يطرح المخرج الموريتاني الكبير عبد الرحمان سيساكو، مغامرة إنسانية مميزة توصل صوت إفريقيا إلى الصين وللعالم في فيلمه «شاي أسود»، حيث طرح من خلال العمل الذي عرض أول أمس في إطار فعاليات مهرجان وهران السينمائي، عدة قضايا تطور التعامل معها في ظل ما يعيشه العالم من تغييرات وتحولات على جميع الأصعدة.
يعالج الفيلم نظرة الآخر للقارة و موضوع التجارة، و العلاقات الإنسانية وغيرها، وينافس في التظاهرة ضمن صنف الأفلام الروائية الطويلة، حيث عرض سهرة الثلاثاء بقاعة سينما المغرب.
يروي العمل قصة «آية» التي لم تكن امرأة عادية ترضخ لطقوس عشيرتها بساحل العاج، بل كانت ثائرة ورافضة لها ولفكرة الزواج الإجباري، وهي الوحيدة التي قالت «لا» للقاضي، من بين كل النساء اللواتي كن ينتظرن دورهن لعقد القران، حيث غادرت المكان بلباس الزفاف الأبيض إلى وجهة غير معروفة متمردة على كل العادات والتقاليد التي يحتكم إليها أهلها.
ينتقل بنا المخرج عبر طريق الحرير إلى الصين، أين ذهبت البطلة وبدأت العمل هناك في محل لأحد تجار الشاي كان معروفا بتعامله مع الأفارقة، حيث بدأت مغامرتها تكبر و تطورت لتصبح علاقتها بالسيد «كاي» صاحب المحل عاطفية يطبعها الحب والإعجاب، وكأنه اكتشف عالما مغايرا يختلف كليا عن الصين، وهو عالم يغرق في نكهة الشاي في إشارة لاستهلاك الأفارقة للشاي بكثرة، ما يعطيهم فكرة أعمق عن ذوقه واستخداماته. مع مرور الأيام، بات فنجان الشاي يقرب بين البطلة ورب العمل ويوطدها أكثر، إلى أن تكتشف زوجة «كاي» وجود آية في حياته بعدما ظهرت عليه تغيرات كثيرة. تبدأ هنا فصول العلاقات الصينية الإفريقية في التشعب، وتعكس الأحداث نظرة الصينيين للأفارقة، من خلال موقف زوجة كاي وولديها، وتأرجح قراراتهم تجاه العلاقة بين القبول والرفض، ثم تتعود الزوجة وابنيها تدريجيا على آية الإفريقية، وكلما تقربا منها أكثر اكتشفا جوانب من شخصية إنسانة من مجتمع آخر مختلف تشبههم في كثير من الجوانب، فلها أيضا كرامتها وأحاسيسها ومن حقها أن تحب وتتزوج وتعيش مثل باقي النساء كما أنها طيبة القلب.
سرعان ما يتقبل الابن الأكبر العلاقة بين والده والمرأة الإفريقية ويصبح صديقا لها، ثم تبدأ والدته أيضا في التأقلم مع الواقع مؤكدة أنها « ستسامح ولكنها لن تنسى».
يظهر الفيلم فضل التغييرات التي طرأت على المجتمع الصيني مع مرور السنوات، في حدوث الانفتاح على البشر من ثقافات أخرى وكيف يصبح التعامل أسهل وأكثر سلاسة في مختلف المجالات، رغم أن الجيل الأول من عائلة «كاي» يرفضان تقبل التغيير وفكرة دخول الأجناس الأخرى إلى الصين التي حافظت لقرون كثيرة على خصوصيتها من خلال الانغلاق وحذرها من التعامل مع الآخر حتى في الأمور السياسية والاقتصادية.
تعكس الحوارات والأحداث كذلك، تغيرا كبيرا في المفاهيم والقيم وهو ما يبينه نقاش زوجة «كاي» مع والديها وهي تقول لهما « لقد كبر ولدي وأصبح رجلا وأنتما لم تغيرا نظرتكما إلى العالم»، حيث يتضح بأن هناك ميلا أكثر للانفتاح على التغيير وعلى الشعوب الأخرى وتقبل حقيقة أن العالم كبير و لا يمكن أن يعيش الإنسان منغلقا على نفسه.
جاءت نهاية الفيلم صادمة قليلا، لأن الرجل يعود في آخر المطاف إلى زوجته، و ترجع آية قريتها الإفريقية لتتزوج رجلا إفريقيا وتدفن مشاعرها بداخلها كي تستمر في الحياة، ومن خلال فلاش باك سريع يعود المخرج بالجمهور إلى مشهد البداية أي مراسيم عقد القران، لكن البطلة تقبل الزواج هذه المرة بعدما عاشت مغامرة كبيرة في السابق.
في الفيلم يروي المخرج كذلك، قصة ثانية تبين كيف لعبت طريق الحرير دورا في الانفتاح الكبير الذي عرفه المجتمع الصيني، حيث يستقبل «كاي» تجارا من إفريقيا ويربط معهم علاقات عمل وتعاون، فيتعلم هؤلاء اللغة الصينية و يتحدثونها بطلاقة، كما تستقطب عاداتهم الصينيين لاكتشاف الثقافة الإفريقية أثناء السهرات الغنائية التي تقيمها مجموعة من الأفارقة تكرس الطابع الثقافي الإفريقي.
بن ودان خيرة