استقبل جمهور قاعة سينما السعادة بوهران، أول أمس، المخرج الفلسطيني الكبير رشيد مشهراوي، والمنتجة ليال بدر، بالزغاريد والراية الفلسطينية والهتافات، وطبعت مشاعر التضامن والمحبة الأجواء التي سبقت تقديم 22 فيلما قصيرا لسينمائيين من غزة.
وبرمجت محافظة مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي في طبعته 12، العروض الفلسطينية على مدار يومين تزامنا والذكرى الأولى لطوفان الأقصى، علما أن معظم الأفلام التي شاهدها الجمهور ستنتقل لتمثيل فلسطين رسميا في الدورة 97 لجوائز «الأوسكار» العام القادم.
مشاهد دمار وحزن وصمود في مخيمات اللاجئين
امتزج الرعب والصدمة ببريق أمل في النجاة والعودة، في غالبية الأعمال التي اشتغل عليها مخرجون شباب عكست كاميراتهم مشاهد الدمار ومعاناة النازحين في المخيمات، كما حضرت الطبيعة بشكل كبير كرمز للأرض و الصمود، وكان البحر عنوان الصبر كما حضر الطفل بقوة في قصص الأفلام، التي عرض منها 11 فيلما في اليوم الأول من الفعالية، و 11 ثانية في اليوم الموالي. وقد تقاطعت الأعمال كلها في اسم المنتج الذي قدمها وهو رشيد مشهراوي ضيف وهران، الذي أكد أنه حرص على أن يشاهدها أبناء بلده أولا، وذلك فقد سبق له أن قدمها في 10 مدن فلسطينية في أوت الماضي، كما عرضت أيضا في مهرجان عمان للسينما.
«بشرة ناعمة» معاناة الطفولة في زمن الحرب
بشرة ناعمة، كان أول العروض التي استمتع بها الجمهور،وقد ترك أثرا بالغا في نفسية الحضور، لأنه تناول قصة مؤلمة جدا تتعلق بصدمة الغارات والدمار على أطفال غزة اليتامى الضائعين في المخيمات.
كما يتحدث العمل، عن اليأس وكيف صار الآباء يكتبون أسماء أبنائهم على أطراف من أجسادهم لكي تكود دليلا يثبت هويتها إن هم تعرضوا للقصف و انفجرت جثثهم، وأمام هذا الوضع ترفض فتاة صغيرة تلعب بطولة الفيلم، أن تكون رقما في سلسلة الضحايا وتمنع والدها من تجديد حروف الاسم على رجل شقيقها الصغير، لأن ذلك يسبب لها الكوابيس، لتستسلم للنوم وعلى وجهها نظرة تقول « إننا نعيش الموت يوميا ويجب التعامل مع الحياة بشكل عادي».
«سلفي» قصة للمخرجة ريما محمود
يروي فيلم « سلفي»، قصة شابة من غزة كانت تعيش حياة مريحة في بيت كبير جميل مع أهلها، ولكن الحرب غيرت واقعها وقلبته فلم تتقبل الوضع في البداية خصوصا بعدما انتقلت إلى مخيمات اللجوء، ولكن سرعان ما بدأت تتجاوز المآسي وتبرمج يومياتها مثلما كانت تفعل سابقا، فتشرب الشاي صباحا رغم أنه ليس نفس الشاي بل سائل يشبهه، وترتب أمورها وتخصص وقتا لتجميل نفسها بالماكياج.
ذات يوم، زارت الشابة بيت العائلة الذي لم يتبق منه سوى جدران متهاوية، ومحتويات مبعثر وأخرى تحت الركام، فلم تتمالك نفسها وانفجرت باكية، وخلال التصوير أظهرت المخرجة مظاهر المعاناة على كافة المستويات، خصوصا ما تعلق بالمعاناة لأجل الأكل وظروف وصول المساعدات التي تكون منتهية الصلاحية غالبا، فضلا عن الظروف الصحية وانتشار الأوبئة، ليقول الفيلم إن من لم يمت بسبب الحرب سيموت حتما بفعل المرض والجوع والقهر في غزة.
