كانت الأعراس التي يغيب عنها السراوي توصف بالفاشلة.
متنفس النساء وصرخة ألم جراح الثورة
وأكد الباحث، أن الإطار الفعلي الذي أنشأ هذا الطابع هو الغزل بصفة  محضة، حيث كانت النساء تلجأن إلى الأماكن المعزولة في أعالي الجبال، بعيدا عن الأنظار، لتطلقن العنان لصيحاتهن التي تعبر عن مكنونات عاطفية مكبوتة لا يسمح بالتعبير عنها في العائلات الجزائرية المحافظة، وهذا ما يفسر وجود أسماء الرجال في قصائد «السراوي» ووصف حسنهم، على غرار الموال الشهير «أحمد يا احمد يا زين القد».
وأشار، إلى أن أداء هذا النوع الغنائي في بداياته كان بحناجر الرجال في بلاد الشاوية وبحناجر نسوية في منطقة سطيف، قبل أن يصبح مفتوحا على الجنسين بعد توسع دائرة الانتشار، مبرزا بعض الأسماء التي ارتبط فنها بهذا اللون في منطقة الأوراس، في صورة عيسى الجرموني وعلي شواي و الشيخ بورقعة، ومن النساء فطيمة السوق أهراسية وبقار حدة.
 ومن مشاهير مؤدي هذا النوع بولاية سطيف، في البدايات علي بن عمار دبابزي وساعد القصير بن معيزة، وقد استخدما اللثام والدف في  أدائهما لموال السراوي في الأعراس.

 من جانبه،  أكد الفنان بكاكشي الخير أن هذا الطابع أخذ بعدا آخر إبان الثورة التحريرية، مستدلا ببعض القصائد التي ألفتها النساء في سطيف و التي وثقت جراح الثورة، في صورة «يا جبل مقرس العالي» وما تحمله من تفاصيل حول فقدان شابة لأخيها الوحيد في صفوف الكفاح، كما استدل باحثون بمقاطع أخرى تؤكد دور هذا الطابع في نقل رسائل مشفرة بين المجاهدين، وهو الجانب الذي جسد في المشهد الشهير «أي عليكم...» في الفيلم الثوري «دورية نحو الشرق».
« السراوي السطايفي مميّز ولا أعراس من دونه»
وأوضح الفنان السطايفي القدير بكاكشي الخير للنصر، أن السراوي الخاص بمنطقة سطيف، له خصوصياته التي تميزه عن فصول هذا الطابع المنتشر عبر عديد المناطق الأخرى من الوطن، مستعرضا بعض المقاطع بصوته الشجي، وهو ينتقل من أداء أنواع السراوي بين منطقة وأخرى، على غرار آهات «أشويق» كما يصطلح عليه في منطقة القبائل، والسراوي الذي يميز بلاد الشاوية والمسيلة أيضا، وصولا إلى إيضاح الفوارق التي تميز هذا اللون عن الأغنية السطايفية التي تختلف من حيث الأدوات الموسيقية والكلمات رغم التداخل الموجود، من خلال نقل موالات السراوي وإدماجها، مثلما فعل المتحدث الذي أشار، إلى أدائه أغنية «خالي يا خالي» في هذا الطابع مع بعض الإضافات.
وأشار، إلى أن أعراس السطايفية لا يمكن أن تخلو من هذا الطابع، سواء بحضور الفنانين أو من خلال أداء النساء في مجال مغلق باستخدام الدف وحتى بدونه، مؤكدا بأن هذا اللون الغنائي يعتبر جزءا من التاريخ الراسخ وعنصرا تراثيا جزائريا ضاربا في عمق التاريخ الفني والثوري.
قصائد تروي قصصا واقعية تستوجب التوثيق
ويقول المطرب بكاكشي الخير، إن قصائد السراوي مستوحاة بشكل مباشر من قصص واقعية، مبرزا في هذا الجانب ما يحمله الموال الشهير «يا جبل مقرس العالي أنت ما فيك والي...»، الذي يروي قصة شابة فقدت شقيقها الوحيد وهو يجاهد في صفوف جيش التحرير، فيما تعود مرجعية موال «يا خالي يا خالي لا تفرط فيّ» إلى فتاة وافق والدها على زواجها من شاب قبل أن يلتحق بالجبال ويستشهد وهو يدافع عن أرض الوطن مطالبا بالاستقلال، فتنادي هذه البنت خالها عبر أبيات هذه القصيدة مطالبة إياه بالوقوف إلى جانبها  فتواصل «أنا بنت أختيك لا تفرط فيّ».
كما تروي قصيدة « أنا بنت الطلبة» الشهيرة، حكاية امرأة تركها زوجها وسافر إلى بلاد الغرب، لتبقى وحيدة في مواجهة مصاعب الحياة وتحت جناحيها طفلان «لخضر والمسعود» فتقول متألمة         « أنا بنت الطلبة بنت الجبال السود...شعري شاب وقلبي معمر دو..والشيء لي قاسيتو على لخضر والمسعود» وغيرها من أبيات الشعر الملحون التي تحفظ وتؤرخ لمراحل تاريخية. و قد شدد الكاتب خثير ذويبي، على ضرورة توثيق هذا الطابع قصد المحافظة عليه كتابة وهو المحفوظ حاليا شفاهة، مؤكدا حيازته على مجلات تحفظ مخرجات مائدة مستديرة انعقدت قبل سنوات، بمشاركة مختصين، منهم من رحل في صورة عبد الله كريو وشريف قرطبي، إلى جانب الموسيقار نوبلي فاضل.
مدير الثقافة والفنون بسطيف عامر هاشمي
بعث المهرجانات سيسهم في حفظ هذا التراث

اعتبر مدير الثقافة والفنون لولاية سطيف، عامر هاشمي في تصريح للنصر، أن السراوي يعدّ جزءا من تاريخ الشرق الجزائري ومنطقة سطيف على وجه التحديد، داعيا الجهات الوصية إلى إعادة بعث مهرجان الأغنية السطايفية الذي يساهم بشكل كبير في المحافظة على هذا التراث الهام، فضلا عن أهمية المهرجان الدولي الذي يقام سنويا في المنطقة الأثرية بجميلة. وأضاف، بأن  الولاية تضم عددا معتبرا من الفنانين الكبار في شتى المجالات الفنية، مما يؤهلها لأن تكون رائدة في المجال الثقافي، معربا عن رغبته في المساهمة الفعالة كمسؤول على القطاع في إبراز كل ما هو تراث مادي ولا مادي بهذه المنطقة المهمة.
خ. ل

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com