السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

«الأب الأخير»!

لم تنل السنوات من شغفه بالكتابة، هو الذي اختفى في زمنه الطفوليّ. ولم تنل منه.  وهو يطرقُ باب الثمانين في كامل حيويته، لا يتوقّف عن إعادة  سرد حكايته وكأنّه يرويها للمرّة الأولى. رواية بعد رواية رفع معماره، موظّفا تاريخه الخاصّ الذي يدور حول جرحٍ عائليّ، وتاريخ الجزائر المعذّبة، أيضاً، بجشع الاستعمار وحماقات الأبناء. في كلّ نصّ نقف على مزج بديعٍ بين التاريخين، ونستعيد قصّة الأم المنبوذة والأب المزواج والأخ المتمرّد الذي يموت في ريعان الشباب، و شذرات من تاريخ الجزائر الحديث: من انقلاب بومدين إلى أحداث أكتوبر ثم سنوات الإرهاب...
رشيد بوجدرة ليس مجرّد كاتب، بل هو ظاهرة في حياتنا، فهو الذي رفع منسوب الجرأة في الأدب الجزائري، بتكسير طابوهات الجنس والدين والسياسة بشكلِ غير مسبوقٍ منذ "الإنكار"، الرواية- الزلزال، وهو ضمن الكتّاب القلائل الذين منحوا صوتاً  للمثقّف في مجتمع شفويّ لا يتعاطى القراءة ولا يتعامل بإيجابيّة مع "المكتوب"،  وهو الذي لم يتردّد في نقد النظام السياسي، في وقتٍ كان النقد فيه محرّماً وكان أغلب الكتّاب ينتسبون إلى منظّمة من منظّمات الحزب الواحد . كان ذلك قبل ظهور "السيلفي" بعقودٍ !
 و قد كلّفته مواقفه الكثير، ليس في الجزائر فحسب، ولكن في فرنسا أيضاً، حيث ظلّ ينشر أعماله دون خضوعٍ لشروط ِ الدوائر الإعلاميّة والأدبيّة التي تقايض المجد بالمواقف.
ليست هذه دعوة إلى حبّ رشيد بوجدرة، ولكن مجرّد تنبيه إلى أنّ الكاتب الذي يُرمي بالحجارة، بين الحين والحين، على باب الثمانين وهو الحبّة الأخيرة في عنقود لن تتكرّر حبّاته، فقد علّمتنا الخسارات منذ اختفاء مالك حداد وكاتب ياسين  ومحمد ديب...أنّنا لا ننتبه إلى رموزنا وهي تسعى بيننا ونسيء تقدير قيمتها في أغلب الأحيان.
بل هي دعوة إلى كفّ الأذية وإعادة اكتشاف نصوص هذا الكاتب، ومنحه التقدير الذي يستحق وهوّ بيننا، كما تفعل الأمم المتحضرة التي تحتفي بمواهبها الكبيرة، فهذا الكاتب بالذات أنتج نصوصاً كبيرة ومن المحزن حقاً، أن يتمّ تقديمه بالطريقة التي قامت بها بعض وسائل الإعلام في بلده، مستغلّة "عفويته" لتهيّج الجماهير التي لا تقرأ الكتب عليه.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com