«دون إشارة» رعب الغارة
يبدأ الفيلم بصور الدمار إثر غارة صهيونية، ثم يظهر رجل يبحث تحت الأنقاض عن من بقي حيا من عائلته، فيزيح الحطام بيده ليعثر على ابنة أخيه على قيد الحياة، وهي طفلة صغيرة كانت رفقة والدها قبل القصف، أعطاها عمها الهاتف لتتصل بوالدها ربما يكون حيا، فرد الوالد فعلا ولكنه قال «ألو» ثم انقطع الاتصال لتنهمر دموع الطفلة التي اعتقدت أنه مات، لكن مصيره يبقى مجهولا فيعيش هو رعب مواجهة الموت تحت الردوم و تتعذب البنت وعمها بنيران الخوف عليه و احتمال فقده للأبد.
المخرج أحمد حسونة يقدم «عذرا سينما»
في فيلم « عذرا سينما» للمخرج أحمد حسونة، كان البطل مولعا بالسينما، يحلم أن يشارك في تظاهرات سينمائية دولية أو يكون ضمن صانعي الأفلام على المستوى الدولي، وقد قضى أكثر من أربع سنوات يحضر لفيلمه رفقة طاقمه الذي عمل ليلا نهارا على أمل أن يخرج العمل للعالم، ولكنه وجد نفسه محاصرا داخل المخيمات في غزة وعاجزا عن تلبية حاجيات أسرته وسط مطاردة الموت له ولجميع النازحين.
يصور العمل، القصف المتواصل وظروف المعيشة الصعبة جدا بسبب عدم وصول المساعدات، وكيف تغيرت أولويات أهل غزة وتراجعت أحلام البطل من المشاركة في مهرجانات السينما والنجومية، إلى جمع الخشب لإشعال النار والبحث عما يصلح للأكل. في نهاية الفيلم، يكسر الرجل لوحة «الكلاكيت» التي كانت تعلن عن بداية التصوير، مستسلما لواقعه و مودعا لكل أحلامه.
«فلاش باك» كاميرا ترصد عيونا لا تنام
يقدم فيلم « فلاش باك»، صورة لفتاة تشرح كيف يعيش الفلسطينيون في مخيمات غزة حالة التأهب لأي طارئ، وهي حالة رعب وصمود في الوقت نفسه ومواجهة مفتوحة مع الموت الذي قد يهجم في أية لحظة.
تجمع الطفلة كل لوازمها في حقيبة الظهر وتخرج، بعدما تعرضت لصدمة نفسية عقب قصف بيتها واستيقظت على صوت دوي قوي ودخان أسود، حجب عنها الرؤية و الفهم، وتنطلق بذلك جريا نحو وجهة غير معلومة وهي تصرخ بقوة، فيوقفها أحد الأشخاص ويدخلها في بيت الجيران الذي لم يصله القصف بعد.
يصف هذا الكابوس الذي عاشته الطفلة صاحبة 14 سنة، حالة الكثير من أبناء غزة وعبر عن حالة الصدمة التي تسيطر عليهم و تمنع النوم عن أعينهم بسبب صور الرعب التي عاشوها وما سببته لهم من دمار داخلي.
يصور الفيلم كذلك، بعض خيوط الأمل التي لا تزال تجمع شتات الغزاويين، وذلك من خلال مشاهد للطفلة وهي ترسم و تقرأ الكتب لتجاوز الضغط النفسي.
«صدى» ما قالته عدسة المخرج مصطفى كلاب
لقطة واحدة فقط في فيلم «صدى» للمخرج مصطفى كلاب، كانت كافية لتشرح الكثير، إذ يظهر في بدايته رجل يجلس فوق ربوة يقابل البحر، وهو يسترجع ذكريات آخر مكالمة مع أبناءه وأسرته، قبل أن تشتت شملهم غارة صهيونية أجبرتهم على الفرار هربا من الموت.
