تتواصل عروض الأفلام السينمائية في مهرجان وهران للفيلم العربي، وقد استمتع الجمهور أول أمس، بفيلم «أرض الانتقام» للمخرج الجزائري أنيس جعاد، وهو عمل استهله المخرج بمشهد للبحر و أنهاه بنفس المشهد كذلك، ليبعث رسالة أمل للمشاهد الذي يحظى طيلة عمر العمل برحلة ممتعة في طبيعة مستغانم الخلابة.
ينافس الفيلم ضمن فئة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان وهران، وكان أول عرض سينمائي له بقاعة المغرب أول أمس، أين عرف حضورا كبيرا للجمهور.
يبدأ هذا العمل الفني بخروج جمال من السجن بعد خمس سنوات كاملة عوقب خلالها على جريمة لم يرتكبها، ولكنه تحمل المسؤولية نيابة عن مديره في العمل، الذي وعده بتعويضه ماليا ولكن «المعلم» أخلف وعده بعد انقضاء فترة السجن، رغم تهديدات جمال الذي يتعرض بسبب ذلك لاعتداء جسدي من طرف أزلام رئيسه.
يحمل البطل خيبة أمله وألمه ويتجه إلى بيته أين يصدم مرة أخرى بعد أن علم أن زوجته أخذت كل شيء وباعت المنزل وغادرت مع ولدهما عادل، فلم يبق له سوى بيت أخته الوحيدة التي آوته وساندته، ولكن يقرر جمال العودة إلى بيت والديه في الريف حتى لا يثقل على شقيقته وأولادها، وتجري الأحداث كلها بين أزقة مستغانم الجميلة المطلة على البحر.
يحاول بطل القصة الذي يؤدي دوره الفنان سمير الحكيم، استرجاع أنفاسه وقوته عند عودته إلى مسقط رأسه، خصوصا وأنه يجد الراحة في منزل والديه الذي لم يتغير، فيسعى لبدء مسار حياتي جديد بالتوجه للاستثمار الفلاحي بأموال كان قد أودعها عند أخته قبل دخوله السجن، ولكن يأبى القدر أن يريح جمال فيلتقي بأحد أفراد عائلته الذي قرر أن يشاركه مشروع استصلاح أرض فلاحية وزراعتها، لكن الأرض تفتح باب الانتقام بسبب أحداث جرت قديما بين جيل آخر من أفراد العائلة.
تتوالى الأحداث ويفجر ملف طلب رخصة الاستصلاح نافورة الذكريات القديمة التي تعود بكل سوداوية ، لأن المسؤول عن منح الرخص هو ابن عم البطل الذي سيطلب الثأر لأبيه، إذ يعمل على عرقلة مشروع جمال وطرده من «الدوار»، ثم يتضح أن الرجل هو أيضا زوج لطليقة بطل القصة، حيث أخفاها رفقة ابنها عن الأنظار فاعتقد الجميع أنها غادرت أرض الوطن.
وسط هذا النسج الدرامي، عالج المخرج مسألة العلاقات العائلية والميراث الذي يسبب العداوات بين الأسر، و أظهر جانبا من مشكل الفساد الإداري الذي أساسه الرشوة والابتزاز، إذ قدم الفنان محمد تكيرات دور «قادة» الذي تلقى رشوة من جمال عند استلام ملف الترخيص، ولكنه لم ينجز شيئا لأن التوقيع بيد المدير غريم البطل.
يلعب قادة دورا مهما في كشف حقيقة المسؤول ابن عم جمال، ويكون له الفضل لاحقا في معرفة مصير زوجته السابقة، التي تقرر العودة إلى جمال، لتنهي دوامة الانتقام، فيعود الأمل من جديد إلى قلب الرجل الذي يستقر أخيرا رفقتها هي وابنه في أرضه. ورغم أن العمل صور جانبا من واقع يعيشه البعض، إلا أن المخرج أراد أن يبعث برسالة أمل مفادها أن النهايات غالبا ما تكون سعيدة، مع التأكيد على أن الانتقام لا يؤدي إلى نتائج محمودة. ونقل هذه الرسالة بتصوير متقن قارب الجانب السياحي لمستغانم من بحرها وسهولها وغاباتها، والأجمل هو مرافقة هذه الجمالية الفنية بمقاطع غنائية لعميد الأغنية البدوية المرحوم «الجيلالي عين تادلس»، ومقاطع من أشهر أغنية عن المدينة وهي «صلامان وبرد الحال».
خيرة بن ودان