يحاول الرحل استرجاع تفاصيل تلك المكالمة وكيف حاول إقناع زوجته بالعودة إلى المنزل لكن الخوف حال دون لقائهم مجددا ليصبح البحر جليسه وأنيسه الوحيد بعدما انقطع الخط في ذلك اليوم من العدوان دون أن يحدد موعدا آخر للقاء بأهله.
نضال دامو يتحدث عن الأمل في «كل شيئ على مايرام»
هي قصة فنان يعيش في المخيمات ويستعد لأداء عرض مسرحي في اليوم الموالي، فكان يجب أن يستحم ولكن الظروف كانت صعبة خاصة مع قلة الماء، غير أنه تدبر أمره وبدأ بالاغتسال داخل الخيمة، لكن القصف فاجأه فخرج مسرعا ليختبئ في مكان ما، ثم عاد إلى خيمته وحضر نفسه وارتدى طقمه الجديد وخرج.
قدم البطل العرض داخل المخيمات وسط ركام الدمار ليسعد اللاجئين وخاصة الأطفال الذين تجاوبوا معه، فزرع بذلك بسمة مسحت جزءا من ملامح الحزن على وجوه المشردين.
«سحر» و «المعلم»»يوم دراسي» وأفلام أخرى
يحكي فيلم « سحر» عن مجموعة أطفال موهوبين في الغناء والرقص والباليه، يقفون فوق ركام المباني التي قصفت، ويمارس كل واحد منهم هوايته فيشكلون معا مجموعة «ساحرة»، تعبر عن طريق الفن و تعتمده كطريقة للتخلص من الألم وتجاوز الصدمة والإعلان الصمود والأمل في حياة أفضل، حيث تعبر فكرة الابتسامة عن المستقبل.
أما أحداث فيلم « المعلم»، فتدور حول حياة معلم وأسرته في المخيم، بعدما غادر مدرسته وتلاميذه و أصبح يخرج كل صباح بحثا عن الماء وبعض المساعدات التي تصلح لتطعم أبناءه، كما يقطع مسافات ليشحن هاتفه.
وأثناء عودته إلى الخيمة في أحد الأيام، يصادف في طريقه تلميذا يعرفه فيعرض عليه مساعدته لأنه معلمه السابق، ولكن الرجل يأبى ذلك لأنه يدرك صعوبة الأوضاع على الجميع.
وفي فيله « يوم دراسي» يروي المخرج أحمد الدنف، قصة الأطفال في المخيمات، من خلال حكاية صبي يجمع أدواته في حقيبته كالعادة، ويخرج مبكرا للتوجه إلى المدرسة ولكن سرعان ما يعود ويخلد للنوم، هي ممارسة يومية لبعض الأطفال في المخيمات يوهمون أنفسهم أنهم ذاهبون للقسم ويلتقون بالمعلم ويعودون للبيت بعد نهاية الدوام، ليبرز المخرج حجم الصدمات وعمقها.
«حمل ثقيل» للمخرج علاء إسلام أيوب
من جهته، قدم المخرج علاء إسلام أيوب في فيلمه « حمل ثقيل» ملخص شعور قاس بمغادرة البيت والتخلي عن الحياة العادية، ليجد الإنسان نفسه وسط «طوفان» من المعاناة في المخيمات التي لا عائلة فيها ولا راحة ولا أصدقاء، بعدما صارت الشهادة صفة ترافق الكثيرين منذ بداية الحرب. يقدم المخرج في العمل ما يشبه مقارنة بين ما يحدث في غزة الآن ونكبة 1948، حيث تتشابه القصص و المعاناة في المخيمات ويتذكر الأحفاد ما كابده الآباء والأجداد.
بن ودان خيرة
المخرجة الفلسطينية ليالي بدر
الجزائــــــر حضــن للقضيــــة الفلسطينيـــة
قالت المخرجة الفلسطينية ليالي بدر، إن معظم الأفلام التي شاهدها جمهور وهران، عرضت في غزة «من المسافة صفر»، وذلك عن طريق وسائل بدائية حاكت شاشة السينما، حيث اعتمد المخرجون على قطع قماش بيضاء لعكس الصور.
وأضافت، بأنها أفلام صمود ومقاومة وواقع، انتقلت من فلسطين إلى مهرجانات عدة بينها مهرجان وهران لتحكي قصة المعذبين، واعتبرت عرضها في الجزائر مهما، لأن «الجزائر أخت فلسطين الكبرى» كما عبرت.
مضيفة :» عندما كنا في المدرسة في القدس كنا نؤدي نشيد فلسطيني الذي يتضمن اسم جميلة بوحيرد، جميعنا نعرف أن الجزائر هي حاضنة القضية الفلسطينية»، مشيرة إلى أن قصة صمود الجزائريين في وجه الاستعمار تلهم الشعب الفلسطيني وتمنحه الجلد.وأضافت المخرجة الفلسطينية، في تصريح صحفي بعد عرض الجزء الأول من فيلم «من المسافة صفر من غزة لوهران»، بقاعة سينما السعادة أول أمس، أنها شاهدت هذه الأفلام آلاف المرات ولكنها لا تزال تتأثر في كل مرة، موضحة بأنها سبق أن رافقت مخرجيها في مخيمات غزة و في القاهرة، وأنها تتواصل معهم يوميا عندما تتوفر الإنترنيت في الفترة الليلية.وحسبها، فإن الحرب لم تكسر عدسة المبدع الفلسطيني، لذلك تغتنم فرصة الحديث إلى هؤلاء المخرجين دوما لمناقشة الأعمال، وقالت إن أغلبهم وخاصة المخرجات كن يعانين من حالة صدمة رهيبة مع بداية العدوان.
واعتبرت ليالي بدر، السينما أداة للمقاومة خاصة وأن العالم اليوم يعتمد على الصورة والصوت لكشف الحقائق، لذلك يتعين على كل إنسان أن يقاوم بطريقته ومن المكان الذي يتواجد فيه، مشيرة إلى أن المشاركة في الأوسكار العام القادم، مهمة جدا لتعريف العالم بما يكابده الشعب الفلسطيني في غزة جراء حرب الإبادة.
مردفة، أن وضع الأطفال في المخيمات سيء، والجميع يبحث عن لقمة لسد الجوع وعلى سقف وقطرات ماء تروي العطش عوض اللجوء لماء البحر، كما تحدثت عن انتشار الأمراض و المساعدات منتهية الصلاحية.
وبخصوص عنوان الفيلم «حكايات لم تروى من المسافة صفر» أوضحت المخرجة، أنه مقتبس مما كانت تقوم به المقاومة خلال الطوفان، حيث يحمل الشباب قنابل يدوية الصنع ويضعونها مباشرة في الدبابات الإسرائيلية ليفجروها من مسافة الصفر.
المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي
العـــروض في الجزائــــر لهـــا طعــم خــاص
أكد المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، أن أفلام المسافة صفر عرضت في عدة أماكن في العالم ومرشحة للأوسكار كذلك، إلا أن عرضها في الجزائر له طعم خاص ومختلف، يميزه الحب المتبادل والترحيب الحار.
واعتبر المخرج، أن مشاركة الفيلم في الأوسكار لا تهدف لحصد الجوائز، بل هو مشروع إعلامي للتعريف بالقضية ووصف ما يحدث بشكل أقرب وأدق للعام، من خلال استغلال الإعلام العالمي لتسليط الضوء على فلسطين ومجازر غزة.
للتذكير،فإن فيلم «حكايات لم تروى من المسافة صفر» مبادرة للمخرج الفلسطيني الكبير رشيد مشهراوي، تهدف لإعطاء فرصة لـ 22 مخرجا سينمائيا من شباب غزة، لسرد القصص غير المروية عن الحرب لجمهور السينما في وهران.
بن ودان خيرة